مقالات مختارة

الإسلام السياسي في خطاب بلير

ويليام رو
1300x600
1300x600
كتب ويليام رو: ألقى توني بلير مؤخراً خطاباً جوهرياً عن الشرق الأوسط حاول فيه قرع جرس الإنذار بشأن الإسلام السياسي، وفي الوقت نفسه الدعوة للعمل والتحرك السريع والفعال، فرئيس الوزراء البريطاني الأسبق يشغل حالياً منصب ممثل اللجنة الرباعية في الشرق الأوسط التي تضم بالإضافة إلى الولايات المتحدة كلاً من روسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبالنظر إلى تجربته السابقة، كما الحالية، في مواقع القرار، فإن ما يقوله لابد أن يلقى المتابعة والتعليق، وهو ما حدث فعلاً بالنسبة لخطابه الأخير الذي لفت الانتباه، وأثار الجدل.

فقد بدأ بلير خطابه بالتطرق إلى نقطة تبدو موجهة أساساً للقادة الغربيين، حيث دعاهم إلى عدم فك الارتباط بالشرق الأوسط أو الانسحاب منه، مشيراً إلى أربعة أسباب تدعو الغرب لمواصلة الانخراط في قضايا المنطقة، فالعالم أولاً ما زال يعتمد على إمدادات الطاقة القادمة من الشرق الأوسط، ثم هناك القرب الجغرافي للمنطقة من أوروبا وتأثيراتها الأمنية على القارة العجوز في حالة الاضطرابات، فضلاً عن احتمالات الحرب التي قد تشارك فيها إسرائيل، وأخيراً أهمية الانتباه إلى الإسلام السياسي ودوره في رسم ملامح المستقبل في الشرق الأوسط.

ولكن بلير لا يحتاج إلى التحذير، أو التعبير عن مخاوفه من انسحاب أميركي مفترض من المنطقة لأن الحكومة الأميركية ومعها الرأي العام الداخلي واعيان تماماً بأهمية المنطقة من الناحية الجيوسياسية، وقد ظلت تحظى بالاهتمام التقليدي للإدارات الأميركية المتلاحقة منذ عقود طويلة.

وعلى رغم إعلان إدارة أوباما عن استراتيجيتها الجديدة تجاه آسيا، المتمثلة في الاستدارة نحوها، واختتامه لجولته الأخيرة التي شملت عدداً من الدول الآسيوية، إلا أن الإدارة الأميركية لا تستطيع أيضاً التخلي عن الشرق الأوسط، أو التنصل من التزاماتها تجاهه. فقد خصص وزير الخارجية، جون كيري، جهداً كبيراً للانخراط في مشاكل المنطقة وبذل وقتاً مديداً محاولاً اجتراح الحل لقضية الشرق الأوسط الأولى، ممثلة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقد سعى بشكل دؤوب لإخراج حل الدولتين إلى حيز الوجود. هذا فضلاً عن المساعي الأميركية الأخرى للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران وطي صفحة الخلاف معها، ناهيك عن تداول أوباما المستمر مع مستشاريه بشأن الأوضاع في سوريا ومصر وسائر المنطقة.

ولكن اللافت في خطاب بلير هو إفراده لحيز كبير منه لموضوع الإسلام السياسي، أو بحسب تعبيره «خطر الإسلام السياسي»، حيث أصرّ في البداية على التمييز بين الإسلام كدين وبين تجلياته السياسية لدى البعض. وفيما يعترف بلير بالاستخدامات الفضفاضة لمصطلح الإسلام السياسي، إلا أنه يصفه بكونه «أيديولوجية متشددة تعبر عن نفسها من خلال الهوية الدينية» التي تنزع إلى الإقصاء وضيف الأفق، ورفض الآخر المختلف في وجهات النظر؛ وفي كل ذلك يؤكد بلير أن المقصود ليس الإسلام الحقيقي، بل القراءات المضللة للدين.

وفي خطابه، قسم بلير المشهد العام إلى موقف مدافع عن التعددية ورحابة الأفق، ومستعد دائماً للقبول بنتائج الانتخابات والتواصل مع الآخر، وهو ما يقابله في الجهة المضادة نظرة الإسلام السياسي للعالم التي تعارض كل مبادئ الانفتاح والتسامح. وبالنسبة لبلير يرقى هذا التعارض بين النظرتين إلى «حرب كبرى» داخل الشرق الأوسط تدور رحاها «بين مَن يتوقون لمواكبة العالم المعاصر، ومَن يتبنون سياسة قائمة على التعصّب والإقصاء الديني». ويضيف بلير أن هذا الصراع تخطى الشرق الأوسط إلى العالم بأسره لانتقال أيديولوجية الإسلام السياسي إلى آسيا وأوروبا ومناطق أخرى، مؤكداً أن التطرف الإسلامي يشكل «على الأرجح الخطر الأكبر الذي يهدد العالم». وهو لذلك يدعو في خطابه الدول إلى جعل الإسلام السياسي في صدارة الأولويات، ملقياً اللوم في ظهور التشدد على الشرق الأوسط تحديداً، مؤكداً على ضرورة محاربته.

ولكن فيما يستعرض بلير الخطر ويسهب في الإشارة إليه، إلا أنه يقف عند هذا الحد دون اقتراح الحل، أو طرق التصدي للتطرف، والمفارقة أنه اعترف بفشل التدخل الغربي في العراق وأفغانستان، فيما كان هو أحد مخططي غزو بلاد الرافدين. وحتى عندما ينتقل لاستعراض الوضع في مصر وسوريا ويحذر من انفلات الأمور، إلا أنه لا يطرح أي تصور عدا ما تقوم به إدارة أوباما حالياً. والحقيقة أن التعميمات التي يطلقها بلير عن الإسلام السياسي والتشدد قد تجد لها صدى لدى الأميركيين الذين يتعاملون مع التطرف من خلال سلوكه وأفعاله مثل التكتيكات الإرهابية، أكثر من الاعتبارات الأيديولوجية الأخرى المرتبطة به، فالأميركيون ساندوا بوش في ضرب «طالبان» لأنها رعت الإرهاب الذي كان وراء قتل المدنيين.

والدليل على تعامل الأميركيين مع الإرهاب كفعل وممارسة أكثر منه كأيديولوجية هو أنه عندما انخرطت «طالبان» في قتال جنود «الناتو» في أفغانستان تعقد الوضع، وبدا أن أميركا مستعدة للتحاور معها لإدماجها في الحياة السياسية، إذا هي نبذت العنف وقبلت الالتزام بقواعد اللعبة السياسية. ويعني ذلك أنه على رغم الدعم الذي قدمته «طالبان» في السابق لأسامة بن لادن، وعدائها السافر للولايات المتحدة، ما زال يحدو الأميركيين الأمل في تحقيق المصالحة مع «طالبان» ودخولها الحياة السياسية، وهذا الأمل قائم على فرضية أنه حتى أشد الثوريين والمتشددين تطرفاً يستطيعون مع مرور الوقت تليين مواقفهم والتحول إلى حركات سياسية عادية تنخرط في بناء أوطانها. ولا يخلو التاريخ من أمثلة توضح هذا التحول من التشدد والتصلب إلى الاعتدال والاندماج مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ميناحيم بيجن الذي كان إرهابياً قبل أن يوقع على اتفاقية السلام مع مصر.

ولكن في المقابل قد يؤدي العنف والتشدد مع العناصر المتطرفة من خلال قمعها إلى مزيد من التطرف والراديكالية كما حصل مع الظواهري وغيره؛ ومن المؤسف أن بلير في خطابه لم يغص في التفاصيل ولم يقدم لنا خريطة واضحة لكيفية التعاطي مع الإسلام السياسي، بل ركز فقط على محاربته، باعتبار الأمر أولوية تفوق ما سواها حتى دون الدخول في أسباب هذا التطرف ودوافعه، وهو ما لن يسعف في صياغة تصور شامل لمواجهة التشدد الديني والتعامل معه قبل استفحاله.

(الاتحاد الإماراتية)
التعليقات (0)