لا حديث في
تونس منذ الساعات القليلة الماضية إلا عن
فضيحة التزكية الشعبية الوهمية التي ثبت وجودها في ملفات بعض المترشحين للانتخابات الرئاسية.
وأربكت هذه القضية المسار الانتخابي وأدخلت عمل الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات في تخبط، ووضعت
المرشحين المعنيين بها في مواقف محرجة أمام الرأي العام.
وأكّدت رئيسة مرصد "شاهد" لمراقبة
الانتخابات ودعم التحوّلات الديمقراطية ليلى بحرية لـ"عربي21" أنّه تمّ التفطّن إلى عمليّة غشّ في ملفات كثيرة منها ملف تزكية المرشّح فارس مبروك ويتمثّل في استعمال رقم بطاقة هوية وطنية 1623 مرّة بأسماء متعدّدة ومختلفة.
وأضافت أنه وقع أيضا اكتشاف تشابه كبير جدّا في عديد الإمضاءات في ملف ثان، كما رصدت منظّمتها تجاوزات في ملفّات سبعة مرشحين لـ"الرئاسية" هم (سليم الرياحي، نور الدين حشاد، مصطفى كمال النابلي، علي شورابي، عبد الرحيم الزواري، الباجي قايد السبسي والصافي سعيد) من بين 27 ملفا أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في مؤتمر صحفي الثلاثاء قبولهم بصفة أوّلية فيما تمّ رفض 41 ملفا.
أموات في قائمة التزكية
من جهته كشف رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة الانتخابات وديمقراطيتها "عتيد" معزّ بوراوي لـ"عربي21" عن ثلاث حالات لأشخاص متوفين منذ سنوات وأدرجت أسماؤهم ضمن ملف تزكية رجل الأعمال سليم الرياحي المترشح للانتخابات الرئاسية.
ولفت بوراوي قائلا: "إنّ عضوا من الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات أكّد له وجود عدد كبير من التجاوزات منها
التدليس والتزوير واستعمال بيانات خاطئة وغيرها من الخروقات في ملفات التزكية التي يصل عددها إلى حوالي 751 ألف تزكية.
مديرة مكتب الرياحي تنفي
لكن يسرى الميلي مديرة مكتب رجل الأعمال والمرشّح للانتخابات الرئاسية سليم الرياحي اتهمت في تصريح لـ"عربي21" بعض منظمات المجتمع المدني بخدمة أطراف سياسية داخل وخارج تونس على حساب شخصيات وأحزاب عُرفت بنزاهتها ووضوحها ودعوتها لمحاسبة رموز النظام السابق.
وقالت الناطقة باسم المرشح لرئاسة تونس سليم الرياحي "إن ما تُروّج له بعض المنظمّات بخصوص وجود تدليس في ملف تزكية هذا الأخير لا أساس له من الصحّة وتمّ دحضه من قبل الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات بعد قبول أوّلي لملف ترشّحه والإعلان عن ذلك في الندوة الصحفية الثلاثاء على غرار ملفات 26 مترشّحا آخرين" على حدّ قولها.
وواصلت مديرة مكتب الرياحي متحدّثة لـ"عربي21" إنه لو كان في ملف رجل الأعمال الرياحي ما يفيد وجود تدليس لوقع إبلاغهم بذلك وإحالة الأمر إلى القضاء.
قانون انتخابي يسهّل عملية التزوير
وشدّد عضو شبكة "مُراقبون" أمين حلواني في حديثه لـ"عربي21" على انّ أيّ ملف تزكية لمرشّحي "الرئاسية" يحوي بالضرورة عددا من الخروقات وربّما تزويرا وتدليسا. ويبرّر رأيه بأن "نظام التزكية في قانون الانتخابات يسهّل عملية التزوير". ويختم قائلا بأنّ "أيّ عملية انتخابية في العالم لا بدّ أن تعتريها خروقات مختلفة ولكن ما يميّزها كلها عمّا حدث في ملفات التزكية لـ"الرئاسية" في تونس هو أنّ القانون الانتخابي هُنا مهّد الطريق لذلك".
النيابة العمومية على الخطّ
ويوضّح عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بفون لـ"عربي21" على هامش المؤتمر الصحفي للهيئة الثلاثاء أن الهيئة لن تتأخّر في إحالة أي ملف يصلها بخصوصه شكوى تتعلّق بتدليس التزكية إلى النيابة العمومية. مضيفا أنّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قدّمت فعلا الثلاثاء 30 سبتمبر الجاري شكاية إلى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس قصد الإذن بفتح بحث بخصوص شبهة تدليس وتزوير تزكية بعض المترشحين للانتخابات الرئاسية.
ولعلّ ما يزيد في إحاطة قضية التزكية بالغموض، بحسب كلّ المراقبين هو عدم تطرق القانون الانتخابي لفرضية تزوير التزكية وبالتالي عدم التنصيص على أية عقوبة لها، واكتفى بالتنصيص على جرائم انتخابية اخرى. كما أنه لم يعط أية سلطة للهيئة العليا للانتخابات لتراقب مدى صحة التزكية ولتتصرف بكل حرية في حالة تزويرها، وهو ما أشار إليه رئيس الهيئة شفيق صرصار الثلاثاء عندما اقترح تنقيح القانون الانتخابي بصفة عاجلة لإصلاح الثغرات الموجودة فيه.
عقوبة بـ 5 سنوات سجنا
ويبيّن المختص في القانون الانتخابي شكري عزّوز عقوبة جريمة التلاعب بالإمضاءات المقدمة في ملف التزكية للمترشّح لمنصب رئاسة الجمهورية التي تصل إلى ستة أشهر مثلما ينص على ذلك القانون الانتخابي.
ويواصل في تصريح إذاعي الثلاثاء أنّ كل من اكتشف تدليسا من خلال استعمال إمضائه وتوصّل إلى إثبات ضرر خاص فإن الأمر يتجاوز القانون الانتخابي ليقع أعمال قوانين المجلة الجزائية المتعلقة بالتدليس لتتجاوز العقوبة خمس سنوات سجنا.
القضية مجرد فرقعة إعلامية
ويفسّر الخبير في القانون الدستوري الأستاذ قيس سعيد لـ"عربي21" أن تطبيق الفصل الذي بموجبه يعاقب كل من استعمل اسما مدلسا بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية مالية سيتطلب إما تقدم الشخص المعني بشكاية ضد من استعمل هويته في التزكية، أو تحرك النيابة العمومية من تلقاء نفسها او بناء على طلب من هيئة الانتخابات، وهو ما لم يتم إلى حد الآن، ما قد يجعل هذه القضية مجرد فرقعة إعلامية فحسب وقد لا تصل إلى القضاء. كما أن مشاكل إثبات الجريمة قد يعطل النظر في هذه القضايا وسيتطلب وقتا طويلا.