رحل عام 2014، لكنه لم يترك الجمهورية الفقيرة على خير ما يرام، إذ سقطت صنعاء، عاصمة ما كان يٌعرف يوما بـ"
اليمن السعيد"، قبل نهاية العام، وتحديدا يوم 21 أيلول/ سبتمبر الماضي، في يد
جماعة "أنصار الله" (الحوثي)، ليدخل يمنيون عام 2015 حاملين سؤالا مريرا، وهو: هل تبتلع جماعة
الحوثي ما تبقى من معالم الدولة اليمنية الهشّة؟
ومنذ ذلك اليوم، بدأت الجماعة المسلحة، والمحسوبة على المذهب الشيعي، في
مدّ نفوها إلى محافظات يمنية أخرى شمال ووسط وغرب البلاد، وخاضت معارك طاحنة مع رجال القبائل المناهضة للفكر الحوثي، وتعرضت لحرب استنزاف تشنها جماعة "أنصار الشريعة"، فرع تنظيم القاعدة في اليمن، وتكبدت خلالها خسائر بشرية فادحة.
مع هذا الوضع، فقد صار الحوثيون يمارسون سلطة الأمر الواقع في اليمن، في ظل غياب شبه تام لسلطات الدولة، التي تلاشت معالمها منذ دخول أول مسلّح حوثي العاصمة، حيث لا يزال المسلحون متمترسين في صنعاء، في خرق لاتفاق "السلام والشركة الوطنية"، الذي وقعته الأطراف السياسية في يوم اجتياح العاصمة.
فقد تدخل الحوثيون في تسيير الكثير من مؤسسات الدولة، وفرضوا مسؤولين ينتمون إلى الجماعة في مناصب عليا، بينهما مدير شركة صافر النفطية، كبرى الشركات الوطنية العاملة في حقول النفط والغاز، إضافة إلى مستشار للرئيس ومسؤولين أمنيين ومحافظي محافظات، كما هو الحال بالنسبة لمحافظي عمران (شمالا) والحُديدة (غربا)، بمباركة من
الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي أصدر قرارات جمهورية بتعيينهم.
ويرجح محللون سياسيون يمنيون أن يشهد اليمن في 2015 حالة من الشمولية والاستبداد، نتيجة سيطرة الحوثيين بقوة السلاح على مفاصل الدولة، وفرضها لـ"سلطة الأمر الواقع"، ومحاولة إجبار الآخرين على فكرها، وإلا فإنهم مجرد "تكفيريين" و"متطرفين" في نظر الجماعة.
فبحسب المحلل والباحث السياسي اليمني، عبد الناصر المودع، فإن "اليمن دخل العام الحالي على وقع سيطرة مليشيا شمولية على العاصمة، وتعني شمولية الحوثيين الكثير، كونها تختلف عن أي نظام استبدادي آخر؛ فالشمولية تعمل على إجبار الجميع على الطاعة والولاء فيما الاستبداد التقليدي يكتفي بقمع المعارضين".
المودع رجح أن "ترتفع وتيرة العنف في اليمن هذا العام بشكل غير مسبوق، لأن شمولية الحوثيين تقوم على معادلة صفرية، فإما النصر الكامل على الجميع، أو الهزيمة الكاملة، ولا مكان للمشاركة أو التعددية السياسية مع هذه الشمولية التي تتصف بها جميع الحركات الشمولية من جميع الاتجاهات".
ومضى قائلا إن "الحوثيين سيسعون إلى ابتلاع مؤسسات الدولة، وستبدأ الجماعة بالمؤسسات المهمة، مثل الجيش والأمن ووزارة المالية والبنك المركزي، وهذا سيؤدي، بلا شك، إلى تفجّر صراعات عنيفة مع عدد متزايد من القوى، بما في ذلك قوى متحالفة مع الجماعة وبعضها ينتمي للجماعة حاليا".
وتابع المودع: "سيبقى الرئيس هادي الأداة المناسبة لتنفيذ هذا الشق من العمل، وعلى ما يبدو فإن هادي ليس ضعيفا أو رهينة في يد الحوثيين، إذْ تُشير الكثير من الدلائل إلى أنه متواطئ ومنسق مع الحوثيين، وإن الأمر يتم برعاية إيران، التي تدعم الحوثيين".
واستطرد بالقول إن "تصرفات هادي تشير إلى أنه مطمئن لما يقوم به الحوثيون منذ أول تمدد لهم من (محافظة) صعدة (مقرهم في الشمال)، ويبدو أن هذا التفاهم يقصر السيطرة الحوثية على مناطق الشمال، فيما الجنوب يُراد له أن يكون من حصة هادي (ابن الجنوب) في هذه اللعبة".
وتابع بأن "القوى التي تحالفت مع الحوثي، كالرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح (أطاحت به عام 2012 ثورة شعبية)، أو التي خططت ونظّرت لسيطرة الحوثيين، مثل الحزب الاشتراكي اليمني، ستكتشف أنها لن تستفيد من تصعيد الحوثي، وستخسر بسبب شمولية الحوثي في الشمال، ورغبة هادي في الاستحواذ على الجنوب"، حيث تدعو قوى جنوبية إلى انفصال الجنوب عن الشمال، بدعوى المعاناة من التهميش.
وسبق أن وجه صالح اتهاما إلى هادي بمساعدة الحوثيين على السيطرة على صنعاء لاحتواء ما قال إنه صعود جماعة الإخوان المسلمين. ولم يرد هادي، الخاضع لشبه إقامة جبرية منذ اجتياح العاصمة، على هذا الاتهام. وحاولت الأناضول الحصول على تعليق عبر الهاتف من مستشار هادي للشؤون السياسية، فارس السقاف، غير أنه رفض التعليق على تلك الاتهامات.
وبشأن العملية السياسية، مثل إقرار الدستور او إجراء الانتخابات، رأى المحلل السياسي اليمني أنه "من غير المتوقع أن يتم تمرير الدستور أو إجراء الانتخابات، إلا في حال تم فرض ذلك من قبل الحوثيين بالقوة كما تعمل النظم الشمولية".
فيما يرى فهد سلطان، عضو المنتدى السياسي للتنمية الديمقراطية في اليمن (غير حكومي)، أن "الدولة اليمنية تعيش اليوم أسوأ مراحلها، واستعادتها من قبضة المليشيات المسلحة يحتاج إلى معجزة إن جاز التوصيف، لعدد من الأسباب الموضوعية والذاتية التي تجعل من استعادة الدولة في هذه المرحلة، وعبر الأدوات السياسية، أو حتى بالطريقة التقليدية، أمر صعب المنال".
وقال سلطان، إن "استعادة الدولة وإعادتها إلى مسارها الصحيح بحاجة إلى عمل وطني جامع وخلق اصطفاف وطني يتجاوز السلبيات السابقة وينطلق من واقع المرحلة، ويتشكل وفق معطيات الحاضر، مستوعبا طبيعة المشهد وتعقيداته داخلياً وخارجيا".
ومضى قائلا إن "تعويل البعض على الدستور المقبل من أجل إحداث نقلة لليمن، أو على الأقل إعادتها الى مسارها الصحيح، يتجاوز الواقع الذي أصبحت تعيشه الدولة، والوضع المليشياوي الذي قفز على الجميع، وتجاوز كل ذلك، من خلال رسم واقع جديد لا علاقة له ببنية الدولة التي يفهمها الجميع عبر الإطار السياسي".
وأضاف أن "ثورة 11 فبراير (شباط) 2011 استطاعت أن تخلق توازنا جديدا أعاد إلى المشهد السياسي في اليمن حيويته، وكان يمثل خطوة جيدة وفرصة مناسبة لاستعادة الدولة عبر هذه التوازنات".
سلطان تابع بأن "هناك بعض القوى الداخلية والخارجية (لم يسمها)، أدركت خطورة ذلك على مصالحها، وهو ما جعلها تعمل على ضرب ذلك التوازن، وخلق حالة من الاستقطاب لصالح مراكز قوى، وإعادة تشكيلها بأسوأ مما كان يسير عليه النظام السابق، وهو الذي نعيش اليوم جزءا من تفاصيله".
وختم سلطان بقوله: "من هنا فإن استعادة الدولة يتطلب خلق وعي سياسي جديد وإطار سياسي يمثل حالة من التوازن مع الوضع القائم، وهي النقطة التي يمكن أن يعول عليها في استعادة الدولة اليمنية، وحالة التوازن التي نتحدث عنها لا يمكن أن يكون عنها بديل مقبول سوى تعميق العمل السياسي والديمقراطية الذي يحول التوازن السياسي من توازن قوى إلى توازن برامج مع قوة وتجذر المؤسسات كعملية ضامنة لبقاء وحفظ الدولة من أي مخاطر داخلية وخارجية".
ووفقا للكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، فإن "اليمن يتجه إلى المجهول في عام 2015، فقد شهد عام 2014 مقدمات خطيرة لما يمكن اعتباره نهاية سيئة للدولة اليمنية، التي كان قد بدأ اليمنيون يلتفون حولها، ويسعون إلى إعادة تأسيسها على قواعد العدالة والحرية وسيادة القانون".
ويرى التميمي، أن "هناك تحييدا واضحا لمرجعيات التسوية السياسية، وفي مقدمتها اتفاق
المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية (التي تم بموجبها نقل السلطة من صالح إلى هادي مقابل حصانة كاملة للأول من الملاحقة القضائية)، وهناك خروج شبه كامل للأطراف السياسية الموقعة على المبادرة".
وأضاف أن "مليشيا الحوثي المسلحة ذات النزعة الطائفية والجهوية الواضحة، هي التي تهيمن على مركز الدولة، وتمتلك القدرة على التأثير في مصير البلاد، ولكنه أيضا تأثير محفوف بمخاطر تفكك البلاد ودخولها في صراع لا نهاية له، خصوصا وقد أصبحت الهيمنة الحوثية على الدولة مصدر قلق كبير للدول المجاورة، ما يرفع الغطاء الاقتصادي الذي كانت دول الإقليم (الخليجي) توفره للدولة اليمنية".
وتابع التميمي: "في اعتقادي، لا يزال بالإمكان إعادة بناء جبهة سياسية تضم قوى سياسية مؤثرة تتولى مهمة استعادة الدولة وخوض مواجهة مع العصابات المسلحة عبر الفعل السياسي والعسكري والشعبي، لكن يتعين أن تحظى هذه الجبهة بغطاء إقليمي قوي ومؤثر".
وبحسب تقديره، فإنه "يمثل الدستور اليمني المقبل أحد الرهانات المهمة في بلد فقد البوصلة بالفعل، وهنا يتعلق الأمر بالإرادة الرئاسية وبمدى قدرتها على استكمال مهمة إقرار مسودة الدستور عبر استفتاء شعبي، وتهيئة الظروف المناسبة لإنجاز هذا الاستحقاق؛ ورغم يقيني بأن مهمة كهذه ليست سهلة إلا أنها يمكن أن تنجز إذا ما توفرت إرادة دولية وإقليمية تدعم إعادة بناء جبهة سياسية مؤثرة في البلاد وتعبر عن موقف واضح من الحركة الحوثية المسلحة، وتساعد في إنفاذ قرار مجلس الأمن بشأن (معاقبة) معرقلي التسوية السياسية".
وحذر التميمي من أنه "في حال استمرت حالة التفكك وعدم اليقين مسيطرة على المشهد السياسي في اليمن، فإن المليشيا يمكن أن تستكمل مهمة ابتلاع الدولة وتصفية عملية التسوية السياسية وتجفيف الحقلين السياسي والاجتماعي، وإعادة إنتاج النظام الإمامي المقبور".
مقابل تحذيرات هؤلاء المحللين السياسيين، رأى محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي، أن "الجماعة تسعى إلى بناء شراكة وطنية حقيقية، وليس لديها أي نية للاستفراد بحكم اليمن".
وبشأن رؤيته لمستقبل اليمن في عام 2015، قال اليخيتي: "نحن متفائلون بمستقبل البلاد في 2015، ونرى أنه سيكون عاما لبناء واستعادة مؤسسات الدولة، والقضاء على الفساد وتحقيق المصالحة الوطنية والشراكة الكاملة بين القوى والمكونات السياسية".
ومضى قائلا إن "نصار الله سيسعون إلى إقامة العدل ورفع المظلومية، والقضاء على الفساد بشكل كامل، وإعادة بناء مؤسسات الدولة بشكل صحيح، بعيدا عن قوى النفوذ التقليدية".
واتهم البخيتي "القوى الموقعة على المبادرة الخليجية في الرياض، بما فيها الرئيس هادي، وحزب المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح (إسلامي محسوب على تيار الإخوان المسلمين)، إضافة إلى النافذين المستفيدين من فساد المرحلة السابقة، بمحاولة احتكار السلطة، ما أدى إلى عدم الاستقرار، واستمرار إدارة شؤون البلاد وفق إرث المرحلة السابقة، من جهة استشراء الفساد، والاختلالات الأمنية".
وختم البخيتي بقوله: "لكن بعد نجاح الثورة في 21 سبتمبر (يُشير إلى تاريخ دخول مسلحي الحوثي إلى صنعاء)، تم صياغة المعادلة السياسية على أسس سليمة، حيث تم استيعاب كافة القوى السياسية في البلد ولم يُقصَ أي طرف، لأن الثورة المنتصرة شعبيا وعسكريا تسعى إلى إشراك الآخرين، وترغب في بناء مستقبل اليمن الجديد".