رئيس الوزراء التركي رجب طيب
أردوغان وضع السبت الماضي في إسطنبول حجر الأساس للمطار الدولي الثالث للمدينة، وهو من المشاريع العملاقة التي تخطط الحكومة إنجازها قبل الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، مثل مشاريع الجسر الثالث و"قناة إسطنبول" وإنشاء مفاعل نووية للطاقة وخطوط القطار السريع وغيرها، بالإضافة إلى مشاريع صناعات عسكرية لإنتاج مروحيات ودبابات وطائرات بدون طيار وصواريخ للحد من الاعتماد في مجال الدفاع العسكري على دول أخرى.
المطار الثالث الذي وُضِع حجر أساسه سيكون الأكبر على مستوى العالم عند الانتهاء منه في أكتوبر/ تشرين الأول 2018. وتبلغ مساحة المطار 7500 هكتار، ويضم ستة مدرجات للهبوط وساحات تستوعب 500 طائرة. وستكون طاقته الاستيعابية نحو 150 مليون مسافر سنويا لتتجاوز قدرات مطارات أوروبية كبرى مثل مطار فرانكفورت في ألمانيا ومطار هيثرو في بريطانيا.
الكونسورتيوم الذي فاز بمناقصة قيمتها 30 مليار دولار لبناء وتشغيل المطار الثالث يتألف من خمس شركات تركية، ما يعني أن هذا العمل الكبير سينجزه الأتراك أنفسهم. وسيضم المطار الجديد 165 جسرا للمشاة، وأربع محطات للطيران ترتبط بقطارات وسكة حديدية، وبرج مراقبة للحركة المرورية، وثمانية أبراج للتحكم، و16 مسلكا للسيارات، وصالة شرف، ومبنى ضيافة حكوميا، وموقفا مفتوحا وآخر مغلقا للسيارات الخاصة بسعة 70 ألف سيارة، كما سيوفر خدمات أخرى للمسافرين، واستثمارات صناعية، من بينها محطات للطاقة، وأخرى لتدوير النفايات، ومركز طبي، ودائرة إطفاء، وصالة مؤتمرات، ومصليات، وفنادق. وسيستهلك بناء هذا المطار العملاق أكثر من 350 ألف طن من الفولاذ، وأكثر من 10 آلاف طن من الألومونيوم, و415 ألف متر مربع من الزجاج.
بعد ثلاثة أيام من وضع حجر أساس المطار الثالث، تم يوم الثلاثاء الماضي تسليم أول ثلاث مروحيات هجومية "آتاك" للقوات البرية التركية في إسطنبول بحضور رئيس الجمهورية عبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. هذه المروحيات أنتجتها شركة "توساش" لصناعات الطيران والفضاء التركية في إطار الاتفاقية التي وقعتها الحكومة التركية وشركة "توساش" عام 2007. ويمكن تزويد مروحيات "آتاك" الحربية بـ 76 صاروخا غير موجه, ومدفع عيار 20 مم, و8 صواريخ مضادة للدروع من نوع "ميزراق", و12 صاروخا موجها من نوع "جيريت", وصاروخين من نوع "ستينغر". وتستطيع مروحيات "آتاك" الطيران لمسافات بعيدة وعلى ارتفاعات عالية دون التأثر بدرجات الحرارة.
هذه المشاريع والإنجازات والأرقام والأهداف التي تضعها الحكومة أمام
تركيا يراها المواطنون كمؤشر واضح لــ"تركيا الجديدة" كدولة قوية تعزز دورها إقليميا ودوليا، وتجعلهم يشعرون بالفخر والاعتزاز، ويطمئنون على مستقبل بلادهم وأولادهم وينظرون إليه على أنه سيكون أكثر إشراقا ورفاهية.
ليست هذه المشاريع التنموية فقط تجعل المواطنين يعتقدون أنهم يعيشون الآن في تركيا الجديدة، بل هناك مؤشرات وتطورات أخرى تؤكد لهم ذلك، مثل التطور الهائل في الخدمات الصحية والإصلاحات الديمقراطية وتعزيز الحريات وتكريس الإرادة الشعبية وتراجع نفوذ العسكر والمصالحة مع حزب العمال الكردستاني. وهذه الأخيرة بحد ذاتها خطوة كبيرة تقدمت بها الحكومة التركية بشجاعة على الرغم من حساسيتها والمخاطر التي يمكن أن تتعرض لها خلال مساعيها لحل المشكلة الكردية المستعصية.
"تركيا القديمة" تعني صراعا دمويا في جنوب شرقي البلاد وسقوط أبناء الوطن من الأتراك والأكراد في حرب قذرة تنفخ في نارها القوى الإقليمية والدولية، كما تعني انقلابات عسكرية واغتيالات تسجل ضد المجهول وسيطرة شبكات إجرامية على مفاصل الدولة. وأما "تركيا الجديدة" تعني الديمقراطية والتنمية والحريات والسلام وإنهاء تلك الحرب التي استنزفت طاقات البلاد وقدراتها لسنين طويلة. كما تعني تعانق الأتراك والأكراد وغيرهما من المواطنين تحت سقف المواطنة العادلة دون الإقصاء والتمييز.
تركيا تشهد حاليا عملية "إعادة بناء" بمعنى الكلمة على أسس سليمة وفق رؤية إستراتيجية بقيادة فريق يدرك جيدا ماذا يريد وماذا يفعل لصالح تركيا. وفي المقابل، هناك معارضة ليست لديها ما يمكن أن تقدِّمه إلى المواطنين من الخطط المستقبلية والمشاريع المدروسة والحلول لمشاكل البلاد. وأقرب مثال على ذلك، ما قاله رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو قبل أيام في برنامج تلفزيوني مباشر، حيث سئل عن الحلول التي يقترحها للمشكلة الكردية وأجاب أن حزبه يقترح حلا يتكون من سبع عشرة بندا إلا أنه لا يستذكرها. ومن الطبيعي أن ينسى الإنسان بندين أو ثلاثة إلا أنه حين ينسى جميع البنود فهذا يعني أنه لا يبالي بأكبر مشكلة تعاني منها البلاد ولا يولي لحلها أي أهمية ولا مؤهلا لقيادة "تركيا الجديدة".
* كاتب تركي