بعيون "حزينة"، غلّفت الطفلة الغزيّة رانية فايز (13 عاماً)، حذاءها القديم المهترئ، وحقيبتها التي ورثتها عن عامٍ دراسيّ طويل مضّى، بكيس أسود اللون، لتعطيه لوالدتها كي تودعه في محل "إسكافيّ" (صانع الأحذية) قريب من منزلهم.
وتعتقد الطفلة "فايز" أن إعادة ترتيب شكل تلك المستلزمات المدرسية بأقل التكاليف بخياطة الحقيبة التي مزّقتها ثقل الكتب المدرسية، وإلصاق حذاء أفسده المشي في الشوارع الرمليّة لأكثر من عام، يساعد أسرتها على تخطّي الضائقة المالية التي يعانون منها، خاصة في ظل توقف والدها عن العمل بسبب تضرر سيارة الأجرة خاصته، خلال حرب الـ51 يوماً، والتي كانت تشكل مصدر رزق لأسرته.
وقالت فايز: "إصلاح الأحذية والحقائب المدرسية في هذا الوقت، يشكل مساندة للعائلات الفقيرة في
غزة، خاصة تلك التي عانت من أضرار مادية خلال الحرب الإسرائيلية".
وتابعت: "عوضاً عن شراء مستلزمات مدرسية جديدة، يمكن بثمنها تعويض الأضرار التي لحقت بنا خلال الحرب، وكما تقول لي أمي، إن الوضع الاقتصادي لا يسمح بشراء كافة المستلزمات المدرسية، فيجب توفيرها بالحد الأدنى من التكاليف".
وتقف الطفلة "فايز" أمام باب محل "
الإسكافي" تنظر إلى زوّار المحل، مواسيةً نفسها، إذ أنها ليست الوحيدة التي لن تحظَى لهذا العام، بحذاء وحقيبةٍ مدرسية جديدين.
وتقول والدتها (ريم فايز): "بالرغم من انتشار الأحذية والبضائع (الصينية)، زهيدة الثمن، في أسواق قطاع غزة، إلا أننا غير قادرين على توفير الحد الأدنى من المصاريف لأطفالنا، خاصة وأن الحرب تسببت بأضرار لنا، وأفقدتنا مصادر رزقنا".
وتعتبر مهنة "الإسكافي" في قطاع غزة، مهنةً شعبية قديمة، شارفت على الاختفاء، في ظل انتشار البضائع "زهيدة" الثمن، إلا أن تردّي الوضع الاقتصادي بغزة حافظ على وجود تلك المهنة بشكلٍ نسبيّ.
وفي سوق مدينة غزة المركزي، وبالتحديد في "زاوية الإسكافية"، يجلس الإسكافي خليل حمدان (58 عاماً)، وسط ضجيج ماكينات الخياطة، وصراخ الزبائن التي تودع بضائعها عنده طالبةً إصلاحها وخياطتها في أقرب وقتٍ.
ويقول الإسكافي: "ورثت هذه المهنة عن والدي، وأعمل بها منذ (40 عاما)، كما أن هذه المهنة لها مواسم معيّنة، تنشط مع اقتراب بدء العام الدراسي الجديد، ومع المناسبات والأعياد".
وذكر أن إقبال الغزيين على محال الإسكافيين لتصليح أحذية أطفالهم وحقائبهم المدرسية، قبيل بدء العام الدراسي الجديد ارتفعت عن الأعوام السابقة، بسبب الخسائر الاقتصادية التي سببتها الحرب لأهالي القطاع.
وتابع: "الحرب أثرت على الوضع الاقتصادي لأغلب سكان قطاع غزة، فمن هدم بيته، وفقد مصدر رزقه، أو تضرر عمله، إضافة إلى ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل، وتلك الأسباب تشكّل دوافع لدى الغزيين كي يخيطوا المستلزمات المدرسية المستعملة بدلاً من شراء أخرى جديدة".
ولفت إلى أن سعر تصليح المستلزمات المدرسية المستعملة يبدو زهيداً، بالمقارنة مع أسعار المستلزمات الجديدة.
واستكمل قائلاً: "متوسط عدد الأفراد في الأسرة، يبلغ 5 أفراد تقريبا، فإذا أراد معيل الأسرة شراء مستلزمات أطفاله الدراسية، في ظل الوضع الاقتصادي المتردي سيكلّفه ذلك مبالغ كبيرة، إذ يعلّمون أطفالهم (القناعة) بإصلاح المستعمل".
وأشار إلى أن الكثير من العائلات الغزيّة، ميسورة الحال، تنتظر بترقّب، المساعدات التي توزّعها الجمعيات الخيرية مع بدء العام الدراسي الجديد.
وشنت إسرائيل حربًا على قطاع غزة في 7 يوليو/ تموز الماضي، استمرت لمدة 51 يومًا، وأسفرت عن استشهاد 2152 فلسطينيًا، وإصابة نحو 11 ألفا آخرين.