تمثل "معركة الساحل" خبرا غير عادي في غمرة الأحداث السورية، فالمنطقة توصف بأنها المعقل الرئيسي للنظام السوري، بل إن البعض يصفها بأنها "الخزان" البشري بالنسبة لنظام بشار الأسد.
فالمعركة التي بدأتها كتائب الثوار في شمال محافظة إدلب، وتحديدا في محيط معبر
كسب على الحدود التركية تأتي بينما يسعى النظام السوري للقول بأنه يحقق انتصارات عسكرية وتقدما على الأرض، وخصوصا بعد تمكن قوات الأسد من السيطرة على بلدة يبرود في القلمون (ريف دمشق) وقلعة الحصن (ريف حمص الغربي).
وخلال بضعة أيام من انطلاق معركة "الأنفال" ضد قوات النظام السوري في شمال
اللاذقية، تمكن الثوار من السيطرة على بلدة كسب التي تمثل في حال تمكن المقاتلون من المحافظة عليها أول منفذ لهم على البحر المتوسط.
ولعل مشهد إسقاط تمثال حافظ الأسد في وسط البلدة ثم إسقاط طائرة للنظام السوري عبرت الحدود التركية وأخيرا مقتل هلال الأسد (ابن عم بشار الأسد) الذي يقود عصابات الشبيحة (التي يطلق عليها النظام السوري اسم جيش الدفاع الوطني) في المنطقة؛ تمثل عناصر تعزز الثقة في نفوس المقاتلين.
وبالسيطرة على معبر كسب، لم يتبق سوى معبر حدودي واحد مع
تركيا تحت سيطرة قوات النظام هو معبر القامشلي في محافظة الحسكة (شمال شرق) المقفل من جانب السلطات التركية، رغم أن المدينة تسيطر عليها قوات الاتحاد الديمقراطي الكردي التي تسلمت إدارة المدنية بعد انسحاب قوات النظام السوري.
وكانت "جبهة النصرة" و"حركة شام الاسلام" و"كتائب انصار الشام" في 18 آذار/ مارس بدء "معركة الانفال" في الساحل السوري.
ورغم بث مشاهد وصور من المعبر ومن وسط البلدة بعد، ما زال إعلام النظام السوري يشكك في تحرير البلدة التي تقع في جبل التركمان والتي تحيط بها الغابات الكثيفة.
ونفى مصدر أمني في دمشق، ردا على سؤال لفرانس برس، سقوط كسب. وقال ان "المعارك مستمرة، والموقف غير واضح".
وكان شريط فيديو تم بثه على موقع "يوتيوب" على الانترنت الاحد أظهر المقاتلين داخل المبنى الرئيسي للمعبر، وقد حمل احدهم علما اسود كتب عليه "كتائب انصار الشام". وقام آخرون بتحطيم صور للرئيس السوري بشار الاسد والدوس عليها.
و"أنصار الشام" جزء من الجبهة الإسلامية التي أعلن عن تشكيلها في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وقصف الطيران الحربي التابع للنظام السوري فجر الاثنين معبر كسب. كما نفذ غارات على مناطق في محيط كسب وبلدة سلمى وجبل التركمان المجاورين. كما يسعى النظام لجلب تعزيزات لقواته إلى المنطقة.
في المقابل، قصفت الكتائب المقاتلة مدينة اللاذقية بصواريخ. كما وجهت دعوات للفصائل الأخرى للمشاركة في المعارك، في حين يسعى الثوار لتعزيز صفوف بالمقاتلين من جبل التركمان.
وقالت الجبهة الإسلامية في بيان "نبشر أهلنا في الساحل السوري خاصة وفي أرض الشام عامة ببدء مرحلة جديدة في الساحل السوري المحتل، تلك المنطقة التي تحولت قراها الوادعة إلى ثكنات عسكرية ومراكز للعملاء والشبيحة بفعل عصابات الإجرام الطائفية".
وقالت الجبهة إن المعارك الجارية حاليا في ريف اللاذقية هي "مرحلة أولى تليها عدة عمليات أخرى تعلن في حينها". وأضافت: "لن ندخر جهداً في نقل الصراع وتوحيد الجهود إلى معاقل عصابة النظام ومن يدعمه من العصابات الطائفية المستوردة".
ودعت الجبهة "كافة إخواننا إلى المزيد من التنسيق والتعاون ورصّ الصفوف في معارك الساحل، كما هو حال الجبهات الأخرى كما في غرفة "عمليات أهل الشام" في حلب ومعركة "الله أعلى وأجل" في ريف دمشق".
ومن بين القرى التي سيطر عليها الثوار في محيط كسب قرية "السمرا" المطلة على البحر المتوسط، وهي القرية التي شهدت تصوير مسلسل "ضيعة ضايعة" الكوميدي. ويعمل الثوار على إحكام السيطرة عليها بعد التوسع في المناطق التي تسيطر عليها في محيطها.
وقال الناشط عمر الجبلاوي من منطقة اللاذقية لفرانس برس في اتصال هاتفي ان "معبر كسب الحدودي وحوالي 90 في المئة من البلدة" تحت سيطرة الثوار، مشيرا الى ان المعركة انتقلت الى محيطها. وقال ان النظام "يحاول جاهدا منع تقدم الثوار الى البحر". وبعد السيطرة على كسب، يسعى الثوار للتقدم باتجاه مناطق أخرى، ومنها رأس البسيط الاستراتيجي على الساحل.
وفي محاولة لصرف الانتباه عن التقدم الذي يحرزه الثوار في المنطقة، عمد النظام السوري إلى اتهام تركيا بمساعدة المقاتلين بعدما أسقطت الطائرات التركية طائرة للنظام السوري اجتازت الحدود التركية خلال مشاركتها بقصف الثوار في كسب. كما يزعم النظام أن المقاتلين دخلوا إلى المنطقة عبر الأراضي التركية.
كما يسعى النظام السوري لإثارة المخاوف على مصير الأرمن الذين يمثلون الأغلبية في البلدة وأنهم بدأوا يفرون من منازلهم.
وبحسب فابريس بالانش، الخبير الفرنسي في الشؤون السورية والمختص في علم الجغرافيا، تعتبر كسب آخر بلدة أرمنية في الشرق الاوسط.
وفي العام 1939، فصلت فرنسا كسب عن اقليم الاسكندرون التركي بحجة الخوف من طرد سكانها كما حصل مع سكان المناطق الارمنية الاخرى.
ويرى بالانش ان مقاتلي المعارضة اجتازوا الحدود التركية ودخلوا كسب من جهتي الغرب والجنوب الشرقي من اجل تطويق البلدة وقطعها عن اللاذقية ذات الغالبية العلوية.
وتعد منطقة الساحل الأكثر هدوءاً في البلاد منذ بداية الصراع قبل 3 أعوام، ولم تشهد معارك كبيرة فيها. وتسيطر القوات الحكومية على أكثر من 95 % من مساحتها، بحسب تصريحات سابقة لأحد قياديي الجيش الحر للأناضول.
ولمنطقة الساحل التي تضم محافظتي اللاذقية وطرطوس، أهمية استراتيجية كبيرة، كونها تضم غالبية سكان من الطائفة العلوية التي ينحدر منها بشار الأسد وأركان حكمه، كما أنها تحتضن القاعدة العسكرية الروسية في ميناء طرطوس وهي المنفذ الوحيد للبلاد على البحر المتوسط.
وبالتوازي مع معركة "الأنفال" أطلق مقاتلون معركة "أمهات الشهداء" في قرى "السولاس" و"بيت ملك" و"بيت الحليبية" بجبل التركمان وهي محاذية لبلدة "كسب" شرقاً.
وسبق أن أطلق الثوار عملية عسكرية مماثلة في ريف اللاذقية الشمالي في أيلول/ سبتمبر الماضي، حيث تمكنوا من السيطرة على أكثر من 20 قرية في المنطقة، لكن تدخل تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) أفسد المعركة بعدما سعى التنظيم لمقاتلة الفصائل الأخرى كما اغتال قائدا كبيرا للثوار.
ويأتي هذا التقدم للثوار في وقت سجل مقاتلو المعارضة تقدما أيضا خلال الايام الماضية في مدينة حلب (شمال) ومحيطها، وفي ريف ادلب (شمال غرب) وفي حماة (وسط) ودرعا (الجنوب).
ويمثل التقدم في درعا الأكثر أهمية خلال الأيام الماضية، حيث تمكن الثوار من السيطرة على حاحز صوامع الحبوب، وهو التمركز العسكري الأكبر للنظام السوري في محافظة درعا، وذلك بعدما سيطر الثوار على السجن المركزي في بلدة غرزة.
وتنبع أهمية الحاجز من المخزونات الكبيرة للحبوب في هذه الصوامع في وقت يعاني الناس من نقص الخبز، كما يحوي كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر.
وفي حلب تمكن الثوار السيطرة على جبل الشويحنة الاستراتيجي غرب المدينة. ويطل الجبل على منطقة الزهراء الذي يقع فيه مقر المخابرات الجوية إضافة إلى مدفعيات تقوم بقصف المناطق المدنية المحررة. كما تمكن المقاتلون من السيطرة قصر العدل والمباني المحيطة قبالة باب قلعة حلب التي تتمركز فيها قوات كبيرة للنظام السوري وخصوصا من القناصة. إضافة إلى ذلك، تمكن الثوار من السيطرة على منطقة دوار الليرمون شمال حلب، في حين تواجه قوات النظام السوري التي تسعى لاستعادة السيطرة على المدينة الصناعية في شيخ نجار خسائر كبيرة.
وكانت قوات موالية للنظام السوري تتشكل أساسا من عناصر حزب الله الشيعي قد سيطرت قبل اكثر من اسبوع على بلدة يبرود، آخر اكبر معاقل الثوار في منطقة القلمون شمال دمشق، وبلدة الحصن، آخر مواقع الثوار في ريف حمص الغربي. وتسعى قوات الأسد وحلفاؤه للسيطرة على المناطق الحدودية مع لبنان لقطع التواصل الجغرافي مع المناطق اللبنانية المؤيدة للثورة السورية.