تعوزني اللغة ولا أفهم الحيثيات التي تدفع مسؤولين في مؤسسة القرار الأردنية للإسترسال في لعبة «إقصاء» الأخوان المسلمين وتهميشهم والعمل على تهشيمهم وحتى «شيطنتهم» مقابل الجلوس التام بإنتظار موجة تسونامي التي تمثل دولة داعش والتطرف والتشدد في المجتمع.
لم يعد للقصة أصل ولا منبت ولا قواعد فكلما تنامى حضور
التطرف والتشدد في المجتمع الأردني إندفعت السلطة نحو التشدد والتطرف مع المعتدلين في التيار الأخواني حتى كدت أشك بان الحكومة في بلد كالأردن لا تخشى التطرف فعلا بل الإعتدال كما يزعم الصديق مراد العضايلة.
وجهة نظر العضايلة بسيطة.. الإعتدال الذي يمثله دوما الأخوان المسلمون يطلب الترخيص لحزب من وزارة الداخلية ثم يعمل بصورة علنية وشريعة ويشارك في إنتخابات ويتحدث عن مجتمع مدني وحقوق وحريات .. إلخ هذه الإسطوانة التي يبدو أن بعض صناع القرار في الأردن لا يريدون الإصغاء إليها بل لا يحترمونها لأنها من المرجح تؤثر في أوضاع خاطئة من الواضح أن المؤسسات المدنية تلحق ضررا بها.
من يقفون ضد الإعتدال والعمل الحزبي ودعوات الحرية والإنصاف ومحاربة الفساد هم أنفسهم الذين يطربون لوجود موتورين ومأزومين وأشخاص متشددين لا يمكن التفاهم معهم ولا يمكن الوصول معهم إلى منتصف الطريق. اخشى فعلا أن ما يقوله بعض قادة الحركة الإسلامية صحيحا على أساس أن الخطر في العمل المدني والإعتدال في الأردن ولا خطورة فيمن يرفض الآخر من حيث المبدأ ولا يعترف لا بالدولة ولا بالنظام ولا بكل القوانين الوضعية من حيث الأصل.
لا توجد حكمة في إدارة ملف العلاقة مع الأخوان المسلمين في بلد كانوا دوما من عناصر إستقراره الإجتماعي مثل الأردن إلا إذا كان المقصود المتاجرة بالعنف والتطرف ودفع المعتدلين للعودة إلى قواعد العمل تحت الأرض والتنظيمات السرية والفصام في الخطاب والتصرف والفكرة.
لا أفهم إطلاقا منع فنادق القطاع الخاص من تأجير حزب مرخص قاعة لعقد مؤتمره العام الذي حضره بالمناسبة رئيس مجلس النواب ولا أفهم إستعمال مبررات واهية وضعيفة في منع إنعقاد المؤتمر الحزبي في قاعة رسمية وفي نفس اليوم المقرر كانت أرفع وأهم الصالات الحكومية بين يدي حزب آخر من التيار الوسطي.
خصوم الأخوان المسلمين الذين حاولوا الإنشقاق عنهم منحوا حق الإستضافة في قاعة المركز الثقافي الملكي أما الحزب المرخص المعتدل المنهجي فأجبر على إقامة مؤتمره في الشارع العام…أي حكمة في هذه الرعونة الإدارية وفي هذه الخدمات المجانية التي تقدمها الدولة ورموزها واجهزتها لتنظيم الأخوان المسلمين؟.
مثل هذه التصرفات لن تساعد في إعادة الأمور إلى نصابها ولا في تقليم أظافر قيادات الأخوان المسلمين بقدر ما تخدم المتشددين داخل الأخوان وخارجهم وما اعرفه شخصيا ولمسته بيدي أن الحملة الظالمة غير المنطقية التي شنتها يوما صحيفة «الرأي» الحكومية على الشيخ زكي بني إرشيد حصريا قفزت بالرجل إلى الأمانة العامة لحزب جبهة العمل الإسلامي فيما تجددت الحملة وقفزت به إلى موقع نائب المراقب العام.
لا مجال في الواقع للاستمرار في قبول المنطق الاعوج الذي يحاول العبث في بنية وبيئة تنظيم شعبي وحزبي عملاق قائم على فكرة
الاعتدال واحترام اولي الامر والموعظة الحسنة مقابل التراخي وبكل اصنافه مع اصحاب الراي المتشدد دينيا الذي لا يقبل الاخر ولا يقبل باقل من دولة دينية تطبق احكام الشريعة .
ولا مجال للثقة بالرأي الذي يقول اليوم بفتح قنوات الحوار مع التيارات السلفية والجهادية والمتشددة واغلاقها بنفس الوقت في وجه رموز الاعتدال في جماعة الاخوان المسلمين .. تلك برأيي اقصر طريقة للاستفزاز ولايذاء
الاردن والاردنيين بصورة مجانية لا يمكن تبريرها .
الاخوان المسلمون في الاردن وخارجه ارتكبوا اخطاء سياسية فادحة وكبيرة وبدت في بعض الاحيان اقرب الى مستوى المراهقة في اتخاذ القرار لكن هذا لا يعني بحال من الاحوال ان ما حصل في مصر ينبغي ان يحصل في الاردن وان ما تريده السعودية قابل للنجاح والتصدير في الاردن وبدون كلفة ولا يعني بان اخوان الاردن وهم غاية في الوطنية والمسؤولية والاعتدال هم انفسهم الاخوان المسلمون في اي مكان اخر سواء في قطاع غزة او حتى في اليابان .
على هذا الاساس اصبح لزاما علينا ان نتحدث بصراحة عن الحكمة التي تجلس بوقار خلف سيناريو التصعيد مع الاخوان المسلمين في الاردن او سيناريو العمل على تفكيكهم او الانشغال بانتاج انشقاقات في صفوفهم حيث لا اتلمس شخصيا اي حكمة من اي نوع في هذا المجال وحيث لا يمكن شراء او تصديق تلك الرواية التي تتحدث عن ادبيات وطموحات انقلابية ظهرت عند النسخة الاردنية من الاخوان المسلمين .
بعض رموز الاخوان يثيرون الارتياب فعلا باطلاق تصريحات متسرعة او لا مبرر لها لكن حتى في مؤسسات القرار والحكم وفي كل المؤسسات الوطنية تجد فريقا مماثلا من الطائشين او اصحاب الاجتهادات التي تغرد خارج السرب وتتميز بالتسرع والاعتباطية فلماذا نفترض ان مثل هؤلاء هم القرائن والادلة على انقلاب الاخوان المسلمين ضد النظام في الاردن؟ .
نعم حصلت اخطاء في الاجتهادات.. ونعم اخفق اصدقاؤنا بعد موجة الرئيس مرسي في مصر باظهار ولو قدر من التواضع ونعم حصل اخفاق في الاجابة على الاسئلة المتعلقة بمدنية الدولة وحق المرأة لكنه لا يشكل السبب الذي يدفع من يحاول توريط البلاد باتجاه التصعيد مع الاخوان المسلمين وبدون مبرر .
قد يكون الامر مرتبطا بخطأ اداري او اجتهاد خاطىء وهذا نحتمله ونتوقعه لكن قد يكون ناتجا عن فكرة منهجية مقصودة قوامها ضرب الاعتدال فعلا والسماح بنمو التطرف حتى تتحقق تلك الابجديات البائسة في تخويف المجتمع والسيطرة الامنية الكاملة عليه لان من يفكر في الانقلاب على الحياة نفسها وليس على الحكم فقط هو ذلك الذي يؤمن بقطع الرؤوس وليس الاخ المسلم المتهم بانه معتدل الى درجة المهادنة والتواطؤ .
اذا كانت اللعبة على النحو سالف الذكر فهي حساسة ومعقدة وخطيرة وواجبنا ان نحذر منها لانها تنطوي على مجازفة تلعب بالنار فلا توجد ضمانات بان يبقى المعتدل بعد استهدافه معتدلا ولا توجد ضمانات بان يبقى المتطرف او المتشدد بعد السماح له بالمبادرة والمناورة في حدود المساحة المخصصة له فالتطرف له انصار ايضا والاسئلة العالقة في ذهن المجتمع لازالت عالقة والاستمرار في اختراع الحجج والذرائع لتهميش الاخوان المسلمين وشيطنتهم لا يمكنه ان يكون بحال من الاحوال سلوكا وطنيا .
تستطيع السلطة في الاردن ملاعبة السعودية بتأجيل ضرباتها الساحقة الماحقة للاخوان المسلمين كما تلاعبها في عدة موضوعات ومحاور وملفات .
وتستطيع الحكومة ان تبدأ بتدشين حوار مباشر مع قادة وعقلاء حركة الاخوان المسلمين وهم كثر في الواقع وهو حوار يعيد صياغة معادلة العلاقة وفق اسس شفافة وواضحة لا تنتهي بمغامرات او مجازفات صغيرة وبائسة على حساب الاستقرار الاهلي.
(القدس العربي)