تعيش مدينة
دوما الواقعة في الغوطة الشرقية بدمشق، أياماً عصيبة، حيث القصف والعنف الممنهج الذي تمارسه عليها قوات النظام.
وبعد مناوشات متعددة بين كتائب "جيش الإسلام" ونظام
بشار الأسد، هدد بإبادة دوما عن بكرة أبيها.
إحصاءات بالقتلى والمصابين
المدنيون رفضوا الخروج من "دوما"، وأمعنت قوات النظام في قصف المدينة بشتى أنواع الأسلحة، وشنت عدة غارات جوية عليها، مما تسبب بمقتل مئات الأشخاص بينهم نساء وأطفال، حيث بلغت الحصيلة النهائية للشهداء بحسب المركز السوري للإحصاء 242 شهيداً في الغوطة الشرقية، و155 في مدينة دوما، و50 جريحاً معظمهم من النساء والأطفال خلال الأيام العشرة الأولى من شهر شباط/ فبراير.
إحصاءات القتلى والمصابين، عادت بالناس إلى الأيام الأولى للثورة، فدوما التي شهدت ولا زالت حتى أعتى الحملات العسكرية، بقيت صامدة، ولا زال أهلها يرابطون داخلها، فلا أحد ينسى "مجزرة الكيماوي" التي أودت بمئات الضحايا خنقاً.
هاشتاغ "دوما تباد"
ونتيجة هذا العنف المتواصل تجاه المدينة الصامدة، أطلق ناشطون هاشتاغ "دوما تباد"، بعدة لغات على "تويتر" و"فيسبوك"، وبلغ عدد التغريدات العربية على "تويتر" في أقل من عشرين ساعة، أكثر من 200 ألف تغريدة، وبالإنكليزية حوالي 150 ألف تغريدة، بالإضافة إلى تغريدات بلغات أخرى كالألمانية والفرنسية، وبث المغردون على شبكات التواصل الاجتماعي، صوراً توضح حجم المأساة في دوما مقارنين ما حدث في دوما بثورة العالم على حرق الطيار الأردني، وغض النظر عن حرق مئات الأشخاص في دوما أحياء.
الصمت المطبق على المجازر
ويقول الناشط محمد علوش تعقيباً على الصمت المطبق على المجازر في
سوريا، وخاصة في دوما: (قلوب العالم .. كيف لا تحرقها ملوحة دمعنا؟!).
بينما اعتبر يوسف البستاني أن ما يجري في سوريا، حملة إبادة ممنهجة معقباً على ذلك بمنشور له على صفحته الشخصية على الفيسبوك: "هذه ليست الحرب العالمية إنها الإبادة الجماعية في دوما".
ويقول محمد عمار: "إن لم يكن فيلم الحرق هوليودياً في الإنتاج، ولم تبطئ الصورة عند اشتعال الجسد، لن يصحو ضمير العالم؟!" مشيراً إلى الطريقة التي تناول فيها العالم حرق الطيار الأردني.
الضحايا المحترقة وأشلاء الأطفال
ومع أن الصور القادمة من دوما التي تصدرت صفحات كبريات الصحف العالمية مثل "نيويورك تايمز"، إلا أن ذلك لم يمنع من أن يوضع حد لما يجري هناك، حيث غصت صفحات الفيسبوك بجثث الضحايا المحترقة وأشلاء الأطفال.
بكاء بالدم في دوما
"طول عمرنا ما نسمع عن ناس بتبكي دم حتى شفناهم بدوما"، هكذا غردت ميس على حسابها على "تويتر" مرفقة التعليق بصورة لرجل مسن من دوما دامي العينين، وفي مشهد آخر لطفل يخرج جثة متفحمة من تحت الأنقاض يكتب طلال: "دوما لا تحترق وحدها، قلوبنا كلها تحترق معها".
فيما دون الكاتب أحمد أبازيد "دوما تباد لا ياسمين هناك، ولا موت أنيق، ولا ملثمون ولا أقليات منتهكة، كل ما هنالك عادي جداً، وخارج شروط نجاح الصورة، العاديون لا صخب لهم".
الحياة الخارجة من تحت الأنقاض
الوجه الذي يحكي حكاية البؤس، حكاية الحياة الخارجة من تحت الأنقاض، عيون حمراء وخدان ملطخان بالدمار حفرت آثار الدمار خطوطاً عليهما، ودمعة مختبئة في المقلة الحزينة، هي صورة لرجل بقي تحت الأنقاض لساعتين نشرها الناشط حسان تقي الدين مرفقاً بها "هاشتاغ دوما تباد"، وقال لمثل هذا يبكي القلب دماً.
في حين نشر الكاتب أحمد دعدوش صورة سوريالية بكل معنى الكلمة، لأطفال مرميين أمام عمارة مهدمة على غبارها الرمادي أجسادهم الغضة ولم يلون الصورة، إلا أكياس"الشيبس" الملونة بجانبهم.
الانتماء والطائفة والسياسة
ولأن المآسي في سوريا تتصدر الساحة العالمية تبعاً للانتماء والطائفة والسياسة، فقد نشر أحمد درباس على صفحته الشخصية على الفيسبوك "كنت بتمنى أن تكتب الصحف العالمية عن دوما بنفس الروح التي كتبت فيها عن كوباني وأهل كوباني".
بينما رفض آخرون أن يعتمد على "هاشتاغ دوما" تباد رافضين لمدينة صامدة كدوما، أن تستسلم حيث تنشر رجاء "المدينة التي أفاقت من رائحة الكيماوي ذات مجزرة ستقف اليوم بعد مأساتها الجديدة".
أما الصحفي أحمد العقدة فقد نشر على صفحته الشخصية على الفيسبوك: "دوما صدر دام وقلب نابض دوماً رغم كل شيء".
فريق ملهم التطوعي
بينما سارع أعضاء "فريق ملهم التطوعي" إلى إطلاق "هاشتاغ دوما لن تباد"، عن طريق مد يد العون للأهالي المحاصرين في الداخل والتبرع بأسهم لإنقاذ ما تبقى من أرواح.
فيما استذكر آخرون مجازر المدن التي سبقت دوما والتي أطاحت بطغاتها وبقيت صامدة كالريح كحماة، حيث يكتب محمود "حافظ مات، ولم تمت حماة، بعينيها تقاتل، وحبوب سنبلة تجف ستملأ الدنيا سنابل" مستعيراً تلك العبارة من البيت الشهير للشاعر محمود درويش "نيرون مات ولم تمت روما بعينيها تقاتل".
ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي "بوستر" موحد يصور عنقود عنب تمسك به قبضة توحي بالإرادة والصمود، اللذين يرمزان لمدينة دوما التي عرفت بأنها تأبى الضيم أو الخنوع.
لكن وسط هذا الموت والألم الذي يطارد كل إنسان سوري، تعلو صيحات الأمل من أناس من داخل دوما، نشطاء سخروا حياتهم لدرء الألم عن غيرهم، ولم يخفوا الابتسامة وسط بحر البكاء، كأنهم يقولون وإن متنا لا تدعوا الوقت يمضي للبكاء، انطلقوا في الثورة حتى النصر.