أعلن وزير الشؤون الاجتماعية
اللبناني رشيد درباس عن قرار حكومي بإقامة مخيمين للاجئين السوريين على الحدود اللبنانية، في خطوة هي الأولى في هذا الإطار منذ اندلاع الصراع في
سورية المجاورة قبل أكثر من ثلاث سنوات.
وقال درباس لوكالة فرانس برس الخميس إن "مجلس الوزراء اتخذ منذ فترة قرارا بإقامة مخيمين في منطقتين حدوديتين مع سورية للنازحين السوريين، أحدهما في منطقة المصنع (شرق) والثاني في منطقة العبدة (شمال)".
ويستضيف لبنان 1,1 مليون لاجئ سوري، ما يشكل عبئا ضخما على البلد الصغير ذي التركيبة السياسية والطائفية الهشة والذي يبلغ عدد سكانه حوالي أربعة ملايين ونصف المليون. ويعترض عدد من الأطراف السياسيين على إقامة
مخيمات للاجئين داخل البلاد، متحججين بأن ذلك سيشجعهم على البقاء، كما حصل من قبل مع
اللاجئين الفلسطينيين الذين يناهز عددهم حوالي 350 ألفا، وخوفا من تحول المخيمات الى بؤر توتر أمني.
وأوضح درباس، وهو عضو لجنة وزارية رباعية كلفت بدراسة وضع
النازحين السوريين في لبنان، أن "كل مخيم يمكن ان يستوعب عشرة آلاف شخص"، موضحا ان هذين المخيمين "سيكونان اختباريين لمعرفة مدى نجاحهما"، ويمكن المضي في توسيع المشروع إذا لم يواجه عقبات.
واشار الى ان "لجنة من المستشارين الذين عينتهم اللجنة الوزارية اجتمعوا اليوم في مقر وزارة الداخلية لوضع دراسة لتنفيذ مشروع انشاء المخيمين ووضع الآلية اللوجستية لاستيعاب النازحين في المخيمين وكلفة المشروع".
وأشار الى ان "المخيمين سيكونان عبارة عن بيوت جاهزة يمكن للنازحين تفكيكها وأخذها معهم عندما ينتقلون الى سورية".
وذكر مصدر حكومي لوكالة فرانس برس ان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل "كلف بالاتصال بالمسؤولين السوريين لإبلاغهم بالمشروع".
وأشار الى ان "المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة كانت تعارض إنشاء مخيمات في هذه المنطقة الحدودية بسبب مخاوف أمنية، لكن المسؤولين السوريين أبلغوها ان المنطقتين اللتين تم اختيارهما بعيدتان عن العمليات العسكرية".
وأصدرت المفوضية العليا للاجئين الخميس بيانا اعلنت فيه ان المعيار الأساسي للمكان الذي يتم اختياره لإقامة مخيمات للاجئين هو الأمن.
وجاء في البيان "ستواصل المفوضية العليا للاجئين العمل مع حكومة لبنان في كل خططها المتعلقة باللاجئين". وأضاف: "في ما يتعلق بالاقتراح الحالي، نحن جاهزون للعمل مع وزير الشؤون الاجتماعية من اجل البحث في مواقع محتملة وتقييم إمكان إقامة مخيمات فيها وفق المعايير المطلوبة".
واعتبرت المفوضية ان "الأمر الملح في اختيار الموقع هو الأمن للاجئين وللحكومة المضيفة. وهذا يشمل اختيار مواقع آمنة في مناطق غير معرضة للفيضانات او انجراف التربة والتي تحتمل الإنشاءات التي يحتاجها اللاجئون. كما ان الأمن يعني ألا تكون هذه المواقع معرضة لوصول مسلحين يهددون اللاجئين ومضيفيهم".
وكان درباس قد وصف في وقت سابق عدم إقامة مخيمات للاجئين منذ بداية الأزمة السورية بأنه "إهمال"، وقال لوكالة رويترز: "بصراحة ربما الحكومة السابقة كانت ترى انها مسألة أشهر لبضعة الآف. الآن نحن أمام مسألة ملايين لبضع سنوات".
ورأى درباس أن إقامة مخيمات في أماكن محددة "ينفس الاحتقان في الداخل اللبناني. من وجهة نظرى لا أرى حلا سواه وسنحاول قريبا أن نقيم في المنطقة الفاصلة بين مركزي الحدود في شرق لبنان وفي شماله تجربة وإذا نجحت هذه التجربة سنوسعها".
وعلى النقيض من تركيا والأردن ينتشر النازحون السوريون في مخيمات غير رسمية على طول الأراضي اللبنانية ولكنهم يتركزون في المناطق الفقيرة في البقاع في شرق البلاد وشمالها. وتقدم لهم الأمم المتحدة مساعدة أولية في شراء المواد الغذائية والتعليم في المخيمات. وينتشر بعض السوريين الفقراء في شوارع بيروت والمدن الكبرى كباعة للزهور في الشوارع او كمتسولين.
وأشار درباس الى وجود خلافات سياسية بشأن إقامة مخيمات فبعض المسؤولين يخشون أن تكون هذه مقدمة للتوطين على غرار اللاجئين الفلسطينيين في البلاد، والبعض الآخر (ومنهم حلفاء النظام السوري) يخشون أن تتحول هذه المخيمات إلى بؤر عسكرية لمعارضي نظام بشار الاسد.
وقال درباس: "هذا وارد وذاك وارد ولكن ما هو وارد أيضا هو تلافي المحظورين بمزيد من الرقابة والحزم بتطبيق الإجراءات".
وقال: "لم نعد نستطيع قبول نازحين جدد. أول العلاج هو الحد من النزوح.. لكن أقول بصراحة أننا في هذه المرحلة لسنا بوارد إقفال حدود.. أو ترحيل أحد من اللاجئين قسرا". وأضاف: "التسجيل الرسمي لدى المفوضية مليون و200 الف لاجئ، ولكن هناك أكثر لأن بعض السوريين ليسوا مسجلين كنازحين مثل الميسورين الذين يعيشون على حسابهم والعمال والعدد الإجمالي يصل إلى مليون ونصف مليون".
وعدد درباس ما اعتبرها تداعيات للأزمة السورية على لبنان، قائلا إنها أدت إلى خسارة لبنان نحو 20 مليار دولار على مدى أكثر من ثلاث سنوات. وقال ان النازحين السوريين تسببوا "بأزمة أمنية وهذا يعني أن كل بقعة في لبنان يمكن أن تنشأ هناك مشكلة أمنية وتكون هناك أفعال وردود أفعال والجيش اللبناني عدده صغير ومهماته كبيرة".
وأثار ذبح الدولة الاسلامية لجندي لبناني خطف قبل أكثر من شهر اثر معارك في منطقة عرسال الحدودية مع سوريا موجة توتر في البلاد تمثلت بمهاجمة لاجئين سوريين وخطف على أساس مذهبي بين سنة وشيعة في منطقة البقاع شرق البلاد.
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية حصول بعض الحوادث ضد السوريين قائلا ان "الشعب اللبناني صار يتوجس من السوريين، فكل هذه الأمور مع بعضها تخلق حالة غير مستقرة وحالة حذر متبادل وربما خوف متبادل وربما نوايا سيئة متبادلة ترجمت بأعمال عنف محدودة ضد السوريين".
واعرب عن استنكاره لاقدام بعض البلديات على الطلب من النازحين مغادرة مناطقها قائلا: "هذا شيء غير قانوني وغير إنساني ونستنكره.. وهذا غير مجد.. على كل حال كل ما اخشاه ان ننساق في ردود الفعل الغريزية".
وقال درباس في تصريحات منفصلة لوكالة الأناضول إن هذه الاعتداءات "غير بريئة وغير مبررة وتسيء كثيرا لسمعة لبنان ولكرامة البشر".
وأكد أن الدولة اللبنانية "بالرغم من إمكانياتها وحاجتها للمساعدة داخليا وخارجيا.. ستتصدى بحزم لهؤلاء المعتدين على النازحين السوريين الى أي جهة انتموا"، مشددا على أن الدولة "مسؤولة عن كامل أراضيها وبالتالي عن أمن كل من يقطن هذه الأرض من مواطنين ووافدين". وأوضح أن كل "الإجراءات اللازمة من ملاحقة قضائية وأمنية ستتخذ بحق أي معتد على أي نازح سوري في لبنان"، معتبرا أن استقبال النازحين السوريين "مدعاة فخر للشعب اللبناني المضياف، بالرغم من الحمل الثقيل الذي يتحمله".