خلافة البغدادي تعمق الانقسام في صفوف جهاديي الأردن

على أثر إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام تنصيب أميره أبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين، انحاز قطاع واسع من أتباع التيار السلفي الجهادي في الأردن إلى الدولة الإسلامية بزعامة البغدادي بحسب ناشطين جهاديين وخبراء في التيار الجهادي.

تراوحت مواقف أتباع التيار بين اتجاه رافض لبيعة البغدادي، تزعمه منظرا التيار الشهيران عصام طاهر البرقاوي (أبو محمد المقدسي)، وعمر محمود عثمان (أبو قتادة الفلسطيني)، واتجاه آخر مؤيد ومناصر للدولة الإسلامية من أبرز رموزه عمر مهدي زيدان، وقد شهدت منتديات الانترت، ومواقع التواصل الاجتماعي، مساجلات ساخنة، وردودا متبادلة بين أتباع الاتجاهين وأنصارهما.

في تعليقه على طبيعة الاختلاف بين الاتجاهين، أكد القيادي في التيار السلفي الجهادي في الأردن محمد الشلبي (أبو سياف) لـ "عربي 21" وجود الاختلاف بين الاتجاهين من أبناء التيار، بين اتجاه رافض ومعارض، وآخر مؤيد ومناصر، مشيرا إلى أنه كان متوقفا في الموضوع لحين صدور بيان الشيخ أبي محمد المقدسي الذي انتقد فيه "بيعة البغدادي"، معلنا تبنيه لرأي المقدسي بصفته من أهل العلم والرأي والحل والعقد في التيار.  

المقدسي ينتقد الإعلان عن "خلافة البغدادي" 

كتب أبو محمد المقدسي أثناء اعتقاله عدة رسائل انتقد فيها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وأصدر مؤخرا بيانا بعنوان: "هذا بعض ما عندي وليس كله" أنتقد فيه بشدة إعلان تنظيم الدولة الإسلامية خلافة البغدادي، مركزا في نقده على ما سيفضي إليه الإعلان، مبديا تخوفه من اتخاذه "سيفا مسلطا على مخالفيهم من المسلمين، ولتشطب به جميع الإمارات التي سبقت دولتهم المعلنة، ولتبطل به كل الجماعات التي تجاهد في سبيل الله في شتى الميادين قبلهم". 

وفي معرض مناقشته لإعلان بيعة البغدادي أشار المقدسي إلى إمارات إسلامية تم الإعلان عنها من قبل، فقد أعلن "الإخوة في القوقاز عن إمارتهم المباركة" لكنهم "لم يرتبوا على ذلك شيئا يلزم عموم المسلمين في نواحي الأرض، ولا سفكوا لأجل هذا المسمى أو به دما حراما، فما مصير إمارة القوقاز الإسلامي عند هؤلاء القوم بعد الصدح بمسمى الخلافة؟".

 كذلك فقد "أعلن الطالبان – بحسب بيان المقدسي - إمارة إسلامية قبلهم ولا زال أميرها الملا عمر حفظه الله يقارع الأعداء هو وجنوده وما رتبوا على مسمى الإمارة التي وجدت فعلا على أرض الواقع لسنين سفك دم حرام أو حل عقدة معقودة" متسائلا: "فما مصير هذه الإمارة عند من تسمى بمسمى الخلافة وأعلنها؟"، "وما هو مصير سائر الجماعات المسلمة المقاتلة المبايع لها من أفرادها في العراق والشام وفي كافة بقاع الأرض، وما هو مصير دمائهم عند من تسمى بمسمى الخلافة اليوم، ولم يكف بعد عن توعد مخالفيه من المسلمين بفلق هامتهم بالرصاص؟". 

أبو قتادة يهاجم ويفند ويحذر

من جانبه هاجم الشيخ عمر محمود (أبو قتادة الفلسطيني) إعلان "خلافة البغدادي"بشدة، محذرا في بحثه المطول الموسوم بـ"ثياب الخليفة" من شر الإعلان الذي "سيدخل العاملين المجاهدين في صراع داخلي" لأن حقيقة الخلافة  – بحسب أبي قتادة – موجهة لجماعات الجهاد العاملة في الأرض من اليمن والصومال والجزائر والقوقاز وأفغانستان ومصر وعموم بلاد الشام وليست إلى عموم المسلمين... ولذلك شره محقق ولا خير فيه، لأنه نوع من الصراع على الإمارة والقيادة..". 

وانتقد أبو قتادة "ما فعلته جماعة (الدولة) من إذهابها للخلاف الجاري بينها وبين خصومها على قيادة جماعات الجهاد – أي جماعة القاعدة – "إلى الدم الصريح وإعطاء هذا السفك للدم الحرام صفة الشرعية، حيث سنجد فقه (البغاة) كما أعلن الجاهل المركب العدناني – وفق عبارة أبي قتادة – في بيانه هذا، حيث حذر من شق عصا الطاعة، وإن حكمها الدم والقتل".

وأعاد أبو قتادة في بحثه إطلاق وصف "كلاب أهل النار" على تنظيم الدولة، مهاجما تكفيرهم لمخالفيهم بقوله: "بل سنجد كلاب أهل النار يكفرون المخالف لإمامهم وأميرهم كما فعل أشياعهم القدماء وجماعة (الخلافة)، وسيكون هذا في هؤلاء كذلك"، موضحا أن "مثل هذه الأمور لا تظهر رأسا بل تتسلل تباعا كما رأينا منهم ذلك قبل إعلان الخلافة، إذا كان خلافهم مع جبهة النصرة على الإمارة والقيادة ثم تحول إلى التكفير واستحلال الدماء". 

وخلص أبو قتادة في خاتمة بحثه إلى القول بأن "ما أعلنته جماعة الدولة الإسلامية في العراق بأنها "دولة الخلافة الإسلامية" باطل من وجوه (أورد تسعة أوجه) وجهالة من جهالات الذين لا يقدرون على إنزال الفروع على الأصول.."، حاكما عليها بأنها "جماعة بدعية"، "لا يقاتل تحت رايتها إلا اضطرارا.."، موجها نصيحته لعقلاء الجماعة بقوله: "وعلى العقلاء من هذه الجماعة أن يمنعوا المزيد من الغلو فيهم إن كانوا يريدون لأنفسهم ولإخوانهم الخير..".

أنصار الدولة يؤيدون ويدافعون ويجادلون

تشهد مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) نشاطا ملحوظا لأنصار الدولة الإسلامية، وثمة حسابات لأشخاص أردنيين بأسماء رمزية على الفيسبوك، يعلنون فيها عبر منشوارتهم تأييدهم للدولة ومناصرتهم لها ودفاعهم عنها، وللوقوف على رؤية الاتجاه الثاني المؤيد لـ"خلافة البغدادي" والمناصر لها، جرى التواصل مع بعض أولئك الأشخاص، إلا إنهم اعتذروا عن المشاركة لأسباب خاصة بهم، مرجحين أن عمر مهدي زيدان لن يوافق على المشاركة لاعتبارات أمنية. 

أكد أحد أولئك المناصرين الناشطين على الفيسبوك باسمه الرمزي "غريب الإخوان الأردني"، بعد موافقته على المشاركة باسمه الفيسبوكي، وجود الاختلاف والانقسام بين أبناء التيار، ذاكرا أن المؤيدين للدولة وخلافتها هم الجمهور الغالب، وأن الذين يؤيدون جبهة النصرة ويعارضون الدولة إنما يفعلون ذلك تقليدا لأبي محمد المقدسي، وأبي قتادة الفلسطيني. 

وفي رده على سؤال "عربي 21" فيما إذا كانت "خلافة البغدادي" قد استجمعت كل الشروط الشرعية والواقعية المطلوب تحققها في الخلافة الإسلامية؟ رأى "غريب الإخوان الأردني" أن الشروط قد توافرت، ولم يرد أحد من المخالفين حتى الآن برد شرعي على أدلة الدولة سوى ردود السخرية والاتهامات، فالشروط توافرت، والموانع انتفت، ولم يطرح أحدهم مانعا شرعيا بدليل للآن، بحسب "الغريب".

أما تحقق اجتماع المسلمين تحت راية الخلافة، فهو برأي "غريب الإخوان الأردني" المناصر لدولة الخلافة باطل لا دليل عليه، لأنه ثبت أن راية علي الخليفة لم يجتمع تحتها أهل الشام، وراية ابن الزبير الخليفة لم يجتمع تحتها جيش عبد الملك، وغيرها الكثير من السير، بل وثبت في السنة أن الخليفة المهدي سيُكذب وسيحارب من أبناء الإسلام، ولن تكون خلافته مجمعا عليها، طبقا لأجوبة "الغريب" الفيسبوكية.

وكان عمر مهدي زيدان، أبرز رموز الاتجاه المناصر للدولة الإسلامية في التيار السلفي الجهادي في الأردن، قد عبر في رسائل صوتية ومكتوبة عن مناصرته وتأييده للدولة الإسلامية في العراق والشام، ورد في رسالة سابقة أسماها "النقض لمن جعل الخلافة الإسلامية من دين الرفض" على أبي قتادة الفلسطيني، مضفيا على البغدادي كلما جاء ذكره لقب "أمير المؤمنين الشيخ ..".

الانقسام امتداد لاختلافات الزرقاوي والمقدسي

كيف يمكن فهم حالة الانقسام المتفشية في صفوف التيار السلفي الجهادي في الأردن بعد إعلان خلافة البغدادي وانحياز القطاع الأوسع من أتباع التيار لها؟ وهل هي وليدة اللحظة الراهنة أم ثمة خلفيات وجذور تراكمت تفاعلاتها وتداعياتها لإنتاج تلك الحالة؟.

يرى الخبير في تيارات السلفية الجهادية، مروان شحادة، أن حالة الانقسام في صفوف جهاديي الأردن ليست وليدة اللحظة، بل تعود في جذورها إلى الخلافات القديمة بين اتجاهي أبي محمد المقدسي، وأبي مصعب الزرقاوي، فالاتجاه المناصر للدولة الإسلامية هم أتباع الزرقاوي والامتداد الطبيعي لنهجه، والاتجاه المعارض لها هم أتباع المقدسي.

أما فيما يتعلق بطبيعة الانحيازات والاصطفافات في صفوف التيار بين اتجاهي الرفض والتأييد، فأوضح شحادة لـ "عربي 21" أن الانحياز الأوسع في صفوف التيار يصب في صالح الاتجاه المؤيد للدولة الإسلامية والمناصر لها، وفي تقديره فإن النسبة قد تقارب الـ (70%) من مجموع التيار في الأردن.
 
وحول ما يقال من أن المقدسي لم يعلن موقفه بوضوح من "خلافة البغدادي"، أكد شحادة أنه وبعد مقابلته للمقدسي واطلاعه على المراسلات بينه وبين تنظيم الدولة الإسلامية، يستطيع الجزم بأن المقدسي يعارض "خلافة البغدادي" لعدم استجماعها شروط الخلافة الشرعية من جهة، ولأنها تفرق صفوف الجماعات المجاهدة، وتؤجج نار المواجهات والصدامات بينها من جهة أخرى.

لكن ما هي طبيعة الاختلافات بين اتجاهي المقدسي والزرقاوي؟ يرى الباحث في التيار السلفي الجهادي محمود الكيلاني أن "الخلاف بين المدرستين المقدسية والزرقاوية لم يكن وليد لحظة تنصيب البغدادي كخليفة للمسلمين، فالخلاف قديم ظهر للعلن بإصدار المقدسي توجيهات للمجاهدين أسماها "وقفات مع ثمرات الجهاد" كانت أكثرها مباشرة رسالة المناصحة. 

وبحسب الكيلاني فإن جذور الاختلاف "تعود لاختلاف طبيعة الرجلين ونشأتهما الفكرية، فالمقدسي نشأ في أجواء علمية وتدرج في طلب العلم الشرعي منذ أيام الكويت، ورأى بأن الحل يكمن في القاعدة الشعبية من خلال الاهتمام بالجانب الدعوي وإشراك الأمة بالمشروع الجهادي لتكون رافعة له وحامية، بخلاف الزرقاوي الذي نشأ فكريا مراسلا لمجلة جهادية في أفغانستان، وعاش أجواء المهاجرين العرب الذين أبهرهم اندحار الاتحاد السوفيتي في تلك الفترة، ورأوا أن التغيير يكون من القمة وبالعمل المسلح..".

حالة الانقسام بين الاتجاهين مرشحة لمزيد من المواجهات والاتهامات بحسب خبراء وباحثين، نوهوا إلى أن آخر مظاهر المواجهات بين الطرفين، صدور البيان الأخير عن أنصار الدولة الإسلامية في الأردن بعنوان "معذرة إلى ربكم.. بيان من أبناء دعوة التوحيد والجهاد في الأردن"، تضمن هجوما شديدا على الشيخين المقدسي وأبي قتادة، جاء فيه ما نصه: 

 "نبرأ إلى الله تعالى من بيانات الشيخين المقدسي وأبي قتادة – غفر الله لهما – وما أصدروه في حق الدولة الإسلامية، ونعتقد أنها باطلة شرعا وواقعا، وعلى ذلك فهي لا تمثلنا ولا نرتضيها، وكل من وافق عليها وصرَح بتأييدها فإنه لا يمثلنا، ونبرأ إلى الله من فعله".