حذر الجمعة، تقرير حكومي جزائري من تحول
الفساد إلى منظومة حكم، قائمة بذاتها، ووجه انتقادات لاذعة للحكومة على أنها "فشلت في محاربة الفساد و
الرشوة رغم الترسانة القانونية التي شرعت على مدار السنتين الأخيرتين.
لأول مرة منذ تأسيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية
حقوق الإنسان العام 2000، ترصد اللجنة التابعة مباشرة إلى رئاسة الجمهورية بالجزائر، واقعا سوداويا إزاء استفحال الفساد و الرشوة، في الهيئات الحكومية وغير الحكومية.
وأفردت اللجنة التي يرأسها المحامي الكبير، فاروق قسنطيني، المعين لثالث فترة على رأس الهيئة الحكومية، حيزا واسعا لملف الفساد، ضمن تقرير شامل لحقوق الإنسان، للعام 2013، تحصلت صحيفة "عربي21" على نسخة منه حصريا، الجمعة.
وحمل مضمون التقرير، مخاوف جمة من تحول التعامل بالرشوة، وانتشار الفساد على نطاق واسع بمؤسسات الجمهورية، وأشار إلى أن "خطابات الحكومة والمسؤولين بشأن محاربة الفساد على مدار السنوات الفارطة، لم تغير من الواقع في شيء".
وقال فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، ل"عربي21" الجمعة" أخشى أن يتحول الفساد والرشوة إلى رياضة وطنية"، وأفاد أن "العدالة لم تفصل لغاية الآن في أي من الأربعين ملفا قيد النظر حاليا والتي تحولت إليها من طرف هيئة الوقاية ومكافحة الفساد".
وأكد قسنطيني أن " الكثير من المسؤولين بالهيئات الرسمية صاروا يتصرفون وكأن الإدارات التي يرأسونها ملكهم الخاص يمارسون فيه ما يشاؤون".
وفي مارس آذار 2012، أعلن الرئيس بوتفليقة عن إنشاء " المرصد الوطني لمكافحة الفساد" يتولى استقبال ملفات فساد للتحقيق بها ومعاقبة المسؤولين و المتورطين بها"، وفي نفس العام، جرى أيضا تأسيس " الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد" وتتولى هي الاخرى وضع خطط للحد من الظاهرة التي جعلت
الجزائر ترتب ضمن البلديان الأكثر فسادا، ففي العام 2013 احتلت المرتبة ال11 بمؤشر "الشفافية الدولية حول الفساد".
وهذه المرتبة غير مشرفة على الإطلاق، حسب نشطاء مستقلون يشتغلون على محاربة ظاهرة الفساد.
لكن الهيئات الرسمية التي أعلن عن إنشاءها لم يظهر لها اثر بالميدان منذ أن تم تنصيبها، كما أنها لم تنشر تقاريرا ولا ملاحظات حول عملها.
وأفاد قسنطيني بهذه النقطة " نعم سجلنا عدم نشر هيئة الوقاية ومكافحة الفساد أي تقرير إلى غاية الآن".وقال أيضا أن " مجلس المحاسبة (أعلى هيئة قضائية) لم يتمكن من نشر تقاريره سوى مرتين منذ ثلاثين سنة ويبقى مؤسسة مقيدة".
و شدد تقرير اللجنة الاستشارية على المؤسسات المكلفة بمحاربة الفساد "أن تتمتع مثلما تنص عليه المعايير الدولية بالاستقلالية، التي تبعدها عن هيمنة السلطة التنفيذية الممثلة في وزارتي المالية و العدل".
وجاء في التقرير أيضا انه" لا يمكن لهذه الآفة الكبيرة أن تنتشر إلا في الأنظمة السياسية التي تنمي وترعى الوضاعة و اللاعقاب وتعوزها هيئات المراقبة الاجتماعية الفعالة".
ومضمون التقرير أثار اهتمام نشطاء مكافحة الفساد بالجزائر، على انه تضمن مؤشرات تحذيرية اكبر من تلك المؤشرات التي درج على التنبيه إليها بلغة الانتقاد، النشطاء المعارضون في تقاريرهم السنوية.
وقال جيلالي حجاج، رئيس "المنظمة الجزائرية لمكافحة الفساد" المستقلة، ل"عربي21" الجمعة" ما ورد في تقرير اللجنة الحكومية سبق وان حذرنا منه، والأمر ليس بجديد إلا ما تعلق باعتراف هيئة حكومية بخطورة الوضع".
وبخصوص استلام ملفات الفساد ضمن مهام "مرصد مكافحة الفساد" بالجزائر أوضح حجاج" مسؤولو المرصد لما يحوزون على ملفات فساد، يقدمونها لوزير العدل، الذي يقرر إن كانت تسلم للعدالة أم لا .. هذا غير معقول على الإطلاق ويكرس عدم استقلالية الهيئة، ويؤشر هذا المنحى تراجعا، في إجراءات محاربة الظاهرة".
وانتقد حجاج نظام عمل المرصد، معتبرا انه وضع من اجل تحجيم مكافحة الفساد بالشكل الصحيح، وقال " إنه (النظام الخاص بعمل المرصد) يثني المواطنين حاملي ملفات الفساد و المشتكين الذين يحملون دلائل وملفات عن الفساد من التوجه للهيئة، عكس ما تنص عليه الاتفاقية الأممية التي تشجع مشاركة المواطنين في العملية".
وأثارت ملفات الفساد، بالجزائر، في الآونة الأخيرة استقطابا سياسيا ملحوظا، بعد بروز فضيحة ما عرف ب"سونطراك2" المختصة بتعاملات النفط، وتورط الوزير الجزائري السابق للنفط شكيب خليل في تعاملات مشبوهة ضمن صفقات أبرمت مع الشركة الإيطالية للنفط "صايبام".
وأوردت تقارير أن الوزير الجزائري متورط في فضيحة تحويل ما قيمته 176 مليون دولار لحسابه ولحساب شركائه بالصفقة واغلبهم إيطاليون وكنديون.
وتساءل تقرير فاروق قسنطيني عن مصير التحقيقات التي فتحت بالملف منذ شهر يونيو حيزران من العام الماضي 2013.
وحتى الآن لم تعلن الحكومة الجزائرية أين وصلت التحقيقات بشأن الملف، بعد أن أصدرت مذكرة لدى الشرطة الدولية للقبض على شكيب خليل.