أثرت الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من 3 سنوات، على
الرياضة في البلاد ومسابقاتها، وقسمت الرياضيين ما بين مؤيد للنظام ومعارض له، فيما قتلت قوات النظام بعملياتها المختلفة، والقصف الجوي والبري، أكثر من 221 رياضيا.
وتعرضت المسابقات المختلفة داخل البلاد، إلى تأثر مباشر جراء المواجهات المسلحة بين قوات النظام والمعارضة، وخاصة أن قسماً منها جرى داخل المدن، من مثل حمص، وحلب، ودير الزور، وإدلب، ودرعا، وجعل من التواصل بين مختلف المدن أمرا صعبا.
وكذلك توقفت الدوريات المحلية بمختلف المسابقات لفترات طويلة، سواء بسبب الشحن الجماهيري في المدن، وتعذر إقامة المباريات حرصا من النواحي الأمنية، أو لأسباب لوجستية، انتهاء من الخوف بتحول الملاعب إلى ساحات للتظاهر والمواجهات.
من ناحية أخرى، تعرضت مشاركات المنتخب السوري في مختلف الألعاب إلى تعطل نتيجة عدم جهوزية الفرق الرياضية، فضلا عن عدم تمكن المنتخبات المنافسة، من القدوم للعب المباريات داخل سوريا، وهو ما انعكس على مشاركة الفرق السورية الخارجية.
وفي دورة ألعاب البحر المتوسط العشرين التي استضافتها مرسين التركية العام الماضي، حصلت بعثة سوريا المشاركة على فضيتين فقط، عبر الرباع "عهد جغيلي"، الذي فقد ذهبيته في الدورة السابقة، فيما ينافس منتخب الناشئين لكرة القدم، في التصفيات الأسيوية الشهر المقبل في تايلاند، في محاولة للتغلب على الظروف، والتأهل لنهائيات كأس العالم للناشئين.
وقال "أيمن قاشيط"، وهو لاعب كرة قدم في نادي الوحدة، إنه عند بدء الأحداث، "توقف الدوري الكروي، تلاه عودة جميع اللاعبين إلى مدنهم، ومنهم من رفض ما يجري بالبلاد، فعزف عن اللعب، والبعض الآخر من اللاعبين انشق وذهب إلى الخارج".
وفي تصريحات لمراسل الأناضول، أوضح قاشيط أن "الدوري الذي يستمر حاليا في مناطق النظام، هو لتدبير الأمور وتلميع صورة النظام بأن كل شيء على ما يرام، ويقام بطريقة مخالفة لقوانين الفيفا، وهو عبارة عن تجمع في محافظة واحدة واللعب في ملعبين لجميع الفرق، البالغ عددها 14 فريقا".
وأضاف قاشيط، وهو يدرس الماجستير في التربية الرياضية بالسويد حاليا، أن "طريقة الدوري مخالفة لقوانين الفيفا لجهة قصف قوات النظام للملاعب والمنشآت الرياضية، وتحويلها إلى ثكنات للجيش والآليات، فضلا عن تخصيص عدد من الصالات الرياضية كمعتقلات للمدنيين"، متسائلا "كيف يمكن لكرة القدم أن تستمر بهذا الوضع".
من جانب آخر، شدد قاشيط على أن "الرياضيين أول ما يتعلموه هو الإنسانية والشعور بها، وأغلب الذين انشقوا أو تركوا الرياضة وكرة القدم، فعلوا ذلك بسبب رفضهم لما يجري، وليس لمجرد معارضة النظام، وأعلنوا انشقاقهم عن الاتحاد الرياضي العام واتحاد كرة القدم".
واستشهد قاشيط بمقولة رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "ميشيل بلاتيني" بأن "الرياضة زائد سياسة تساوي صفر"، الأمر الذي "انعكس على أداء المنتخبات، بعد أن تحول الاتحاد الرياضة لآلة سياسية بيد النظام، وتشكيل المنتخبات فقط للمشاركة وتلميع الصورة، وإظهار أن الرياضة تجري بشكل جيد في البلاد".
وكشف أيضا أن "هناك محاولات لدمج عدد هيئات وروابط رياضية داعمة للمنشقين من مختلف الألعاب والرياضات، وهناك تواصل مع الفيفا وتقديم تقرير للحصول على موعد، وعرض ملف حول المعتقلين والقتلى من الرياضيين، والتجاوزات على المنشآت الرياضية، من أجل إيقاف الاتحاد الموجود في سوريا حاليا، في إجراء قانوني حدد طريقه الفيفا نفسه".
واكد أيضا أن "هناك مساع لتشكيل المنتخب السوري الحر لكرة القدم، ويضم نخبة لاعبي الكرة المتواجدين خارج البلاد، بشكل يكون فيه مستقلا عن الأحداث السياسية التي ستكون شخصية، وتتعلق باللاعب ذاته، دون انعكاس ذلك على الرياضة واللعبة".
وفي نفس الإطار، قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية مستقلة، إن أكثر من (221)، رياضيا سوريا، قتلوا جراء عمليات قوات النظام العسكرية، خلال سنوات الأزمة، فضلا عن بتر أعضاء ما لا يقل عن (360) آخرين، فيما لا يزال (34)، رياضيا معتقلا حتى الآن.
وفي تقرير للشبكة أكدت فيه أن "القتلى سقطوا، جراء عمليات النظام المختلفة، من قصف بري، وجوي، وعمليات اقتحام، وقنص، حيث لم تميز آلة تعذيب، وقتل السوريين، التي يستخدمها النظام، بين رياضي، أو طبيب، أو صحفي، أو عامل، أو فنان، فكل من وقف في وجه النظام السوري، معرض لسحق تلك الآلة".
من ناحية أخرى، لفتت الشبكة إلى أنه "لا يزال حتى اللحظة ما لا يقل عن (36) رياضيا قيد الاعتقال، فيما تعرض المئات لأصناف مختلفة من التعذيب، تسببت في إعاقة كثيرين منهم، وتدمير مستقبلهم الرياضي، وقتل (6) رياضيين بسبب التعذيب، داخل مراكز الاحتجاز، وحكم على الباقين منهم بأحكام تعسفية بالسجن تصل إلى (15) عاما، كما حصل مع بطل الجهورية في رفع الأثقال، "أيهم جمعة".
وأشارت الشبكة إلى أن "القصف العشوائي تسبب في بتر أعضاء ما لا يقل عن (360) رياضيا، وذلك منذ بداية الثورة وحتى تاريخ إصدار التقرير، بحسب أرشيف الشبكة السورية".
وأوردت الشبكة أمثلة عن مقتل رياضيين آخرين، مثل "أحمد عاطف الرجا المسالمة"، لاعب نادي الشعلة للشباب بكرة اليد، حيث قتل بتاريخ (21) شباط/فبراير عام (2012)، نتيجة قصف حي طريق السد بمدينة درعا، ومقتل "عقبة عاشور"، من مدينة ديرالزور، وهو لاعب كرة قدم في نادي الفتوة، أطلقت قوات الأمن الرصاص عليه أثناء مشاركته في مظاهرة بتاريخ (2) آذار/مارس عام (2012).
ومن بين أبرز القتلى أيضا، "عبد الحكيم قرقوز"، بطل الجمهورية لكرة الطاولة للمعاقين، وهو من مدينة القصير بريف حمص، وقتل تحت التعذيب في فرع المخابرات الجوية بدمشق، بعد اعتقال دام نحو ثلاثة أشهر، إضافة إلى "صبحي سعدو العابد"، بطل العالم للمصارعة، حيث كان قد توج بالعديد من البطولات الدولية، وقتل برصاص قناص القوات الحكومية في شارع الدبلان بحمص عام (2012).
وأكدت الشبكة أن هناك رياضيون متواجدون ضمن مراكز الاحتجاز، ويتعرضون لألوان التعذيب المختلفة، ومن أبرزهم الدكتورة "رانية محمد العباسي"، بطلة سوريا والعرب في الشطرنج، حيث تم اعتقالها مع زوجها "عبد الرحمن ياسين"، وأطفالها الستة، وذلك بعد اقتحام قوات الأمن السورية لمنزلها بحي دمر بدمشق في (11) آذار/مارس 2013".
واستعرضت الشبكة أمثلة عن ذلك، منها إصابة الملاكم ناصر الشامي (30 عاما)، البطل العالمي في الملاكمة، والحاصل على الميدالية البرونزية في أولمبياد أثينا (2004)، الذي أصيب بجروح، أعاقته عن ممارسة رياضة الملاكمة، جراء تعرضه لإطلاق النار من قبل القوات الحكومية، أثناء اقتحامها مدينة حماة في (4) حزيران/يونيو (2011)، ونقل فيما بعد للعلاج في ألمانيا، ويذكر أنه حقق ذهبية دورة الألعاب العربية عام (2007)، وذهبية دورة آسيوية في (2004)، والتي أهلته للمشاركة في أولمبياد أثينا، حيث حقق فيها الميدالية البرونزية.
ومنذ مارس/آذار (2011)، تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من (40) عاماً من حكم عائلة
الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية، يتم فيها تداول السلطة، لكن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات، ما دفع سوريا إلى معارك دموية بين القوات النظامية، وقوات المعارضة، حصدت أرواح أكثر من (150) ألف شخص، بحسب المنظمات الحقوقية.