انخفضت أسعار
النفط بشكل حاد خلال الأشهر الثلاثة الماضية، هذا خبر ضخم في سوق الطاقة، وله تداعيات كبرى في العشرات من البلدان، من الولايات المتحدة إلى روسيا إلى
إيران.
لكن يوم الجمعة، هبطت الأسعار بشكل مخيف أما السبب فهو
أوبك، منظمة منتجي النفط التي تضم المملكة العربية
السعودية وإيران والعراق وفنزويلا، والذين اجتمعوا في فيينا في 27 نوفمبر الجاري. قبل الاجتماع، كانت هناك تكهنات بأن دول أوبك قد تخفض إنتاجها من النفط لدعم الأسعار، لكن في النهاية، لم يتفق أعضاء المنظمة ولم يفعلوا شيئا حيال الأمر.
سجلت الأسعار انخفاضا سريعا، إلى حد وصل سعر خام برنت إلى حوالي 70 دولارا للبرميل.
وفي تقرير له قال المحرر في موقع "VOX" براد بلومر، إن هذا يمثل تحولا كبيرا في السياسة النفطية العالمية. بشكل أساسي، تشارك أوبك الآن في حرب أسعار مع منتجي النفط في الولايات المتحدة. فالمنظمة تسمح بهبوط الأسعار على أمل أن تثبت مشاريع النفط الصخري الحديثة في الولايات المتحدة عدم ربحيتها ومن ثم إيقافها.
هذا أمر محفوف بالمخاطر، والعديد من الدول الأعضاء في أوبك قد صممت موازناتها على اعتبار أسعار النفط المرتفعة. إيران، مثلا، تواجه خطرا حقيقيا، كما أن خطوة أوبك تشير إلى أن تأثير المنظمة يتقلص في السوق العالمية.
وفيما يلي نظرة عامة على "كيف وصلنا إلى هذه النقطة، وماذا تعني حرب الأسعار تلك بالنسبة لبقية العالم؟".
لماذا تسارع هبوط سعر النفط في 2014؟
لفهم القصة، علينا أن نعود إلى منتصف العقد الماضي، حين كانت أسعار النفط ترتفع بشكل حاد بسبب الزيادة العارمة في الطلب العالمي، وخاصة في الصين، حيث لم يكن إنتاج النفط يكفي لمواكبة الاحتياج. ذلك أدى إلى زيادة الأسعار بنسبة كبيرة، وتراوح سعر النفط حول 100 دولار للبرميل بين 2011 و2014.
لكن بينما كانت أسعار النفط ترتفع، وجدت بعض شركات الطاقة في استخراج النفط من الأماكن صعبة الحفر أمرا مربحا. في الولايات المتحدة، بدأت الشركات باستخدام تقنيات جديدة مثل التكسير والحفر الأفقي لاستخراج النفط من الصخور الزيتية في أماكن مثل نورث داكوتا وتكساس.
ذلك أدى إلى طفرة في إنتاج النفط، حيث أضافت الولايات المتحدة وحدها قرابة 4 مليون برميل نفط يوميا منذ 2008 في السوق العالمي، وإذا علمنا أن الإنتاج العالمي هو حوالي 75 مليون برميل يوميا، يمكننا إدراك أن هذا الرقم سيكون مؤثرا.
حتى وقت قريب، لم تكن تلك الزيادة الأمريكية، والتي تزامنت أيضا مع زيادة في الإنتاج الكندي والروسي، ذات تأثير كبير على الأسعار العالمية. هذا لأنه، في الوقت نفسه بالضبط، كانت هناك صراعات جيوسياسية تشتعل في مناطق إنتاج النفط الرئيسية.
كانت هناك حرب في ليبيا، والعراق يرزح في الفوضى. فرضت الولايات المتحدة عقوبات نفطية على إيران ولجمت صادرات طهران. تلك الصراعات ساهمت بتقليص 3 ملايين برميل يوميا من حصة السوق العالمي.
لكن الأمور تغيرت مرة أخرى في سبتمبر 2014، حيث بدأت تلك الاضطرابات تخف، فقد بدأت صناعة النفط الليبية في ضخ النفط الخام مرة أخرى. وما هو أهم من ذلك، بدأ الطلب على النفط في آسيا وأوروبا في الانخفاض، خاصة في أماكن مثل الصين واليابان وألمانيا.
مزيج من ضعف الطلب وارتفاع العرض تسبب في بدء انخفاض أسعار النفط التي وصلت لذروتها في يونيو بـ115 دولارا للبرميل، إلى حوالي 80 دولارا بحلول منتصف نوفمبر، سعر النفط لا يزال أعلى بكثير مما كان عليه قبل عقد من الزمان، عندما كان السعر قرابة 40 دولارا للبرميل. لكن الأسعار لا تزال تنخفض.
أوبك: دعوا الأسعار تهبط!
هذا كله يقودنا إلى أوبك، التي لا تزال تنتج 40% من النفط في العالم. على مدى عقود، حاولت المنظمة أن تؤثر على أسعار النفط من خلال التنسيق لخفض أو زيادة الإنتاج.
في الاجتماع الكبير في فيينا الشهر الماضي، كان هناك الكثير من النقاش الساخن بين أعضاء أوبك حول أفضل سبل الرد على الانخفاض الحالي في الأسعار.
بعض البلدان، مثل فنزويلا وإيران، أرادت من بقية الأعضاء، خاصة المملكة العربية السعودية، أن تخفض الإنتاج من أجل رفع الأسعار مرة أخرى. والسبب هو أن هذه البلدان تحتاج إلى ارتفاع الأسعار من أجل إحداث قدر من التوازن في ميزانياتها وأن تستطيع تغطية جميع النفقات الحكومية التي تراكمت عليها وألا تضطر للاستدانة في حالة العجز.
على الجانب الآخر، كانت المملكة العربية السعودية، المنتج الأكبر للنفط في العالم، والتي تعارض خفض الإنتاج، على استعداد أيضا للسماح باستمرار هبوط الأسعار.
أحد الأسباب، أن المسؤولين السعوديين يتذكرون ما حدث في الثمانينيات، عندما انخفضت أسعار النفط وحاولت البلاد خفض الإنتاج لدعم الأسعار. كانت النتيجة أن أسعار النفط واصلت الانخفاض في كل الأحوال، وفقدت السعودية حصتها في السوق، بتلك البساطة! الأكثر من ذلك، أشار السعوديون إلى أنهم يمكنهم التعايش مع انخفاض الأسعار على المدى القصير، وقد استطاعت الحكومة بناء احتياطي ضخم من العملات الأجنبية لتمويل العجز.
في النهاية، لم تتفق أوبك على رد، وانتهى الاجتماع على حفظ مستوى الإنتاج، الأمين العام لمنظمة أوبك عبدالله البدري قال عقب الاجتماع "سوف ننتج 30 مليون برميل يوميا لمدة 6 أشهر مقبلة، وسنراقب لنرى كيف هو أداء السوق".
وبغض النظر عن النوايا والمقاصد، تشارك أوبك الآن في حرب الأسعار تلك مع الولايات المتحدة. وهذا يعني أنه في الوقت الذي يُستخرج فيه النفط بتكلفة رخيصة من أماكن مثل المملكة العربية السعودية والكويت. ستكون التكلفة عالية لاستخراج النفط من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة. ولذلك، مع هبوط أسعار النفط، سيرى المنتجون في الولايات المتحدة أن إنتاجهم غير مربح، ويوقفون إنتاجهم. والنتيجة: ستستقر أسعار النفط، وستحافظ أوبك على حصتها في السوق.
لكن القضية هنا أنه لا أحد يعلم تماما إلى أي حد يجب أن تنخفض الأسعار كي تؤثر على ازدهار النفط الصخري في الولايات المتحدة. فوفقا لوكالة الطاقة الدولية، حوالي 4% فقط من مشاريع النفط الصخري الأمريكية تحتاج إلى أن تظل الأسعار أعلى من 80 دولارا للبرميل لتظل قادرة على الاستمرار، لكن العديد من المشاريع في ولاية نورث داكوتا ستظل مربحة ما بقيت الأسعار فوق 42 دولارا للبرميل، نحن على وشك أن نعرف الأرقام الصحيحة قريبا!
ما هو مثير للاهتمام في هذه النقطة، هو أن السعودية وأوبك تبدوان على وشك التخلي عن دورهما طويل الأمد في صياغة المعروض العالمي من النفط، وبدلا من ذلك، ستتركان ذلك للأسواق.
كيف يؤثر انخفاض أسعار النفط على روسيا وإيران والولايات المتحدة؟
روسيا: الوضع الروسي يحصل على معظم الاهتمام هذه الأيام. كانت البلاد تعاني بالفعل من ضعف نمو
الاقتصاد، وكان ذلك يرجع إلى الأزمة الأوكرانية والعقوبات الغربية.
لكن الهبوط في أسعار النفط العالمية من المرجح أن يضع المزيد من الضغوط على الاقتصاد في تلك البلاد. تشكل عائدات النفط نحو 45% من ميزانية روسيا، وكانت خطط الإنفاق الحكومي لعام 2015 تفترض أن الأسعار ستبقى في حدود 100 دولار للبرميل، وإذا استمر النفط في الانخفاض أكثر من ذلك، فإن روسيا ستضطر لأن تسحب من 74 مليار دولار هي احتياطاتها من النقد الأجنبي، أو تقليص الإنفاق المخطط له.
إيران: الاقتصاد الإيراني بدأ ينتعش مؤخرا بعد سنوات من الركود. كان صندوق النقد الدولي قد توقع أن تكون البلاد في طريقها للنمو بنسبة 1.5% هذا العام، و 2.3% في العام المقبل. لكن ذلك كان قبل بدء أسعار النفط في الانهيار، وهو ما يضع اقتصاد البلاد أمام حالة من عدم الاستقرار.
أحد مشكلات إيران الكبيرة هو أنها تحتاج أن تكون أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل لمعادلة ميزانيتها، خاصة بعد أن صعّبت العقوبات الغربية من تصدير النفط الخام الإيراني. وإذا واصلت أسعار النفط الهبوط، فإن الحكومة الإيرانية قد تحتاج لتعويض الإيرادات في قطاعات أخرى، أو حتى في قطاع الطاقة المحلي، عبر تقليص ميزانية دعم الوقود المحلية، وهي خطوة هامة على المدى القصير.
الولايات المتحدة: تراجع أسعار النفط في الولايات المتحدة سيكون له آثار أكثر تنوعا. فلكثير من الناس، ستقدم الأسعار المنخفضة دفعة اقتصادية لطيفة، فانخفاض أسعار النفط يعني انخفاض أسعار البنزين، وهو ما يعني السماح للأسر باستخدام تلك الأموال للإنفاق على أمور أخرى. من ناحية أخرى، فإن الولايات المنتجة للنفط مثل تكساس ونورث داكوتا من المرجح أن تشهد انخفاضا في الإيرادات والنشاط الاقتصادي.
ويمكن لانخفاض الأسعار أيضا أن يحفز الناس على البدء في استخدام المزيد من النفط. مثالا على ذلك: في السنوات الأخيرة، تسببت أسعار البنزين المرتفعة في شراء الأمريكيين لسيارات أصغر حجما وأكثر كفاءة. لكن إذا انخفضت أسعار البنزين، فإن سيارات الدفع الرباعي الكبيرة يمكنها أن تعود من جديد.
في صحيفة فاينانشال تايمز، كتب خبير الطاقة مايكل ليفي حول كيفية استفادة الولايات المتحدة ودول أخرى من انخفاض أسعار النفط في إجراء إصلاحات لازمة في سياسات الطاقة، مثل إنهاء دعم الوقود الحفري من أجل الإعداد لذلك اليوم الذي سترتفع فيه الأسعار حتما مرة أخرى.
لكن هذا في الغالب لن يحدث، فكثير من صناع السياسة سيستخدمون انخفاض أسعار النفط على اعتبار أنه أمر مستمر للأبد، وسيستخدمونه كذريعة لتقليص تدابير الكفاءة أو البحث في بدائل الطاقة.
الرابط الأصلي للمقال من
هنا