احكموا على حماس بما تقوم به من أجل شعبها

في الواقع لا يهم إلى أي حزب سياسي تنتمي في فلسطين؛ لأن كل واحد من هذه الأحزاب عليه أولاً مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنات والسرقات والمصادرات، قبل أن يتمكن من البدء في التطرق إلى قضايا إدارة الشؤون العامة والوظائف والرعاية الصحية والاقتصاد. 

ورغم هذا الواقع المرير إلا أن السؤال الذي ما لبثت أواجه به كل حين منذ عودتي إلى غزة في عام 2006 هو: هل ميثاق حماس، الذي يحتوي على فقرات تعتبر مؤذية للشعب اليهودي، يمثل حقيقة رؤية الحركة وأهدافها السياسية؟ هناك دبلوماسيون وصحفيون وأكاديميون وبرلمانيون وسياسيون من مختلف الأقطار يتعاطفون مع الفلسطينيين، ولكنهم جميعاً في ما يبدو يجدون صعوبة في هضم هذه الوثيقة.
 
يمكن تفهم السؤال المطروح نظراً لكثرة ما تشير وسائل الإعلام الأجنبية إليه. إلا أن الحقيقة هي أنك لا تكاد تجد عضواً واحداً في حركة حماس لديه معرفة جيدة بالميثاق – هذه الوثيقة التي لم تحصل أبداً في الواقع على إقرار شامل من الحركة. بل هو عبارة عن نص حرر في الأيام الأولى من الانتفاضة الأولى، حينما كان شبابنا الثائرون في وجه الاحتلال الإسرائيلي بحاجة إلى ما يجمعهم على قلب رجل واحد – إلى نص يعبر عن إرادتهم. كان المقصود من الميثاق أن يشكل وثيقة ملهمة ولم يقصد منه بتاتاً أن يكون دستوراً للحكم أو مبدأ موجهاً للحركة أو تعبيراً عن رؤيتها السياسية.
 
إن حماس حركة تحرير فلسطينية تتخذ من التعاليم الإسلامية التقليدية مرجعاً لها. إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية وكثيراً من القنوات الغربية التي تحاكيها، وقعت بكل سهولة في حبائل الدعاية الرسمية الإسرائيلية، التي تصور الحركة على أنها نظير للقاعدة أو على أنها جبهة لإيران أو مزيج من الاثنين معاً. 

ولو أن الخبراء قاموا بدراسة حقيقية لأفعال حماس منذ نشأتها لما وجدوا تصريحاً رسمياً واحداً أو موقفاً واحداً يقوم على ازدراء الأديان الأخرى، وبالتأكيد لا اليهودية ولا النصرانية. كما لن يتمكن أحد من إبراز دليل واحد على أن حماس تشجع رسمياً التعصب ضد العرقيات الأخرى. كما أن الحركة كانت أكثر حرصاً بكثير من الإسرائيليين على تجنب استهداف المدنيين. نحن في غزة شهود على موت العشرات من أطفالنا بينما لم يجد التلفزيون الإسرائيلي سوي أكفان الجنود القتلى ليصورها.
 
إن حماس، بكل بساطة، حركة تقاوم الاحتلال والحصار. وسبب صراعنا مع الإسرائيليين هو رغبتهم في تحويلنا إلى أقلية مستعبدة أو ذاكرة مهاجرة، هذا في الوقت الذي لم يفعلوا شيئاً يذكر يمكننا من استعادة كرامتنا وتحقيق استقلالنا الذاتي. وحتى الآن، مازال الإسرائيليون هم الذين يصدرون للفلسطيني بطاقة هويته بموجب ما نصت عليه اتفاقيات أوسلو من بنود. 

صحيح أن حماس تستمد الإلهام من العقيدة إلا أن الدين لا علاقة له تذكر بصراعنا. عقيدتنا تحدد لنا قيمنا لا مواقفنا. إن كل ما يناضل من أجله أي فلسطيني – سواء كان مسلماً أم نصرانياً ومن كل الألوان السياسية – هو الكرامة والحرية، والحق في أن يعترف بنا في أرضنا، إنه نضال في سبيل حقوقنا السياسية والاقتصادية، نضال من أجل السيادة ومن أجل الحق في أن نحكم أنفسنا بأنفسنا.
 
وفي ذلك لا يختلف الفلسطينيون عن أي شعب من شعوب العالم. إلا أننا بالتأكيد أقل قدرة من الإسرائيليين على استغلال وسائل الإعلام لصالحنا. في البداية حشدوا العالم ضد الشيوعية، ثم وصموا القوميين بالإرهاب، والآن بات الإسلاميون حقاً هم الأوغاد. إلا أنك لو تأملت فيما دون الخطاب بعين منصفة لاكتشفت أننا لسنا مهووسين بفرض عقائدنا على الآخرين، بل كل ما نسعى إليه هو أن نعطى المكانة التي نستحقها بين الأمم.
 
إذا رغبتم حقيقة في فهم رؤية حركة حماس، فما عليكم إلا أن تدققوا في البرنامج السياسي الذي على أساسه انتخبنا لنحكم في عام 2006، وليس في الميثاق الذي حرر قبل عقود وطواه النسيان منذ أمد بعيد. 

من المحزن أننا حرمنا الفرصة لتنفيذ كثير من الإصلاحات التي ورد ذكرها في البرنامج السياسي بشكل كامل. ومع ذلك، ورغم الظروف شبه المستحيلة التي أوجدها الحصار الذي مضى عليه ما يزيد عن ثمانية أعوام، فإن سجل حكومتنا في غزة يؤكد رغبتنا في العمل لما فيه خير المجتمع بأسره وليس فقط ما يخدم مصالح مؤيدينا. 

تؤمن حماس بالعملية الديمقراطية ولهذا فقد تخلت في عام 2006 عن حقها في الحكم منفردة لصالح ائتلاف يعكس تطلعات الفلسطينيين كافة. إلا أن مقترحنا رفض للأسف، وهي الحقيقة التي تم تجاهلها فيما يبدو رغبة في شيطنة الحركة وتصويرها على أنها مجموعة من المتطرفين المتعطشين للسلطة. ومرة أخرى، قمنا مؤخراً، ورغبة منا في التحرك قدماً لإنجاح المصالحة الفلسطينية، بتسليم السلطة في غزة طواعية إلى حكومة تكنوقراط.
 
حينما قررت حماس المشاركة بشكل كامل في العملية السياسية لم نتخل عن حقنا القانوني والأخلاقي في مقاومة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي اليومي. ونحن في هذا لا نشذ عن كثير من حركات التحرير المنتشرة حول العالم. والثمن الذي تكبدناه مقابل ذلك كان الإقصاء من كثير من البلدان الغربية التي اختارت في الوقت نفسه أن تتجاهل الأعمال الوحشية وغير القانونية للمحتلين الإسرائيليين، وبذلك غلب الحق المزعوم للمحتل في الدفاع عن نفسه على حقنا في الحياة بسلام.
 
لقد ندد بنا بسبب إطلاق صواريخ محلية الصنع من باب الاحتجاج على الحصار، الذي استهدف حرمان ما يزيد عن المليون ونصف المليون إنسان من الضروريات الأساسية للحياة اليومية مثل الكهرباء، والمياه النظيفة، والعقاقير والمعدات الطبية.

كما يحظر علينا استيراد مواد البناء والمستلزمات الصناعية والزراعية التي نحتاجها كل يوم، والتي لا استغناء عنها من أجل توفير فرص العمل وتنمية الاقتصاد. قائمة الاحتياجات الممنوعة لا نهاية لها، ومع ذلك فنحن الذين يندد بنا. 

وحينما نبرم اتفاقية لوقف إطلاق النار وتفرض قواتنا الهدوء لشهور متتابعة رغم أن تغيراً لا يطرأ على الأمر الواقع، فإننا لا نرى أي نتائج ملموسة – بل يبقى الحصار المهين كما هو جاثماً على صدورنا. لماذا، إذن، يستغرب العالم حينما نقاوم؟ أروني شعباً على وجه البسيطة يقعد هادئاً ويقبل بأن ينزف بهدوء نحو موت بطيء، دون أن يقاتل من أجل البقاء على قيد الحياة؟
 
احكموا على حماس بما تتخذه من إجراءات خدمة لشعبها، ولا تعتمدوا على كلمات وثيقة – أي الميثاق – كتبت في ظل ظروف مختلفة تماماً. قال لنا البعض: لماذا لا تعلنون وفاة الميثاق؟ ولكننا لو فعلنا ذلك لكان ذلك بمثابة خضوع لمطلب إسرائيلي آخر. نحن نفعل ما نعتقده صواباً لا ما يمليه علينا المحتل. 

سوف نستمر في المقاومة طالما استمر الظلم واقعاً على الشعب الفلسطيني وطالما أن إجراء لم يتخذ لرفعه عن كاهله. إلا أننا سنستمر أيضاً في البحث عن سبل للمضي قدماً وللنظر في القضايا الجوهرية في صراعنا مع الإسرائيليين.
 
لقد تبنينا صندوق الاقتراع وسيلة لتعزيز مكانة القضية الفلسطينية في عام 2006، ولكن، وبالرغم من الثقة التي أولانا إياها شعبنا إلا أننا أقصينا عن العملية السياسية من خلال مجموعة من الشروط المسبقة (التي فرضتها اللجنة الرباعية)، والتي ما كان بإمكان حزب سياسي جاد أن يقبل بها قبل التفاوض عليها. 

ثم تخلينا عن تحكمنا بقطاع غزة لصالح حكومة وحدة فلسطينية في عام 2014 من أجل شعبنا، وذلك أن الجبهة الفلسطينية الموحدة هي خطوة لا استغناء عنها باتجاه التوصل إلى حل عادل ودائم لهذا الصراع. ومع ذلك يبدو أن هذه الوحدة تقلق المحتل. ولا عجب في ذلك إذ إن الشعب المنقسم على نفسه يسهل إخضاعه والسيطرة عليه. 

نرجو ألا ينخدع المجتمع الدولي بصقور إسرائيل تارة أخرى، وبأن يعطي للحمائم الفرصة لحمل غصن الزيتون إلى الأمام.


( الغارديان)