"الانتفاضة الثالثة" في عيون إسرائيل

كتب أسعد عبد الرحمن: الاقتحامات الإسرائيلية المتسارعة للمسجد الأقصى، بعد التقسيم الفعلي للحرم القدسي "زمانياً" بين المسلمين واليهود، وقريباً "مكانياً"، اقتحامات تهدد باندلاع نار حرب قد تتسع دائرتها لتشمل المدن والمخيمات والقرى والبلدات الفلسطينية كافة.

والمراقبون يرون أن المداهمات الإسرائيلية للضفة الغربية وأراضي 48، التي تتخللها مواجهات مستمرة، ما لم توقفها مؤقتاً جهود التهدئة الإقليمية والدولية، قد تؤشر لـ"انتفاضة ثالثة" بدأت تلوح في الأفق.

وما يعزز هذا الاحتمال كون رئيس الوزراء الإسرائيلي (نتنياهو)، وحكومته المتطرفة، يسابقان الزمن بمخططاتهما الاستيطانية، ضاربين بعرض الحائط كل بيانات الإدانة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول العالم، مع إطلاق العنان لليهود لمواصلة اعتداءاتهم ومصادرة الأراضي الفلسطينية.

وفي مقال تحليلي، يرى الكاتب الإسرائيلي "رون بن يشاي" أن الهجمات التي تشهدها القدس توضح «الحاجة لقيام إسرائيل بالفصل بين (شعبي) القدس، وأن الوقت قد حان للكف عن الحديث عن التعايش السعيد بين اليهود والعرب في المدينة». ثم يقول: «العنف هذه المرة لا يبدو منظماً من  نظمات إرهابية.الحالة المزاجية التي يجري نشرها في الشوارع تتمثل في تقديم الإلهام الديني لأفراد يتصرفون من تلقاء أنفسهم، في إطار المبادرات المحلية».

ويضيف: "ومع ذلك، فهذه الهجمات ليست مبادرات مخططة، وإنما مشاعر متأججة تتم ترجمتها إلى أعمال عنف لا تنفذ طبقاً لأوامر أو تعليمات صادرة عن كيان منظم، وإنما وفقاً لمشاعر المهاجم الذي يختار المكان والوسيلة والطريقة بنفسه". وختم "بن يشاي" قائلا: "الانتفاضة، عملياً مستمرة منذ عشرة أشهر، أي منذ انهيار مبادرة كيري لإجراء مفاوضات مباشرة، لكنها لم تحصل على تسمية انتفاضة مثل سابقاتها؛ لأنها تجري بصورة عامة على نار هادئة".

وعلى المنوال نفسه، رأى وزير البناء والإسكان "أوري أرئيل" أن "الإرهاب العربي يتواصل في القدس ويتعاظم، ومن لا يحارب الإرهاب في بداياته، فإنه يستدعي العمليات القادمة". وأضاف: "على رئيس الحكومة الضرب بيد من حديد ضد كل مظاهر العنف وكسر الإرهاب... يجب تشديد العقوبات على منفذي العمليات وعائلاتهم، فالردع القوي وحده يمنع العمليات المقبلة". وهذا الاستخلاص، ليس رأي غالبية النخبة الإسرائيلية فحسب، بل وغالبية المجتمع الإسرائيلي. فقد أظهر استطلاع للرأي، نقلته مؤخراً القناة الإسرائيلية الثانية، أن 69% يعارضون الانسحاب من شرقي القدس حتى في حال التوصل إلى اتفاق "سلام شامل"، مقابل 24% أيدوا انسحاباً كاملاً".

ومن جهته، وضع "عاموس هرئيل" إصبعه على أسباب الانتفاضة في المدينة المقدسة والآفاق المستقبلية للقمع الإسرائيلي فكتب: "الشرطة أعلنت عن ترويض الانتفاضة المدنية التي تدور في القدس منذ قتل الفتى محمد أبو خضير في تموز. كل من يزور شرقي المدينة هذه الأيام يأخذ انطباعاً بأنها موجودة تحت احتلال عسكري قمعي. فالشرطة وحرس الحدود موجودون في كل زاوية، وكذلك السيارات العسكرية المصفحة في الشوارع ومنطادات المراقبة في الجو. ستضطر قيادة الشرطة، آجلاً أو عاجلاً، إلى إعادة معظم رجال الشرطة إلى الميدان. ونظراً للأسباب التي أدت إلى اندلاع الأحداث - عشرات السنين؛ من الإهمال في شرقي المدينة، وزيادة الاستيطان، والتوتر القومي والديني المستمر - فمن الصعب أن يتحقق الهدوء الكامل".

وفي تحليل كاشف للمعاني السياسية ضمن هذه "الانتفاضة"، كتب "أليكس فيشمان" مقالاً بصحيفة "يديعوت أحرونوت" عنوانه "المعركة على السيادة في القدس"، قال فيه: "سمُّوها انتفاضةً، سمُّوها هبة شعبية، سمُّوها اضطرابات شديدة.. فالتسمية لن تغير حقيقة أنه تجري هنا معركة مريرة وعنيفة على السيادة في القدس".

وأضاف: "صور النار في مدينة القدس، التي تجتذب الانتباه العالمي، صور كلاسيكية للاحتلال. وكلما تصاعدت النار في القدس، ستسارع المزيد من الدول للاعتراف أحادياً بالدولة الفلسطينية المحتلة. السويد في البداية وكل الباقين في الطريق، إلى أن تفرض الكتلة الدولية على إسرائيل حلاً سياسياً".

واليوم تتزايد الاستنتاجات السياسية الإسرائيلية (والغربية)، بأن سعار التطرف اليهودي يؤدي إلى غباء سياسي قاتل، مغطى بغلاف من الدين والوطنية. فدفاع وممارسات إسرائيل عن "عاصمتها الأبدية" غير معترف به عالمياً، لكنها إجراءات أغضبت وتغضب العالم أجمع وعلى نحو متسارع ومتوسع، وبخاصة في أوساط الفلسطينيين والعرب والمسلمين. فالانتفاضة التي يتحدث عنها الإسرائيليون عنصر مهم في الاستراتيجية الفلسطينية التي تم تبنيها بعد انهيار المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، وستدعم بالتأكيد المعركة الديبلوماسية الفلسطينية على الساحة الدولية، وستوفر أجواء إعلامية تساعد في دفع المجتمع الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014)