"صنعنا هذا
الفيلم كي لا يقع اعتداء على امرأة أو رجل في تونس".. بهذه الكلمات تحدث
المخرج التونسي،
منصف بربوش، عن فيلمه الروائي الطويل "
صراع" الذي يروي ما عاناه أبناء جلدته في عهد الرئيس الأسبق،
زين العابدين بن علي (1987- 2011).
وعرض الفيلم منتصف الأسبوع الماضي لأول مرة، في قاعة الكوليزي بقلب العاصمة تونس، ومدته ساعة و35 دقيقة، ويشارك فيه الممثلون صالح جدي ولمياء العمري وهشام رستم وصلاح مصدق.
وفي حديث لوكالة "الأناضول"، قال منصف بربوش: "صنعنا هذا الفيلم لكي لا يقع الاعتداء على امرأة أو رجل في تونس بعد ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 التي أطاحت ببن علي مرة ثانية والاعتبار من الماضي الذي نتمنى أن لا يتكرر".
ويروي الفيلم عذابات الماضي التي طالت المعارضين التونسيين خلال فترة حكم زين العابدين بن علي، وهي الفترة التي تجاوزها التونسيون عبر الثورة، "مواصلين سيرهم الحثيث نحو نظام حكم ديمقراطي لا تتكرر فيه المشاهد المؤلمة ولا تنتهك فيه حرمة إنسان من جديد"، حسب بربوش.
وبحسب مراسل "الأناضول"، فإن أحداث الفيلم تدور في عام 1990، أي بعد ثلاث سنوات من إعلان زين العابدين بن علي، عن انتهاء فترة حكم الرئيس الحبيب بورقيبة (1903- 2000)، وإعلان ما أسماه آنذاك "التحول"، وهي الخطوة التي هللت لها العديد من الوجوه الإسلامية المعارضة ممن حلمت بالحرية والتعددية السياسية.
وبدأ الفيلم بجملة اعتدنا قراءتها في الأفلام الاجتماعية التي تحاكي الواقع: "أي تشابه بين شخصيات الفيلم وبين الواقع هو من محض الصدفة"، لكن الصدف تعددت في هذا الفيلم وبتنا لا نفرق فيه بين الرواية والواقع.
أحد المشاهد الواقعية في الفيلم كانت قصة مخرج الفيلم نفسه، حيث تمكن من الإفلات من مركز الإيقاف بالصدفة، إذ لم يتوان الشاب عن نزول درج المركز الأمني متحليا بالهدوء والرصانة، والفرار مستغلا حالة الفوضى التي حلت بالمكان بعد أن اقدم أحد الموقوفين السياسيين على الانتحار أثناء التحقيق معه. فر الشاب بعد أن منحه القدر فرصة النجاة.
وعن ذلك، قال بربوش: "نعم لقد كنت أنا ذلك الشاب مع بعض الاختلاف في التفاصيل.. ذلك الشاب الذي هرب بقدرة قادر من مركز الأمن".
ونجا بربوش من المعتقلات وغادر البلاد ودرس السينما بمصر، وقدم العديد من الأفلام في الخارج، وعاد بعد الثورة التونسية إلى وطنه ليصنع الفيلم الذي فكر في إنجازه سنة 1990.
المخرج التونسي قال أيضا: "نحن لا نريد أن نبكي على الماضي. المهم أن صراعا تم عرضه في قاعة الكوليزي بشارع الحبيب بورقيبة، وسيشاهده الناس".
وخلال الفيلم، اقتربت كاميرا "صراع" من المعارضين وعائلاتهم وصورت عن قرب المداهمات الليلية المروعة التي تعرضوا لها داخل بيوتهم أمام أعين أطفالهم وزوجاتهم، ورصدت أبشع مشاهد التعذيب داخل سراديب وزارة الداخلية من خلال حكاية الأستاذ مصطفى وزوجته مريم، مدرّسة الموسيقى.
ودخلت كاميرا الفيلم في جزئيات الحياة اليومية في أسرة مصطفى ومريم، وتسللت داخل عالمهما المحاصر بالألم والحزن، وسجلت لقطات مروعة وعنيفة تقشعر لها الأبدان من داخل غرف التحقيق، منوعة مشاهد التعذيب التي طالت الرجال والنساء على حد سواء، حسب المراسل، الذي قال أيضا إن الفيلم ركز على معاناة المعارضين الإسلاميين بالأساس.
وحسب بربوش، فإن الفيلم "يوثّق صراعا لفترة من تاريخ تونس الأسود.. وماضيا ما زالت ندوبه محفورة في الذاكرة وعلى بعض الأجساد".
ومضى المخرج الفرنسي قائلا: "فيلم (صراع) أزعج البعض، مما عرّضه لصعوبات كبيرة وإلى العديد من الضغوطات من العديد من الجهات، لكي لا يتم عرضه قبل موعد الانتخابات التشريعية التي أجريت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والرئاسية وأسدل الستار عنها أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2014، بسبب محتواه الذي خاض في فترة التسعينيات من القرن الماضي، عندما انقلب نظام بن علي على المعارضين وزور الانتخابات وزج بكل من خالفه الرأي في السجون بعد أن وعدهم بالديمقراطية".
وفي رد حول "إقصاء" حكايات المناضلين من تيارات سياسية أخرى، قال حسين محنوش كاتب السيناريو للأناضول: "أنا لم أنكر نضالات اليساريين والنقابيين، ولكن معاناة الإسلاميين في تلك الفترة كانت أكبر؛ فهناك فرق بين الذي قضى خمسة أو ستة أشهر في السجن وبين الذي أمضى سنوات من عمره".