كتب راجح الخوري: قبل شهرين تقريبا من موعد
الانتخابات العراقية بدا رئيس الحكومة نوري
المالكي كمن فقد أعصابه، فراح يطلق النار عشوائيا في كل الاتجاهات داخليا وخارجيا، في محاولة يائسة ومضحكة لتصدير مشاكله وتعليقها على مشجب معارضيه العراقيين وجيرانه الخليجيين.
كان المشهد مضحكا لا بل مثيرا للشفقة، عندما جلس المالكي أمام قناة «فرانس 24» واسترسل في إطلاق الاتهامات والافتراءات، التي سرعان ما أشعلت سلسلة من المظاهرات الصاخبة ضده في بغداد والبصرة وكربلاء والنجف، كما استدعت ردا حازما من الرياض، وهو ما يعمّق مأزقه السياسي مع خصومه في الداخل إضافة إلى تخبّطه في المستنقع الأمني الدموي في الأنبار.
قفز المالكي فوق مجموعة من الحقائق الصارخة، عندما حاول أن يعاكس أو يعكّر إجماعا دوليا متصاعدا على الإشادة بالسعودية في حربها الضروس على الإرهاب، فلم يتوان عن اتهامها «بدعم الإرهابيين»، لكن هذه الافتراءات أثارت الاستهجان والازدراء في العراق وخارجه، وخصوصا مع اتساع الترحيب الدولي بقرار خادم الحرمين الشريفين مطلع فبراير (شباط)، فرض عقوبات صارمة ضد «كل من يقاتل في الخارج أو ينتمي إلى تيارات متطرفة دينية أو فكرية أو مصنّفة إرهابية داخليا أو إقليميا أو دوليا»، وهو قرار يأتي في سياق حرب شعواء تشنها الرياض على الإرهاب منذ زمن طويل، وسبق لواشنطن ومعظم العواصم الغربية أن أبدت إعجابها بالنجاح الذي حققته.
يجمع المراقبون على أن هناك من اختار التوقيت لاتهامات المالكي، بحيث تصادف اليوم الذي بدأت الرياض تطبيق القرار الملكي ضد الإرهاب والإرهابيين، وبما يحجب التأييد الدولي المتزايد للقرار، ويبدو أن الذين اختاروا هذا التوقيت من خارج العراق، والذين سمّاهم مقتدى الصدر قبل أسبوعين «الثلّة التي جاءت من وراء الحدود لتقيم ديكتاتورية المالكي، وتتمسك بالكرسي باسم الشيعة والتشيّع»، منزعجون من حزم المملكة ونجاحها في محاربة الإرهاب، لأن هذا النجاح سيقطع عليهم حبل الاتهامات والمزاعم المغرضة، التي حاولت دائما أن تربط ما بين الرياض و«القاعدة» والحركات الإرهابية، في محاولة للإساءة لعلاقاتها للسعودية وعلاقاتها الخارجية!
في هذا السياق بدا المالكي مثل بوق ينفخ فيه هؤلاء الذين يضيرهم نجاح الرياض، فقرار خادم الحرمين الشريفين وضع قيد التنفيذ مستهدفا داعش وجبهة النصرة و«القاعدة» والإخوان المسلمين وحزب الله في السعودية والجماعات الإرهابية، كما بدا غارقا في الاضطراب والتوتر على الأقل، لأنه لم يتذكر أو لعله يتناسى ما سبق أن أعلنه وتحديدا في 5 فبراير، من «أن القرارات والأحكام السعودية ضد الحركات الإرهابية جيدة وصحيحة».
ما يثير الاستغراب أن لا المالكي يقرأ، ولا الذين ينفخون في أبواقه يقرأون، بدليل أنه انخرط في توجيه الاتهامات إلى السعودية، في اليوم عينه الذي كان الناس يقرأون البيان الذي أصدرته منظمة العفو الدولية، حول صرامة إجراءات السعودية ضد الإرهابيين!
وزيادة في انكشاف المالكي، كان من المثير فعلا أن يقرأ الناس اتهاماته إلى جانب البيان الذي أصدره عشرة من كبار علماء الشيعة في الأحساء والقطيف ذات الأغلبية الشيعية، والذي دعم مبادرة خادم الحرمين الشريفين، ودعا إلى إدانة العنف!
لهذا لم تكن الرياض في حاجة حتى إلى الرد على افتراءاته و«تصريحاته العدوانية وغير المسؤولة» لكن مصدرا رسميا أعلن «أن إخفاقات المالكي وضعت العراق تحت خدمة أطراف إقليمية، أسهمت في إذكاء نار الفتنة الطائفية... وهي تعرّض العراق لمخاطر تهدد وحدته الوطنية والترابية، وكان الأحرى به وضع حد لحال الفوضى والعنف التي يغرق فيها العراق».
كانت مفارقة أن يقف المالكي أول من أمس، متحدثا في مؤتمر لمكافحة الإرهاب عقد في بغداد، في حين كان الآلاف من المتظاهرين ضده في شوارع المدن العراقية، يحرقون صوره ويرفعون شعارات تصفه بـ«الطاغية والطاغوت والديكتاتور»، احتجاجا على سلوكه السياسي، وعلى اتهاماته المهينة التي وجهها إلى مقتدى الصدر عندما قال: «إنه لا يعرف شيئا، وهو حديث في السياسة»، وكل هذا يشكّل دليلا على عمق المأزق الداخلي الذي يتخبط فيه، وعلى إفلاسه السياسي، الذي جعل إياد علاوي يدعو إلى إسقاط «حكومته الفاشلة والعاجزة عن إدارة البلاد» فورا وحتى قبل الانتخابات!
قصف الجيران بالاتهامات لن يحلّ مشاكل المالكي السياسية والأمنية، واستعماله بوقا لن يحجب نجاح السعودية حيث فشل ويفشل الآخرون.
(الشرق الاوسط)