قالت صحيفة "
فايننشال تايمز" في تعليق لها على الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الجزائز، إن هذا البلد وضع "الاستقرار" على ما يبدو فوق "الإصلاح".
وفي تقريرها الذي أعدته هبة صالح، أفادت بأنه، عندما قام
الجزائريون بالشغب عام 2011 واحتجوا على ارتفاع أسعار الطعام، سارعت حكومتهم لزيادة أسعار الدعم، ورفعت من معدلات الإنفاق لمنع الأثر المعدي من الثورات في تونس ومصر، حيث أطاحت ثورات شعبية بأكثر من ديكتاتور حكموا لعقود طويلة.
وأضافت الصحيفة أن الرئيس الجزائري العجوز والمريض عبد العزيز
بوتفليقة الذي انتخب لولاية رابعة، قام بزيادة دعم الدولة على المواد الأساسية وزاد من رواتب العاملين في القطاع العام والإسكان الاجتماعي، وهي علامات مهمة للسياسة المحلية من أجل شراء رضا المواطنين.
وتلفت إلى أن مراقبين محليين ودوليين يحذرون – في وقت يحضر فيه بوتفليقة للعام الـ 16على رأس السلطة في بلاده - من أن المسار الاقتصادي الحالي لا يمكن استمراره، كل هذا رغم الثروة النفطية والغاز الطبيعي الذي تملكه الجزائر ويعطي الحكومة الفرصة لزيادة الإنفاق.
وتتابع بأن هؤلاء المراقبين يرون أن البلد الذي يبلغ عدد سكانه 37 مليون نسمة معظمهم من الشباب، يحتاج أكثر ما يحتاجه إلى إصلاح اقتصاده الذي تسيطر عليه الحكومة، وهي بحاجة إلى تخفيض اعتمادها على المصادر الطبيعية من الغاز الذي تتراجع كمياته، وحتى لا تبذر احتياطيها من العملة الأجنبية التي تقدر بحوالي 195 مليار دولار أمريكي.
وأشارت الصحيفة إلى تقرير أعده صندوق النقد الدولي، وهو الذي أصدر أصوات التحذير، إذ جاء فيه أنه بدون "إجراء تعديلات في السياسة" فيمكن أن تصبح الجزائر دولة مقترضة في غضون العشرين عاما القادمة، أو حتى في مدة أقل، إذا ما تعرضت فيه أسعار الهيدروكروبون (النفط والغاز) لانخفاض جوهري.
ولاحظ التقرير أن معدلات إنتاج الغاز الجزائري تراجعت في وقت زادت فيه نسب الاستهلاك المحلي له، بشكل أثر على كميات الطاقة المصدرة منه.
ويقول التقرير: "صحيح أن البلد قد بنى حواجز مالية وخارجية حتى هذا الوقت، إلا أن المدى الزمني لإنتاج الهيدروكربون عادة ما يكون قصيرا، وعليه فالسياسة المالية تسير في طريق لا يمكن الاحتفاظ به، فيما تتراجع نسبة الفائض المالي"، كما يقول صندوق النقد الدولي.
وتضيف الصحيفة أن الجزائر زادت من معدلات الإنفاق والمساعدات للمواطنين في السنوات الثلاث الأخيرة، وساعدها على تحقيق هذا العوائد المالية الكبيرة من الغاز الطبيعي والنفط. ففي عام 2011 قفزت معدلات الإنفاق الحكومي إلى نسبة 50%، وزادت رواتب الموظفين المدنيين بنسبة 46%.
وارتفعت معدلات الإنفاق مرة أخرى بنسبة الربع في عام 2012، قبل أن تتراجع قليلا في العام
الماضي، مع أن التوقعات تشير لارتفاعها مرة أخرى في عام 2014.
ويرى المحللون –كما تـورد الصحيفة- أن النظام الجزائري المرتكز على قوى الجيش والأمن أو "مؤسسة الظل"، يبني شرعيته على إعادة توزيع ريع الثروة النفطية، من خلال زيادة النفقات على المواطنين.
وتنقل عن إحسان القاضي، رئيس تحرير موقع "مغرب أيميرجنت" الجزائري، قوله: "إنهم يحكمون من خلال المال وليس لديهم أي مصدر آخر يمنحهم الشرعية"، وأضاف: "لا أرى أنهم سيقومون باتخاذ مبادرات جريئة من مثل تقليل الدعم عن الوقود".
وترى الصحيفة أن الجزائر يعتبر من أصعب المناطق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للقيام بالاستثمارات، وهو مناخ يعكس غموض الواقع السياسي في البلاد الذي تسيطر عليه شلل. ويعكس أيضا رغبة حكام البلاد لإحكام القبضة على السكان لمنع أي تحد لسلطتهم من القوى الاجتماعية الجديدة.
وتنبه إلى أن القانون الجزائري يلزم أي مسثتمر أجنبي بالبحث عن شريك محلي ليملك 51 بالمئة من العملية التجارية المشتركة. ولعل هذا كان وراء تراجع إقبال المستثمرين الأجانب، فلم تستقبل الجزائر سوى 1.5 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في عام 2012. ويتميز الاقتصاد الجزائري بكونه مرتبطا بالدولة. أما بالنسبة للقطاع الخاص أو أصحاب المصالح التجارية الكبرى، فهم مرتبطون بنخب ورموز في النظام.
وبحسب القاضي فإنه لا يزال القطاع الخاص في الجزائر ضعيفا، عازيا الأمر لما أسماه "العراقيل البيروقراطية ولأن النظام يخشى من تحوله لقوة فاعلة ذات تأثير".
وتشير إلى أن الجزائر كانت قد نالت ثناء من صندوق النقد الدولي عام 2013 لأنها قامت بالتحكم بالإنفاق، لكن الصندوق دعا الدولة لإدخال سلسلة من الإصلاحات الواسعة، لتعزيز مناخ التجارة ولجذب الاستثمارات الأجنبية "وتحسين فرص دمج الجزائر في الاقتصاد العالمي".
وأكثر من هذا، تقول الصحيفة إن البلاد بحاجة إلى حل القضايا المتعلقة بتراجع معدلات تصدير الغاز الطبيعي، و"من أهم التوجهات المهمة التي تمر بها هي الزيادة المستمرة في منحنى الطلب على الكهرباء" كما يقول جون ماركس، مدير تحرير "أفريكا إنيرجي". وأضاف: "على أي شخص ينظر لصورة أفريقيا في العقد المقبل سيشعر بالقلق، لأن الغاز الذي يحتاجه المستهلك المحلي سيضغط على صادرات الجزائر منه". وأشار الكاتب إلى فضيحة "سوناطراك"، شركة النفط الحكومية في عام 2010 التي أثرت على القرارات المتعلقة بقطاع الهيدروكربونات وبطأت من مشاريع وأفقدت الشركات النفطية الأجنبية شهية الاستثمار في الجزائر.
ومن القضايا الأخرى التي أشارت إليها الصحيفة، كانت الأمن، خاصة بعد عملية القتل في منشأة عين أميناس في العام الماضي التي قتل فيها 40 "متشددا" من عمال النفط فيها.
وترصد أن المسؤولين الجزائريين يأملون في أن يتم تمرير قانون الطاقة الجديد، وأن يؤدي لمنح عدد من الحوافز التي تجذب الشركات الأجنبية، مع العلم أن الجزائر طرحت في كانون الثاني/ يناير عطاءات للتنقيب في 31 حقلا نفطيا.
وفي النهاية تنقل عن الخبراء، أنه كلما أجلت الحكومة الجزائرية القرارات المتعقلة بإصلاح بنية الاقتصاد الجزائري وظلت تعتمد على الثروة النفطية، فإنها ستجد صعوبة في تطبيق عمليات الإصلاح. وتقتبس عن القاضي أن "الإنفاق العام خلق دائرة جهنمية"، فقد منعت الأموال حدوث انفجار اجتماعي، وفي كل الأحيان استمرت المطالب ومعها حدثت انفجارات صغيرة.