يودع
العمانيون عام
2014، في وقت يغيب فيه السلطان
قابوس بن سعيد عن بلاده منذ 6 شهور، بغرض العلاج في الخارج من مرض لم يتم الإعلان عنه، ولم يظهر خلال تلك المدة سوى مرة واحدة في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي في خطاب متلفز أعقبه لقاء عدد من المسؤولين بالسلطنة.
ومع طول فترة غياب السلطان يزداد قلق العمانيين عن المستقبل الذي ينتظر السلطنة التي يحكمها السلطان قابوس بنظام الملكية المطلقة منذ 44 عاما، في ظل الغموض الذي يحيط بالخليفة المرتقب، والذي يرجح مراقبون أن يكون أحد خمس شخصيات من بينهم ثلاثة من أبناء عمه المقربين منه، وابن أحدهم، إضافة إلى فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء.
ورغم تأكيد وزير خارجية عمان، يوسف بن علوي، في تصريح له الشهر الماضي على أنه لا يوجد قلق في عمان بشأن انتقال السلطة، لافتا إلى أن بلاده أصبحت دولة مؤسسات، والاحتكام للمؤسسات هو الأصل، وهذه المسائل لها مسار واضح في الأسرة الحاكمة، إلا أن هناك مخاوف تساور العمانيين والمراقبين من أمرين: الأول ألا يكون الخليفة المرتقب على نفس كفاءة السلطان، الذي شهدت البلاد في عهده نقلة نوعية وتطورات على مختلف الأصعدة، رغم سيطرته المطلقة على الحكم، الأمر الثاني التخوف من نشوب صراع على الحكم بين أفراد الأسرة الحاكمة على السلطة.
وبمقتضى الدستور العماني، يتعين على مجلس الأسرة الحاكمة أن يقرر من يخلف السلطان خلال ثلاثة أيام من شغور المنصب.
وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق خلال الأيام الثلاثة، يستوجب فتح وصية سرية تحتوي على اسم حدده السلطان قابوس في مغلف مغلق، وذلك بحضور مجلس الدفاع المؤلف من كبار ضباط الجيش ورئيس المحكمة العليا ورئيسي غرفتي البرلمان.
هذا الأمر حددته المادة 6 من النظام الأساس لسلطنة عمان ونصت على انه "يقوم مجلس العائلة الحاكمة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم فإذا لم يتفق مجلس العائلة الحاكمة على اختيار سلطان للبلاد، قام مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان في رسالته إلى مجلس العائلة".
أيضا حددت المادة الخامسة من النظام نفسه معايير من يحق له حكم البلاد، حيث نصت على أن: "نظام الحكم سلطاني وراثي في الذكور من ذرية السيد تركـي بن سعيد بن سلطان (الجد الثالث للسلطان قابوس) ويشترط فيمن يختار لولاية الحكم من بينهم أن يكون مسلما رشيدا عاقلا وابنا شرعيا لأبوين عُمانيين مسلمين".
أما عن من تنطبق عليه شروط تولي الحكم، فالشروط تنطبق على العشرات من الأسرة الحاكمة في عمان، إلا أن من بين هؤلاء العشرات، يرى مراقبون أن هناك خمسة مرشحين لخلافة سلطان عمان.
أقوى المرشحين لخلافة قابوس هم أبناء طارق عم السلطان، وهم: أسعد-64 عاما- (وهو ممثل السلطان)، وشهاب -59 عاما- (وهو مستشار السلطان والقائد السابق للبحرية السلطانية العمانية)، وهيثم -57 عاما- (وهو وزير التراث والثقافة).
أيضا من بين المرشحين لتولي المنصب فهد بن محمود آل سعيد -68 عاما- وهو نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء.
كذلك من بين المرشحين وإن كان من جيل آخر بخلاف المرشحين الأربعة، هو تيمور بن أسعد بن طارق آل سعيد (33 عاما) وهو الأمين العام المساعد للاتصالات والهوية المؤسسية بمجلس البحث العلمي، وهو ابنُ ابنِ عمّ السلطان قابوس بن سعيد، وهو نجل أسعد ممثل السلطان.
ويرجح أن يكون الاسم الموجود في وصية السلطان قابوس من بين المرشحين الخمسة.
وحتى اليوم، لا يعرف العمانيون سوى القليل عن صحة السلطان، وذلك ما يثير قلقهم، ففي ظل تداول تقارير إعلامية تفيد بأن قابوس مصاب بالسرطان، لم يصدر عن البلاط السلطاني خلال تلك الفترة سوى بيانين رسميين إضافة إلى خطاب متلفز للسلطان، أكدوا جميعهم أن قابوس يخضع لبرنامج علاجي من مرض لم يتم تحديده وأنه في "صحة جيدة"، دون ذكر أي تفاصيل عن حالته أو طبيعة العلاج.
ويغيب سلطان عمان عن البلاد منذ تموز/ يوليو الماضي، فيما أعلن البلاط السلطاني عن غيابه رسميا لأول مرة في 18 آب/ أغسطس الماضي، وأشار آنذاك إلى أن السلطان أجرى فحوصات طبية (لم يوضحها) وسيتابعها خلال الفترة القادمة، وبين أنه "في صحة طيبة".
وجاء هذا الإعلان بعد أن تداولت وسائل إعلام إن السلطان، قابوس بن سعيد، يخوض صراعا مريرا مع مرض السرطان وأنه نقل إلى مدينة ميونخ الألمانية بعد أن قضى نحو 7 أشهر عاجزا عن الحركة.
وفي 2 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أصدر البلاط السلطاني مجددا بيانا أعلن فيه أن "السلطان في صحة جيدة ويتابع خلال الفترة القادمة البرنامج الطبي المحدد والذي بفضل الله يحقق النتائج المرجوة المطمئنة".
وعقب شهر من البيان، ظهر سلطان عمان لأول مرة عبر خطاب متلفز في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وذلك مع قرب الذكرى الـ 44 لاحتفالات البلاد بالعيد الوطني، الذي يوافق 18 تشرين الثاني/ نوفمبر.
ورغم أن السلطان بدا شاحبا، إلا أن حالته كانت جيدة مقارنة بما كان يتم تداوله من شائعات بأنه عاجز عن الحركة.
وفي اليوم نفسه، التقى سلطان عمان لأول مرة علانية أيضا اثنين من المسؤولين العمانيين -كلاهما من الذين يعتبرهم مراقبون من بين المرشحين الخمسة لخلافته- هما فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء وشهاب بن طارق آل سعيد مستشار السلطان، دون ان يعرف ما إذا كان لهذا الاستقبال دلالة أم لا.
ومن المرجح، ألا يغير الخليفة المرتقب سياسة السلطان قابوس، حيث انتهجت عمان منذ عام 1970 سياسة خارجية معتدلة وتوسعت علاقاتها الدبلوماسية بشكل كبير، وكانت من بين الدول العربية القليلة جدا التي حافظت على علاقات ودية مع إيران، الأمر الذي أهلها لتلعب دور الوساطة بين طهران والمجموعة الدولية (5+1)، بشأن برنامج إيران النووي، والذي ما تزال المفاوضات جارية بشأنه.
أما بالنسبة للشؤون الداخلية، فيرى مراقبون أن السلطان الجديد لن يكون على مستوى قابوس، حيث إنه سيحتاج إلى استرضاء مختلف فروع الأسرة الحاكمة، والحصول على دعم رجال الأعمال ذوي النفوذ.
وتولى قابوس بن سعيد (74 عاما) سدة الحكم في 23 يوليو/ تموز 1970، ويعد صاحب أطول فترة حكم من بين الحكام العرب الحاليين.
والسلطان قابوس هو ثامن سلاطين أسرة البوسعيد، وينحدر نسبه من الإمام أحمد بن سعيد المؤسس الأول لسلطنة عمان.
وعلى خلاف نظرائه من حكام منطقة
الخليج العربي، فإن السلطان قابوس لم يعلن وريثاً للعرش، وليس له أبناء ولا أشقاء.
واستطاع قابوس بعد أن خلع والده عن الحكم عام 1970، فى انقلاب دعمته بريطانيا، أن يحول بلاده من دولة منعزلة تعاني من الفقر والتمرد الى دولة مستقرة بها صناعة لتصدير النفط وبنية تحتية حديثة، بحسب مراقبين.
يحكم السلطان قابوس بن سعيد سلطنة عمان المطلة على أحد أنشط الممرات الملاحية في العالم في ظل نظام ملكي مطلق لا يخضع لرقابة من البرلمان او القضاء، ولا توجد أحزاب سياسية في بلاده.