كتب سام كمبل: في قرية السعدة في شمال غرب
تونس، يجري مُزارع في ثياب متسخة خلف قطيعه من الأغنام بينما يشقون الطريق الوحيد في القرية. وخلف المزارع تقف بيوت المزارعين القديمة التي تنتمي إلى فترة الاستعمار الفرنسي تحت سقوفها المغطاة بالقرميد الأحمر. السماء رمادية والرياح تندفع بين التلال العالية التي بُنيت عليها السعدة.
وعلى عتبة إسمنتية أمام أحد المنازل المتواضعة التي تتراص على جانبي الطريق، تجلس بَركانة غزوان مرتدية تنورة وغطاء رأس. غزوان التي يقدر عمرها بنحو 80 عاما هي واحدة من 300 ألف تونسي ليس لديهم هوية رسمية ولا يمكنهم المشاركة في العملية السياسية المستمرة منذ أربع سنوات من الانتفاضة التي أطاحت بالمستبد زين العابدين بن علي.
هذا رقم لا يستهان به في البلد التي يبلغ تعداد سكانها أقل قليلا من 11 مليون. ومع عدم امتلاكها هوية، تعيش غزوان، التونسية الريفية من دون
حقوق مواطنة إلى حد كبير، ولن يمكنها التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ولدت غزوان في السعدة، كان والديها فقراء، كما تقول، وكانوا يكافحون عبر عملهم في وظائف مختلفة من يوم إلى آخر. زوجها، الذي توفي قبل عامين كان يعمل حارسا في إحدى المزارع القريبة. غزوان لديها خمسة أبناء، وخلاف زياراتها القليلة لأبناءها في تونس العاصمة، لا تخرج أبدا من محافظتها الريفية "جندوبة".
وبدون أقل الأشياء، مثل شهادة ميلاد لإثبات وجودها، لا تستطيع غزوان الحصول على أي شيء بداية من التأمين الصحي وحتى التصويت في الانتخابات. تنهار صحتها، لكن قبل أي زيارة للصيدلية يجب أن تعمل بشكل كاف لدفع ثمن الدواء، حيث أن الدولة لا تستطيع توفير التأمين الصحي دون تحديد الهوية. "تتساءل عن الذي أفتقده في حياتي؟ أنا أفتقد كل شيء، لا أملك شيئا"، كما تقول.
وعلى الرغم من أن التحول السياسي الكبير الذي تشهده توني يقع على بعد أكثر من 150 كيلومترا، تدرك غزوان ما حدث في الثورة التي أطاحت بزين العابدين بن علي، وتعرف بالانتخابات التي ستجري يوم الأحد القادم. وعندما سُئلت عما ستفعله لو كان لديها هوية، قالت "سأصوت، لا أعلم لصالح من، لكني كنت لأصوت بالتأكيد".
وتتابع "على الرغم من أن الدولة لم تفكر فيّ أبدا، إلا أنني مواطنة تونسية".
في سبتمبر، أعلن شفيق صرصار، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن 300 ألف تونسي لن يكونوا قادرين على التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، حيث أكد أن اللوم يقع على سياسات نظام بن علي، الذي "لم يوفر بنية تحتية، وبموارد مالية محدودة جدا" وهو ما أدى إلى وجود الكثير من المهمشين.
أشار صرصار أيضا إلى الإطار الزمني الضيق الذي تعمل فيه لجنة الانتخابات، والذي يجعلها غير قادرة على بذل المزيد من الجهد لتضم التونسيين المهمشين إلى العملية السياسية. وقال صرصار إن اللجنة اكتشفت وجود أعداد كبيرة من التونسيين بلا بطاقات هوية خلال فترة تسجيل الناخبين في شهر يونيو، وقال مدافعا عن اللجنة "كان الوقت محدودا، كان موعد التسجيل على وشك الانتهاء، ولم نتمكن من إيقاف العملية لحل تلك المشكلة".
في الانتخابات المقبلة قال صرصار إن الوزارات ستبذل جهودا مضاعفة لتسليم الهويات للفئات الأضعف في تونس، خصوصا من النساء الريفيات غير القادرات على التصويت، مشيرا إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة حقوق
المرأة سيتوليان تلك المهمة.
وعلى الرغم من التفاؤل بشمولية الديمقراطية في المستقبل، إلا أن صرصار قال إنه ما زال لدى تونس الكثير لتقوم به "إذا كان هناك تونسيون لا يزالون دون بطاقات هوية، فإن شيئا مفقودا في عملية التحول الديمقراطي".
وبالحديث عن الصعوبات التي تواجهها لجنة الانتخابات في إيجاد وتسجيل هؤلاء من غير المسجلين، أكدت مونيكا ماركس، وهي باحثة مستقلة ومحللة في السياسة التونسية، ما قاله صرصار بشأن ضيق الوقت. وعلاوة على ذلك، أشارت إلى أن بيروقراطية الدولة، والاعتماد على بروتوكولات تواصل عفا عليها الزمن، أعاق التواصل بين الوزارات في الحكومة.
"القليل جدا من أساليب عمل تلك الوزارات تغير بعد الثورة"، وتابعت ماركس "البيروقراطية توقف موطفي الحكومة عن التواصل مع الآخرين خارج مكاتبهم"، مضيفة إلى أن الأوامر تنتقل بين المكاتب المختلفة في الوزارة نفسها عن طريق الفاكس!
الآن، حيثما تُقصر المؤسسات الحكومية، تحاول المنظمات الشبابية ملء الفراغ. فبعد كسر الدولة البوليسية التي يقودها حزب واحد في 2011، أُعطي هؤلاء الذين كانوا يعملون خارج دوائر الحزب متنفسا للمشاركة في السياسات المحلية والقضايا الاجتماعية. ونتيجة لذلك، شهدت السنوات الأربع الماضية زيادة في نشاط المجتمع المدني، حتى في المناطق المهملة تاريخيا مثل محافظة جندوبة التي تقيم بها غزوان.
جمعية أجيال المستقبل هي مثال على ذلك، تأسست في يناير عام 2013، وتتألف من، ويديرها شابات، العديد منهن أتوا من مجتمعات ريفية مثل السعدة.
نشطاء الجمعية ينظمون أنشطة للتوعية والتدريب حول الانتخابات، وجمع المعلومات الديموغرافية المحلية التي تشرف عليها المؤسسات الوطنية في بعض الأحيان.
يصف نشطاء أجيال المستقبل ما اعتبروه عقبات تحول دون تسجيل المرأة الريفية. تشير رجا الخميسي، 27 عاما، إلى أن "سيطرة الأزواج على زوجاتهم عقبة كبيرة، فهم يتزوجون المرأة في سن صغير، ولا يريدونها أن تغادر المنزل. لا يمكنها أن تذهب للمدينة للتسوق، وقطعا لن يمكنها التصويت في الانتخابات".
وفاء عافية تقول إن العقبة الأخطر هي عدم اهتمام الأحزاب السياسية بتلك المناطق فـ" الأحزاب لا تصل إلى القرى المعزولة، وإذا فعلوا ذلك يكون في إطار حملة من يوم او اثنين قبل الانتخابات".
وتضيف عافية "يمكن للمرأة أن تصل إلى الصندوق وأن تمسك بورقة الاقتراع ثم تسأل: لمن أصوت؟ فليس لديها أي فكرة عن المرشحين".
بالنسبة لأولئك في قرية السعدة، يمكن أن يبدو التحول السياسي بعيدا. وقد أدى عدم وجود تحسن كبير في أحوالهم إلى بعض الحنين إلى الأيام الخوالي. تقول عزيزة، جارة غزوان، بحزن: "آه على أيام بن علي! لم نر أي شيء جيد من هؤلاء الذين أتوا بعده".
عن موقع ميدل ايسيت اي