في السبعينيات من القرن الماضي، كان الطالب خالد
مشعل يلفت الانتباه إليه في جامعة الكويت، شاب ترتسم على وجه ابتسامة دائمة، يمتلك قدرة لافتة على المجادلة والنقاش.
في هذه الفترة (1974 - 1978) توضحت ملامح شخصيته السياسية أكثر، فقد قاد التيار الإسلامي الفلسطيني في جامعة الكويت، وشارك في تأسيس كتلة الحق الإسلامية، التي نافست قوائم حركة فتح على قيادة الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الكويت، تلك الكتلة التي سرعان ما تحولت بعد تخرجه إلى ما عرِف بـ"الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين".
ويقول مشعل: "كانت هذه الرابطة من اللبنات التمهيدية لحركة "
حماس" التي بنيت لبناتها الأولى في غزة والضفة والشتات الفلسطيني، كان جسم الحركة يتشكل هنا وهناك".
عمل بعد تخرجه مدرسا للفيزياء في الكويت، عرف عنه ثقافته الواسعة، واطلاعه الدؤوب، وقراءاته المتعددة، وقد وصفه مراقبون بقولهم: "إن مشعل لديه القدرة البارعة على صياغة مواقف حماس بعبارات منطقية (...) إنه صلب ومرن معا، محاور يوصد الباب ولا يقطع خيط الصداقة مع من يختلف معهم".
وكما ساهمت فترة الازدهار الجامعي في الكويت في تكوين شخصية مشعل وتنمية قدراته، فقد كانت الفترة اللاحقة فرصة لبزوغ نجمه، وسطوع اسمه بعد انضمامه إلى "الإخوان المسلمين"، الجناح الفلسطيني إن صح التعبير عام 1971.
و شارك مشعل، المولود عام 1956 في قرية سلواد قضاء رام الله، في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 1987، وانضم إلى المكتب السياسي للحركة منذ تأسيسها، ولدى عودته إلى الأردن أصبح عضوا نشطا فيها، حتى انتخب عام 1996 رئيسا للمكتب السياسي للحركة.
غدا شخصية من أكثر شخصيات "حماس" قبولا إعلاميا، وهو ما دفع بـ"
إسرائيل " إلى أن تحاول اغتياله في عمان على أيدي عملاء "الموساد".
فقد استهداف من قبل "الموساد" بتوجيهات مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين
نتنياهو، حيث قام عناصر من "الموساد" بالدخول إلى الأردن بجوازات سفر كندية مزورة، وقاموا بمهاجمة مشعل بحقنه بمادة سامة أثناء سيره في شارع وصفي التل (الجاردنز) في عمان.
واكتشفت السلطات الأردنية محاولة الاغتيال، وقامت بإلقاء القبض على اثنين من عناصر "الموساد" المتورطين في عملية الاغتيال، وطالب الملك حسين بن طلال من نتنياهو المصل المضاد للمادة السامة التي حقن بها مشعل، وعندما ماطل نتنياهو أخذت محاولة الاغتيال بعداً سياسياً عندما خير الملك حسين، نتنياهو بين السلام وحياة مشعل"المواطن الأردني"، وقام الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بالتدخل، وأرغم نتنياهو على تقديم المصل المضاد للسم، وأكثر من ذلك؛ فقد رضخت تل أبيب لطلب الملك الحسين بإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين، والسماح بعلاجه في عمان وضمان عودته إلى فلسطين.
علاقة مشعل بالأردن كانت مشوبة بسوء الفهم أحيانا، وبطبيعة التوازنات السياسية في المنطقة، ففي أيلول/ سبتمبر عام 1999، اعتقلته السلطات الأردنية، بعد قرار إغلاق مكاتب "حماس" في الأردن، كما اعتقلت عدداً من كوادر الحركة، وبعد الإفراج عنه، غادر مع ثلاثة آخرين من قيادات الحركة إلى دولة قطر في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1999.
و استقر بعد ذلك في العاصمة السورية دمشق، وبعد اغتيال القوات الإسرائيلية للشيخ أحمد ياسين، أعلنت الحركة في آذار/ مارس عام 2004، انتخاب مشعل رئيساً عاماً للحركة.
يبدو متوازنا حين يتحدث عن موقف "حماس" وعلاقاتها بمن حولها عربيا وإسلاميا يقول: "إن حماس، باعتبارها جزءًا أصيلاً من أمتها، تراعي في موقفها مجمل الأوضاع العربية والإسلامية بعيدًا عن التبعية والإلحاق (...) ونجحت حماس في تكريس معادلة متوازنة في علاقاتها العربية والإسلامية".
تمكن مشعل من نسج شبكة علاقات متينة بين "حماس" وبعض الدول العربية، ويرى مشعل أن "معركة الدفاع عن هوية الدولة الأردنية هي في ذات معركة الفلسطينيين من أجل تحررهم واستقلالهم الكامل في مواجهة عدو مشترك".
وهو حين يتحدث عن أصحاب الأجندات الإقليمية في كلا الطرفين يعتبر كل محاولة لخلق تناقض بين الشعبين خدمة مجانية لـ"إسرائيل". وهو يرفض ويحارب فكرة الوطن البديل أو توطين اللاجئين أو مصادرة حق العودة.
وفي معرض حديثه عن موقف حماس من الهوية الأردنية يؤكد أن "الأطراف التي تتبنى حلولاً سياسية تعرض مصالح الأردن للخطر موجودة في السلطة وليس في حركة حماس"، لا بل إن موقف حماس من حق العودة وقضية اللاجئين يعد أصلب وأكثر تشدداً من الموقف العربي الرسمي.
الأردن بالنسبة لـ"حماس" ليس ساحة، ولا هو مجرد أرض للحشد والرباط، وإنما وطن نهائي ومستقر لشعبه. والأردن يعني له أكثر من دولة عربية شقيقة، إنها المكان الذي استعاد فيه الحياة بعد أن رأى الموت بعينيه إثر محاولة اغتياله على يد الموساد، وكلما جاء ذكر المناسبة يتحدث مشعل بخشوع واحترام عن نبل الراحل الملك حسين.
ومنذ توليه منصبه القيادي في "حماس" وهو أمام تحدٍ مستمر، تحدي الحفاظ على استقلالية قرار حماس وابتعادها عن سياسة الاستقطاب العربي والإسلامي، وتحدي مواصلة المقاومة على أرض فلسطين، والأهم رفع حالة الحصار على غزة التي أصبحت تواجه وضعا كارثيا.
مغادرته لسوريا جاءت بعد موقفه الرافض لسياسات الحكومة السورية تجاه الشعب السوري، وربما افقده هذا الموقف الصلة المميزة التي ربطت الحركة مع إيران وحزب الله أيضا.
منصبه سياسي في "حماس"، وهو لا يعطي نفسه الحق في الحديث عن الجناح العسكري في الحركة (كتائب عز الدين
القسام)، لأن من هم في ساحة المعركة وحدهم يقررون توقيت بدء أو إنهاء معاركهم.
وقوة السياسي عادة هي بما يحققه جيشه أو مقاتلوه على ساحة المعركة، ولا يستطيع أن يطالب بأبعد مما تصله مدافعه، وحين تصل صواريخ المقاومة إلى تل أبيب، فإن رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" سيكون قادرا على الجلوس بثقة وسط عدسات المصورين محتفظا بابتسامته التي فتحت له الطريق عندما كان طالبا بجامعة الكويت.