ضربت جماعة
الحوثي بقرار مجلس الأمن عرض الحائط، وبدلا من تنفيذ القرار الدولي الذي طالبهم بالانسحاب من المؤسسات التي يسيطرون عليها في العاصمة صنعاء، راحت الجماعة المسلحة تلتهم بلدات أخرى وتقود
اليمن الى مقامرة جديدة قد تنتهي بحصار اقتصادي ومجاعة في سيناريو شبيه بالنموذج الطالباني في أفغانستان، وفقا لمراقبين.
وكان الحوثيون قد أعلنوا الرفض القطعي لقرار مجلس الأمن الذي تم تبنيه بالإجماع، الأحد الماضي، ودعت ما يسمى بـ"اللجنة الثورية" التي أوكل اليها إدارة البلاد، مجلس الأمن الدولي إلى احترام إرادة الشعب اليمني وسيادته، وعدم الانجرار وراء قوى إقليمية تسعى جاهدة إلى إلغاء إرادة الشعب اليمني.
وبعد أيام من صدور القرار الدولي بدا الحوثيون غير مكترثين به، وتحديدا فيما يخص رفع الاقامة الجبرية عن الرئيس المستقيل "عبدربه منصور هادي" رغم تعالي الأصوات المنادية بحاجته الماسة للعلاج نظرا لتدهور حالته الصحية، وكذا الاجراءات الأحادية التي أقروها.
وأثار تعنت جماعة الحوثي تساؤلات كثيرة في الشارع اليمني حول القوة التي يستند اليها الحوثيون في رفض قرار مجلس الأمن رغم تأييده بالإجماع من دول يحاولون مغازلتها وكانت عونا لهم في عدم استصدار قرارات سابقة ضدهم مثل روسيا والصين.
وكررت الصين وروسيا دعوات منفردة لجماعة الحوثي بضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن الأخير، لكن الجماعة التي أسقطت العاصمة يوم 21 أيلول/ سبتمبر الماضي، واصلت تقدمها العسكري نحو الجنوب، ودخل مسلحوها مسنودين بقوات من الجيش، مديرية "الزاهر" بمحافظة البيضاء ( وسط البلاد ) التي تشرف على محافظة أبين الجنوبية، عقب اتفاق مع زعماء قبليين، وفقا لمصادر محلية.
ويقول مراقبون إن جماعة الحوثي ما زالت "قاصرة سياسيا" ولا تعي عواقب معاداة
المجتمع الدولي والخليجي، الذي تصنفها بعض الدول فيه مثل السعودية والإمارات، كجماعة "إرهابية".
ويرى الباحث والمحلل السياسي "عبدالناصر المودع " أن الحوثيين بصفتهم "حركة شمولية" فإنهم لا يستطيعون التراجع عن الخطوات التي يتخذونها بسهوله، فسياسة الحركة الشمولية التي تحصل على السلطة عن طريق العنف هي إما الكل أو لاشئ.
وقال المودع، "الحركة الحوثية حين حصلت على موقعها الحالي حصلت عليه في لحظة غفله، ولهذا فإنها في حال تراجعت عن الخطوات التي قامت بها فإنها تدرك أنها لن تحصل عليها مجددا، ولهذا متوقع منها أن ترفض قرارات مجلس الأمن".
وعن رهاناتها يقول المودع إن جماعة الحوثي لا تحسب كثيرا لعواقب سلوكها وأضراره على الدولة، فكل همها أن تحصل على السلطة وتحافظ عليها، وهي الى جانب ذلك تسعى لأن تحصل على دعم بعض الدول والتي قد تستغلها للضغط على بعض القوى من قبيل استخدام روسيا الحوثيين لمقايضتهم السعودية ودول الخليج في ملفات أخرى كالنفط وسوريا".
وبسبب فقدان أمريكا والخليج لحلفائهم في اليمن، والذين كان من الممكن أن يتم التعويل عليهم في شق الصف الحوثي وحلحلة الأزمة، يرى مراقبون أن دولة إيران ستكون صاحبة الكلمة الأخيرة في حل الأزمة اليمنية وكبح جماح الحوثيين.
وأمس الأربعاء ظهرت إيران لتبرز قوتها كلاعب له ثقل في الساحة اليمنية أكبر من مجلس الأمن، وأعلنت أنها على استعداد لحل أزمة اليمن التي تعيش فراغا رئاسيا منذ 21 يناير/كانون الثاني الماضي.
ونقلت وكالة "أنباء فارس" الإيرانية عن المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، القول "على الجميع المساعدة لملء الفراغ السياسي، ونحن على استعداد للمساعدة في هذا المجال ونأمل التحرك في مسار الحل دون فرض ضغوط من أطراف معينة".
وفي دفاع مباشر عن جماعة الحوثي ضد الضغوط الخليجية والدولية قالت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية "نأمل من المحافل الاقليمية والدولية التحرك للبحث عن حل دون ممارسة الضغوط على طرف معين".
وعلى الرغم من تواصل المفاوضات بين القوى السياسية اليمنية تحت إشراف المبعوث الأممي جمال بنعمر، إلا أن المخاوف تتزايد لدى اليمنيين من المقامرة الحوثية والتي قادت البلد حتى الآن الى عزلة تمثلت برحيل غالبية السفارات والشركات النفطية وأبرزها الاستثمارات الخليجية.
ويقول الباحث المودع إن الحركات الشبيهة بالحركة الحوثية ليس لديها مانع من أن "تحكم حتى لو أوصلت شعبها للمجاعة، كما كان حاصلا مع طالبان في أفغانستان".
وفي ظل تراجع انتاج النفط الى الحضيض وتوقف الدعم الخليجي يخشى خبراء من انهيار الاقتصاد وإفلاس الخزينة العامة وعدم تمكن الدولة من سداد رواتب الموظفين للشهرين القادمين ، لكن جماعة الحوثي تواصل المضي في مشروعها وتواصل التغني بمكافحة الفساد، حسب مراقبين.
ويرى الكاتب والناشط السياسي ماجد المذحجي "أن الحوثيين يفتقرون للقدرة على انتزاع اعتراف سياسي واجتماعي بدولتهم"، ولذلك يلوذون بفكرة "الثورة" كونها تمكنهم من ممارسة السلطة قسراً ولو كره الجميع.
وقال المذحجي لوكالة الاناضول إنها أزمة شرعية يتم التغطية عليها بفرض الحقائق بالقوة على الأرض، لينجم عن ذلك استنفار متبادل بين الجماعة وعموم اليمنيين، علاوة على كون إصرارهم في المضي بهكذا مسار منفرد سيخلق جيوب كراهية كبيرة في المجتمع، ويحفز بالضرورة احتقان واسع ذو ملامح مذهبية وجهوية وحتى عرقية.
وأضاف "يدفع الحوثيين اليمن بسرعة نحو خانة الفشل والعزلة، وبمنطق ثورجي احمق يستدعون الخارج كخصم ويدفعونه لأن يكون كذلك فعلاً"، وبينما هم يهددون بخفه "المصالح الحيوية" لدول عده مهمه، لا يدركون أن ضربهم - أو بالحد الأدنى عزلهم - سيصبح مصلحة حيوية لهذا الدول خصوصاً وهم يصبحون سريعاً تهديد خطير في بلد يقع على خاصرة أهم تجمع للمصالح الدولية في الخليج.