عبد الإله بن كيران رئيس حكومة
المغرب، يؤمن بالإصلاح داخل المنظومة الملكية التي يرى أنها صمام أمان واستقرار للبلاد. سياسي يستشرف المستقبل، فهو يسرع بالحركة الإسلامية نحو أفكار ومبادرات متقدمة وصعبة، ونزع الفتيل بين الحركة الإسلامية والدولة.
ويرى أن مهمة الحركة الإسلامية المشاركة هي إقامة الدين بدون أن يتوقف ذلك على الوصول إلى السلطة، وأنها إذا طلبت الحكم – ولو لإقامة الدين – فسيجرى عليها ما يجري على الساسة والحكام، ويرى أنّ الوصول إلى السلطة يأتي تتويجا لتغير المجتمع.
يعارض نمط "القيادة الأبوية" التي تعني أنه لا يمكن للإنسان السير إلى الله إلا بشيخ أو مرشد، وهو النمط الذي يتبعه عبد السلام ياسين مؤسس ومرشد "جماعة العدل ولإحسان".
يعتبر شخصية مثيرة للجدل، يتهمه خصومه بالانفراد بالقرارات، من دون أن يأخذ بعين الاعتبار أنه رئيس حكومة ائتلافية مكونة من أربعة أحزاب، ومن هذه الأحزاب "الحركة الشعبية" و"التقدم والاشتراكية" اللذان هما نفسهما ليسا على وفاق.
نشأ عبد الإله بن كيران، المولود عام 1954 في حي العكاري الشعبي بالعاصمة المغربية الرباط، في عائلة صوفية تعمل بالتجارة، عرف بعض أبنائها بالعلم الشرعي، كانت من بينهم العالية بن كيران أول امرأة اعتلت كرسي العلم في مسجد القرويين.
عن أمه أخذ الاهتمام بالشأن العام، وقد كانت مواظبة على لقاءات "حزب الاستقلال". ولج المدرسة القرآنية ثم دخل ثانوية مولاي يوسف، حيث حصل على درجة البكالوريا في عام 1973، والبكالوريوس في العلوم الفيزيائية عام 1979.
عمل أستاذا في المدرسة العليا للمعلمين في الرباط، حتى عام 1988 حين استقال لتأسيس وإدارة مطبعة ومدرستين خاصتين.
تعاطف في بداية حياته مع تنظيمات يسارية، كما أنه اقترب من "حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الاشتراكي" في الوقت نفسه تقريبا الذي كان يتردد فيه على "حزب الاستقلال".
التحق بـ "تنظيم الشبيبة الإسلامية" عام 1976 بعد واقعة اغتيال الزعيم الاشتراكي عمر بنجلون التي اتهم فيها التنظيم، فدفع ذلك مرشدها المؤسس عبد الكريم مطيع إلى الهروب من الملاحقة القضائية إلى خارج البلاد.
وتدرج بن كيران سريعا ليصبح من قيادات التنظيم، لكنه قرر مع شباب جيله الانفصال عن "الشبيبة" عام 1981 احتجاجا على طريقة إدارة المرشد، وبعد أن تبنت "الشبيبة" العنف ضد النظام، كما أنها انحازت إلى انفصال الصحراء المغربية.
وفيما بعد سيؤسس الشباب المنفصلون "الجماعة الإسلامية" التي كانت كسائر الجماعات الإسلامية سرية الطابع، وانتخب بن كيران رئيسا للحركة عام 1986، فقاد الحركة لفترتين متواصلتين ما بين عامي 1986 و1994.
دفعت اعتقالات "للجماعة الإسلامية" في مكناس الحركة إلى قبول دعوة عبد الإله إلى ترك العمل السري والبدء في العمل العلني.
ومن أجل البدء في المرحلة الجديدة اقترح بن كيران تغيير الاسم، بعدما أثار تحفظ الجهات الرسمية، ليصبح في عام 1988 "حركة
الإصلاح والتجديد".
وبرزت الحركة تحت رئاسته من تنظيم سري قيد الملاحقة لتصبح علنية لها مقرات وصحف وحزب سياسي وعضوية منظمة.
وتولى مع نائبه عبد الله بها عام 1990 وضع وثيقة تقبل فيها الحركة بالنظام الملكي بل وتقر فيها بإمارة المؤمنين التي تؤسس للشرعية الدينية للملك ونظامه، من أجل إقرار الشرعية الدينية للملك، ما يلزمه بهذه الشرعية التي تسوغ للحركة الإسلامية مساءلته عليها ومحاولة إلزامه بالعمل بمقتضاها.
وجلبت الوثيقة معارضة شرسة من المكتب التنفيذي للحركة، فوضع بن كيران وبها استقالتهما تحت تصرف قيادة الحركة، لكنها انتهت إلى القبول بالوثيقة بعد إعادة صياغتها.
ودخلت الحركة في حوار مع بعض مكونات العمل الإسلامي ونتج عنها عام 1996 "حركة التوحيد والإصلاح".
وسيقود في وقت لاحق مبادرة لمشاركة الحركة في العمل الحزبي من خلال تأسيس "حزب التجديد الوطني"، لكن الدولة رفضت الترخيص له، ففاوض عبد الكريم الخطيب لإدخال الحركة في حزبه "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية" الذي تحول إلى "حزب العدالة والتنمية".. وظل مسؤولاً عن إدارة ملف الحزب طوال رئاسته للحركة وحتى انتخاب سعد الدين العثماني أمينا عاما للحزب.
وانتخب بنكيران أمينا عاما لـ"حزب العدالة والتنمية" في تموز/ يوليو عام 2008 وكان قبل ذلك قد دخل في عضوية مجلس النواب المغربي عن سلا (المدينة) تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1997، لثلاث ولايات (1997 و2002 و2007).
عينه الملك محمد السادس رئيسا للوزراء في نهاية 2011 إثر الفوز التاريخي الذي حققه حزبه الإسلامي "العدالة والتنمية" في الانتخابات التشريعية، وبعد بضعة أشهر، تم تبني دستور جديد يعزز سلطات الحكومة.
تشكلت حكومة بن كيران الأولى واستمرت مشاورات التشكيل 36 يوما وضمت 32 وزيرا في ائتلاف هش ما يفرقه أكثر مما يجمعه، ما لبث أن عرف تصدعا كبيرا من الداخل عجل بانفراط عقد الأغلبية بعد انسحاب "حزب الاستقلال"، وتشكلت الحكومة الثانية حيث استمرت المشاورات ما يقارب 147 يوما وضمت 39 وزيرا.
لكن الحكومة ما لبثت أن أصيبت بصدمة بعد الرحيل المفاجئ لوزير الدولة عبدالله باها، الرجل الثاني في الحكومة وفي حزب "العدالة والتنمية " الذي وصفته الصحافة المغربية بأنه "كاتم أسرار" بن كيران.
وقال أحدث استطلاع رأي نشرته صحيفة "إيكونوميست" أخيرا، إن نحو 50% من المغربيين راضون عن أداء رئيس الوزراء بن كيران الذي ازدادت شعبيته نقطتين في تسعة أشهر في غياب معارضة قوية ومعارضة تفتقر إلى الشعبية.
وأيد 48% منهم بقاء بن كيران على رأس الحكومة مع استعداد البلاد لانتخابات محلية وإقليمية في منتصف هذا العام، تمهيدا لانتخابات تشريعية في 2016.
وهذه النتيجة تتناقض مع الإصلاحات الاجتماعية التي تقوم بها الحكومة، وخصوصا لجهة خفض الدعم على المحروقات وإصلاح صندوق التقاعد.
وخلافه مع النقابات العمالية دفع خصومه إلى اتهامه بأنه مهادن للسلطة، وأنه يمكن أن يقدم تنازلات تمس ثوابت حزبه في سبيل الحفاظ على السلطة.
ويقول مراقبون إنه معتدل في سياسته ومراوغ ماهر بحكم مهنتة السابقة في تدريس مادة الفيزياء، حيث إنه أدرك أن مكونات السياسة يمكن التحكم فيها من خلال معادلات محسوبة مثلها مثل الفيزياء.
ويقولون إنه تقرب من القصر واستطاع أن يقنع السلطة بأن تترك صناديق الاقتراع.. تقول كلمتها وتسلم الإسلاميين الحكومة، لأنه طوق النجاة من موجة الربيع العربي القادرة على الوصول إلى شواطئ المغرب.
منهجه البراغماتي ساعده في إيصال رسائل للداخل والخارج لطمأنة الجميع بأن حزبه لن ينشغل بالقضايا الدينية وبالحلال والحرام، طارحا نفسه بوصفه رجل توافقات بين الأحزاب المغربية.
بن كيران ليس مفكرا أو منظرا؛ إنه رجل يعرف كيف يلعب على التناقضات وعقد التوازنات وطمأنة الجميع بأن الإسلام السياسي المغربي مختلف عن غيره، والدليل تجربة حزبه في الحكم التي مضى عليها حتى الآن نحو ثلاث سنوات.