((أنتم أخطر منطقة في العالم، أنتم منبع أكثر الأفكار والجماعات تطرفاً. أنتم مصدر أخطر العصابات
الإرهابية. أنتم تهددوننا جميعاً. نحن نعلم أن بينكم معتدلين. ولكنهم لا يبذلون جهوداً كافية لمقاومة التطرف والمتطرفين والإرهاب والإرهابيين. ولذا سوف نأتي إليكم بأنفسنا لكي نقضى على هؤلاء الأشرار))
هذه هي خلاصة الرسالة التي وجهها أوباما وحلفاؤه هذا الأسبوع في مجلس الأمن وفي قمة واشنطن لمكافحة التطرف والإرهاب، وهي الرسائل ذاتها التي تصدرت المشهد منذ سقوط الموصل في أيدي "داعش" في صيف 2014، التي أصبحت منذ ذلك الحين هي الخطاب الرسمي الموحد للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، ومعهم الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والأنظمة العربية كافة، بالإضافة إلى إسرائيل وتركيا وإيران.
الجميع يتبارون في تأكيد عضويتهم في نادي مكافحة التطرف والإرهاب العربي الإسلامي أمام الكاميرات، بينما يعملون في الكواليس على توظيف الأحداث والحملة الدولية، للتخديم على مصالحهم وأجنداتهم الخاصة. وعلى رأسهم نتنياهو الذي وجدها فرصة للضرب في المقاومة الفلسطينية وتشبيهها بداعش، وتأسيس تحالفات مع دول عربية كبرى في مواجهة الإسلام الراديكالي المتطرف الذي يمثل عدواً مشتركاً للعرب وإسرائيل.
والبعض الآخر ذهب بعيداً في التماهي مع الاتهام الأمريكي الغربي، وتمادى فيه إلى الدرجة التي عمم فيها الهجوم ليشمل جموع المسلمين في العالم، مثل عبد الفتاح السيسي، في خطابه الشهير في الأزهر بمناسبة المولد النبوي الشريف.
وهذا الخطاب التحريضي الأمريكي/الدولي ليس جديداً علينا، فهو ذاته خطاب جورج بوش بعد سبتمبر 2001، ضد كل ما هو عربي أو إسلامي، لتبرير غزوه لأفغانستان والعراق، وإعادة تشكيل عالم ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. وهو الخطاب الذى يتم استدعاؤه وتحديثه حسب الطلب والمصلحة.
ولقد حاول أوباما أن يغلف خطابه الأخير، بعبارات من الغزل للرأي العام الإسلامي، فكرر أكثر من مرة، أن المشكلة ليست في الإسلام، وأن غالبية المسلمين "طيبون و أخيار"، وأن التطرف هو نتاج لعوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية كثيرة كالفقر والاستبداد، وأن هدف الولايات المتحدة الوحيد في حملتها هو إنقاذ المنطقة والعالم من هذا الشر المبين.
وهنا تتجلى حقيقة النفاق أو "الاستهبال" الأمريكي والدولي المزمنة في أوضح صورها، فهم ينتقون ما يناسبهم من أسباب للتطرف، ويطمسون الأسباب الحقيقية له؛ مثل الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، وجبروت القوة العسكرية والنووية التي لا يمكن أن يقبلها الأحرار من البشر أو الأمم.
ورعايتهم ودعمهم للكيان الصهيوني واغتصاب كامل الأرض الفلسطينية، وتغطيتهم ومباركتهم لمذابحه التي لا تتوقف، وآخرها العدوان الأخير على غزة.
ودورهم في هزيمة 1967 وسرقة النصر في 1973 وإكراه أنظمتنا على التنازل عن فلسطين في كامب ديفيد وأسلو ووادي عربة. وعن ظلم الأمم المتحدة وانحيازها ضد الحقوق العربية على مر العقود.
لم يتحدثوا عن قرنين من الاستعمار الغربي المتواصل، وعن العنصرية والاستعباد وصناعة التخلف. وتصديهم لإجهاض كل مشروعات التحرر والاستقلال والنهضة والوحدة. أو عن الهيمنة الحديثة ونهب الثروات ودعم الأنظمة الحاكمة التابعة المستبدة الفاسدة، وحماية العائلات المالكة الخليجية.
أو عن تخريب الاقتصاديات الوطنية بمؤسسات الإقراض الدولية، وإغراق الأسواق العربية بالمنتجات الغربية، وضرب الصناعات الوطنية والتركيع الاقتصادي إن لزم الأمر. وعن صناعة واستقطاب طبقات رأسمالية عربية وكيلة وتابعة.
لم يتحدثوا عن دورهم في تحويل الصراع العربي الصهيوني إلى صراع عربي - عربي. ومخططات التقسيم عبر تفجير الصراعات الطائفية والحروب الأهلية، بالدعم والتمويل والتسليح والتدريب والتدخل والحظر الجوى والعقوبات الاقتصادية والتحالفات و القرارات الدولية.
لم يتحدثوا عن الإعلام الغربي المضلل المزيف المنحاز، أو عن عنصريتهم الثقافية والحضارية، و معاداتهم لثقافات الشعوب الأخرى كلها، ومحاولة القضاء عليها وتخريبها أو تفريغها من أهم مبادئها وقيمها وإعادة تشكيلها؛ من أجل خلق احتياجات استهلاكية كاذبة تتواءم مع متطلبات أسواقهم وتجارتهم واستثماراتهم، أو لصناعة مجتمعات بشرية مهزومة وخاضعة يمكن السيطرة عليها وتوجيهها. لا قدسية عندهم لأي حضارة أو دين أو عادات أو تقاليد.
لم يتحدثوا عن محاولات إجهاض أو احتواء أو اختراق الثورات العربية، غير عابئين بالآلاف المؤلفة من الضحايا من القتلى والمعتقلين الذين أفنوا حياتهم من أجل تحقيق الحلم العربي القديم في الحرية والكرامة والاستقلال.
وغيره الكثير والكثير.
ثم بعد ذلك كله، يتهموننا بالتطرف، لو قاومناهم ورفضنا الخضوع لجبروتهم !
إن التطرف في مواجهة الاحتلال والغزو والتقسيم والنهب والهزيمة والاستسلام والعنصرية والاستلاب الحضاري، هو رد الفعل الإنساني السوي الطبيعي الوحيد.
أما الإرهاب بمعناه الحقيقي وليس بالمعنى الأمريكي/الصهيوني، فنحن لم نره ونعيشه سوى على أيديكم وعلى أيدي ميليشياتكم المشبوهة التي زرعتموها في أوطاننا.
وفي الختام، يجب الانتباه إلى أنه رغم كل شيء، فإن لدينا فرصة مواتية للرد والتصحيح، فهم يحشدون ويحتشدون في كل مكان لتقييمنا ومحاكمتنا؛ تمهيداً لمزيد من الانقضاض علينا، واستطاعوا بالفعل أن يوجهوا أنظار العالم كله نحونا، وكأننا أصبحنا مشكلة البشرية الوحيدة، وقد يمثل ذلك ظرفاً مناسباً لكي نكشف زيف إداعاءاتهم، ونطرح الرواية الحقيقية لما فعلوه في بلادنا.