تقف أم علي في طابور طويل، بمحطة لتعبئة
أسطوانات الغاز المنزلية في حي الزعفرانية جنوب شرق بغداد، على أمل أن تحصل على أسطوانة التي ارتفع سعرها إلى نحو خمسة أضعاف.
ولا يشغل بال أم علي، البالغة من العمر 60 عاما، وقوفها لساعات في الطابور، أو مشقة الوصول إلى بيتها بالأسطوانة، وإنما تفكر كيف ستتمكن هي وعائلتها، من توفير ثمن شراء أسطوانة الغاز، بعد وصول سعرها إلى 25 ألف دينار عراقي (نحو 20 دولار) بعد أن كانت تباع بخمسة آلاف دينار فقط، خاصة وأن زوجها مجرد عامل بأجر يومي.
وقالت أم علي، إن ارتفاع سعر أسطوانات الغاز دفعها لاستخدام الحطب على مدى أسبوعين.
وعلى الطرف الآخر من طابور المحطة يقف الصبي علي وعمره 8 أعوام، يفكر في كيفية الوصول بأسطوانة الغاز التي سيحملها إلى بيته البعيد عن المحطة.
وقبل
أزمة أسطوانات الغاز، كانت هناك سيارات تقوم بتوزيع أسطوانات الغازات في أرجاء العاصمة وبين الأحياء السكنية، لكن الحال لم يبق كذلك في الأسابيع الأخيرة.
والعراق ثاني أكبر مصدر للنفط في منظمة أوبك، حيث تتجاوز صادراته 2.5 مليون برميل يوميا، لكنه يستورد حاليا معظم حاجته من المشتقات النفطية من دول الجوار وخاصة إيران.
وأدى تفاقم الأزمة للحصول على أسطوانات الغاز المنزلية في بغداد، ليس فقط إلى ارتفاع صوت المواطنين بالشكوى، بل وإثارة غضبهم ودفعهم للتساؤل عن كيف يكون هذا هو حال المواطن الذي يعيش في واحدة من أغنى البلدان النفطية فى المنطقة والعالم.
وبدا استياء شديد على وجه قيس، وهو مواطن آخر كان ينتظر دوره في الطابور الطويل، للحصول على أسطوانة الغاز.
وقال معبرا عن غضبه: "مستحيل أغنى بلد بالنفط في العالم ويجب أن نقف طوابير في محطة الغاز، يعني نحن أصبحنا معروفين ببلد الطوابير".
ويلقي أحد المهندسين في محطة تعبئة الزعفرانية ببغداد، باللوم على تنظيم "داعش" جراء توقف الكثير من محطات التعبئة عن العمل في محافظات البلاد.
ويقول المهندس الذي عرف نفسه باسم سالم، إنه لا يوجد أزمة غاز في بغداد، وأن محطته كانت تعبئ 70 ألف أسطوانة قبل الأزمة الأخيرة والآن تعبئ 140 ألفا لتغطية العجز في مناطق أخرى.
وأضاف أن محطات التعبئة متوقفة في المحافظات التي يسيطر عليها داعش، وهو ما يشكل ضغطا على بقية المحافظات.
ويضطر العشرات من المواطنين الواقفين في الطوابير تاركين أعمالهم اليومية، والوقوف ساعات طويلة للحصول على أسطوانة الغاز.
ويقول مواطن آخر يدعى رافد، إنه يقف في الطابور منذ الخامسة فجرا على أمل الحصول على أسطوانة غاز، ولم يذهب إلى عمله من أجل ذلك.
وقالت وزارة النفط
العراقية في بيان إنها بصدد إغلاق عشرين معملا للغاز في بغداد بسبب قيامهم برفع الأسعار وخلق الأزمة الحالية.
وأضافت في بيانها أنها رصدت مجموعة من المخالفات التي تقوم بها المعامل الأهلية والحكومية، في عموم محافظة بغداد من خلال الجولات التفتيشية التي تقوم بها لجان مختصة من الوزارة.
وأشارت الوزارة إلى أنه خلال الأيام المقبلة سيتم إغلاق هذه المعامل لأنها استغلت الأزمة والمواطنين ورفعت الأسعار بشكل كبير.
وقالت الوزارة فى بيانها: "اللجان منتشرة في المعامل وتشرف على البيع للمواطنين، لكن هنالك مشكلة تواجه هذه اللجان، عند وقوفها على البيع تقوم المعامل بالبيع بالسعر المخصص من قبل الوزارة، وهو 4500 دينار للأسطوانة الواحدة، وعند خروج اللجان من تلك المعامل تقوم ببيع الواحدة بـ 11 ألف دينار للمواطن".
وفي الأسبوع الماضي قرر مجلس محافظة بغداد، رفع سقف الإنتاج اليومي إلى 120 ألف أسطوانة غاز، لاحتواء الأزمة وتوعد بمحاسبة المتسببين فيها.
كما قرر المجلس المحلي تشكيل لجنة لملاحقة المهربين ومتابعة زيادة تعبئة الغاز في المحطات.
لكن الأزمة تفاقمت في الأيام اللاحقة، وتحدث مجلس المحافظة عن تهريب الغاز إلى المحافظات التي يسيطر عليها داعش للاستفادة من فرق الأسعار.
وتواجه المناطق التي يسيطر عليها داعش في غرب وشمال العراق، شح في الخدمات والمواد الأساسية في المناطق، مما يتسبب في ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والغاز.
ويشن تحالف غربي – عربي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، غارات جوية على مواقع لـ "داعش"، الذي يسيطر على مساحات واسعة في الجارتين العراق وسوريا، وأعلن في حزيران/ يونيو الماضي قيام ما أسماها "دولة الخلافة"، ويُنسب إليه قطع رؤوس رهائن وارتكاب انتهاكات دموية بحق أقليات.