لم يتمكّن تنظيم «
داعش» من التمركز على حدود
تركيا لأن محاولته التمدد عبر عين العرب/ كوباني شمال شرقي سوريا انتهت إلى هزيمته وخروج مقاتليه منها. وطُرد أيضاً من ديالى شرقي
العراق حيث حاول إيجاد موطئ قدم على حدود إيران. وكان هجوم «داعشي» مدعّم بانتحاريين أخفق في اختراق نقطة حدودية سعودية. وتحاول مجموعة من التنظيم، متعايشة مع «جبهة النصرة» في جبال القلمون السورية، إنشاء بنية ناشطة لـ «داعش» في لبنان، لكنها لم تفلح حتى الآن. وفجأة أعلن التنظيم «رسمياً» عن وجوده في ليبيا من خلال عملية انتحارية استهدفت فندقاً للديبلوماسيين في طرابلس. وكانت جماعة «أنصار بيت المقدس» أعلنت في وقت سابق أنها فرع لـ «داعش» في سيناء حيث نفذت قبل أيام سلسلة هجمات مركّبة أودت بعشرات القتلى معظمهم من العسكريين.
في غضون أيام متقاربة تزامنت هزائم «داعش» ومغامراته في أماكن متفرقة ومتباعدة جغرافياً. وإذا أضيفت إلى الهزائم نجاحات متقدمة لـ «البشمركة» الكردية شمالي الموصل وإنجازات محدودة لبعض القوات الحكومية العراقية في الأنبار، يمكن القول إن الحرب الحالية، بحدّها الأدنى، رسمت حدوداً للزخم القتالي للتنظيم ولطموحاته التوسّعية. إذ كان يتطلّع إلى السيطرة على حدود دولية والعمل على تحصينها ليتمكّن من تأكيد صفته كـ «دولة»، واستطراداً للدفاع عنها باعتبارها «إسلامية»، خصوصاً أن عدداً وفيراً من «صغار العقل والدين» راح يعطيه امتيازاً للاسم الذي خلعه على نفسه. أما المغامرات السوداء فليس مضموناً أن تقتصر على الأماكن التي وجدت فيها، فقد يكون ظهورها هنا وهناك بمثابة ردٍّ على الحرب المباشرة التي يتعرّض لها في العراق وسوريا. وللأسف فإن انتشاره، كما حصل سابقاً مع تنظيم «القاعدة»، بعد طرده من أفغانستان، سيكون تطوّراً كارثياً، بل سيكون أسوأ من ذلك إذا لم يؤخذ في الاعتبار ضمن الاستراتيجية الحالية للحرب، إذ بيّنت التجربة أن تفرّع «القاعدة» وتمدّده أدّيا إلى ظهور أكثر تجذّراً ووحشية كما في فروعه في اليمن والصومال والمغرب العربي وقبل ظهور «داعش» نفسه.
كل ذلك يجدد التساؤل عن أسباب مواصلة الحديث عن «حرب طويلة» تُقاس دائماً بالسنوات، لكن بات معروفاً أن تحوّل نظامين مذهبيين في العراق وسوريا إلى طرفين في حربين أهليتين لهما أبعاد طائفية حال ويحول دون إقحام جيشيهما في الحرب للتعجيل بالقضاء على «داعش». ورغم وجاهة السبب، فإن الكثير من اللوم يُلقى على الولايات المتحدة التي اتّبعت إدارتها الحالية سياسة لامبالاة وسلبية إزاء ما جرى في البلدين، تاركة التطوّرات تعمل لمصلحة المتطرّفين. وكانت لواشنطن تدخّلات متقطّعة في بغداد من دون أن تحسن ردعها عن المضي في استفزاز السنّة، ومن دون أن تستحثّ طهران للتخفيف من نزوات نوري المالكي. كما كانت لواشنطن محاولات للتفاهم مع موسكو على «حل سياسي» في سوريا، لكنها أخفقت تاركة للنظام السوري خيار الاستشراس على مواطنيه. وفي الحالين فعلت واشنطن بـ «الصحوات» العراقية ما عادت وفعلته بالمعارضة السورية، اذ تركتهما لمصيرهما، فكان أن استضعفهما المتطرفون ووجدوا أن الفرصة مواتية لهم.
واليوم يعود الأميركيون إلى نقطة الصفر، إذ يطرحون تسليح عشائر العراق وتدريب «معتدلي» المعارضة السورية. ورغم الخسائر البشرية التي مني بها هؤلاء حتى الآن لم يبدأ الأميركيون بعد تنفيذ ما يطرحونه. وفي المقابل لم يتوصّل أعضاء «التحالف الدولي» إلى أي تصوّر لمسار الحرب حين تمسّ الحاجة إلى قوات برّية قد لا تتوفّر للأسباب ذاتها التي حالت حتى الآن دون وجودها. لكن ما جرى في العراق كان من تداعيات الغزو والاحتلال، أي أنه في بعضه على الأقل مسؤولية أميركية، وما يجري في سوريا نتيجة لعدم التدخل ولمنع أي تدخّل آخر. وفي الحالين تركت أميركا إيران تتدخّل كما تفعل حالياً في الحرب وتسمح لميلشياتها بارتكاب مجازر ضد السنّة، أي بإعادة إنتاج الظروف التي ظهر فيها «داعش».
إذا بقيت استراتيجية «الحرب على الإرهاب» تحت سقف «إضعاف داعش»، وبقيت الحرب على منوالها ووتيرتها الراهنين، وهذا هو المرجّح، فإنها تتقصّد منح التنظيمات الإرهابية كل الوقت اللازم كي تتمدد في أكثر من بلد ويكون المجتمع الدولي سمح للمرة الثانية للولايات المتحدة بأن تشن حرباً لتوسيع رقعة الإرهاب لا للقضاء عليه فعلياً.
(نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية)