يحتار المرء في فهم الموقف الأردني الدقيق من مسألة
اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة.
فرغم الإجماع الشعبي الذي تحظى به مسألة
حق العودة، إلا أن الخطاب الرسمي لا يعكس هذا الإجماع.
ويلاحظ المراقبون غياب مسألة حق العودة عن الخطاب الدبلوماسي الخارجي، وهو أمر مقلق، ويكتفى دائما بأن الأردن يسعى لحل سلمي للقضية الفلسطينية يفضي إلى دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشريف، دون ذكر موضوع اللاجئين وحق العودة.
لكن وعلى الصعيد الداخلي تتطرق الدبلوماسية للموضوع، وتؤكد أن موقف الأردن من مسألة اللاجئين هو حقهم في العودة والتعويض.
مشروع كيري لحل القضية الفلسطينية وزياراته المكوكية للمنطقة أقلقت الشارع الأردني ونخبته السياسية؛ المعارضة منها والموالية، وبدأ الحديث يعود من جديد عن مسألة التوطين والوطن البديل، لذلك برزت مطالبات بمعرفة الموقف الرسمي من مشروع كيري وعلى الأخص من موضوع حق العودة.
مطلع شباط/ فبراير الجاري، وقف وزير الخارجية ناصر جودة يخاطب النواب من على منصة البرلمان، لشرح الموقف الأردني حيال عملية السلام ومشروع كيري ومسألة اللاجئين، وهي من المرات القليلة التي تضطر فيها الحكومة لتقديم بيان مفصل أمام النواب حول مسألة خارجية.
قال جودة إن الأردن لن يقبل بأي ترتيبات أو أطر لا تصون مصالحه ولا تلبيها في أي اتفاق نهائي، بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وبخاصة في قضايا القدس واللاجئين والأمن.
وأضاف أنه "بالنسبة لقضية اللاجئين فأؤكد أنه عندما يتم الاتفاق على المبادئ المنسجمة مع قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، فإن المملكة الأردنية الهاشمية هي المسؤول المباشر عن التفاوض في ما يتعلق باللاجئين من مواطنيها، ولن تقبل بأي حل لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح الدولة وحقوقها وحقوق مواطنيها".
وفي موقع آخر، قال: "إن الأردن لن يقبل المساس بحقوق مواطنيه من اللاجئين الفلسطينيين، بأي صورة كانت، وخاصة حق العودة والتعويض، وفق قرارات الأمم المتحدة، وسيقوم بتنفيذ مسؤولياته في استحصال هذه الحقوق وحمايتها، مثلما أن الأردن له حقوق واستحقاقات لكونه الدولة المضيفة الأكبر للاجئين الفلسطينيين، يجب أن تؤدى إليه".
لكنه وفي موضع آخر في الخطاب، قال إن "المبدأ الذي يرتكز عليه وزير الخارجية الأميركي في جهوده الحالية هو مبدأ إنهاء الاحتلال كليا، وهو موقفنا، وإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، وهو موقفنا استنادا لخطوط الرابع من حزيران 1967، وهو موقفنا، وحل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين وفق الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وهو موقفنا".
وهنا يبرز تناقض الموقف الأردني تجاه عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهي مسألة لدى نخبة الشرق الأردنيين لا تتعلق بمسألة حق من حقوق الشعب الفلسطيني، بقدر ما تتعلق بمسألة وجودية بالنسبة للكيان الأردني.
فالحديث الداخلي عن حق العودة، لا يوازيه حديث خارجي في المحافل الدولية أو خلال اللقاءات الكثيرة التي يجريها المسؤولون الأردنيون، وعلى رأسهم الملك عبد الله الثاني، في العواصم الغربية. وهذا أحد أوجه التناقض.
ثم إن الخطاب الداخلي ذاته يحمل تناقضات واضحة؛ ففي الوقت الذي يتحدث فيه جودة عن "أن الأردن لن يقبل المساس بحقوق مواطنيه من اللاجئين الفلسطينيين، بأي صورة كانت، وخاصة حق العودة والتعويض"، يعود ويقول في مكان آخر: "وحل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين وفق الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وهو موقفنا".
ولا يخفى على النخبة الأردنية مدى الاختلاف والتناقض بين أن "الأردن لا يقبل إلا بحق العودة والتعويض للاجئين"، وبين أن "الأردن مع حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق مبادرة السلام العربية"، وهو موقف يفرغ الموقف الصارم الآنف الذكر من مضمونه، خصوصا أن المبادرة العربية للسلام التي طرحت عام 2002 تجاهلت حق العودة عمدا، وتحدثت عن حل متفق عليه، أي حل توافق عليه إسرائيل. وموقف إسرائيل معروف من قضية العودة، فهي ترفضه تماما، يستحيل أن تقبل به طوعا.
ويبرز التناقض جليا في الموقف الأردني إزاء حق العودة، إذا ما علمنا أن معاهدة السلام التي وقعها الأردن مع الكيان الإسرائيلي عام 1994، نصت صراحة على توطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، ما يعني أن الأردن وافق عمليا على شطب حق العودة.
تنص المادة 8 من المعاهدة على ما يلي:
اللاجئون والنازحون:
1 - اعترافا بالمشاكل الإنسانية الكبيرة التي يسببها النزاع في الشرق الأوسط بالنسبة للطرفين، وبما لهما من إسهام في التخفيف من شدة المعاناة الإنسانية، فإنهما سيسعيان إلى تحقيق مزيد من التخفيف من حدة المشاكل الناجمة على صعيد ثنائي.
2 - اعترافا من الطرفين بأن المشاكل البشرية المشار إليها أعلاه، التي يسببها النزاع في الشرق الأوسط، لا يمكن تسويتها بشكل كامل على الصعيد الثنائي، يسعى الطرفان إلى تسويتها في المحافل والمنابر المناسبة، وبمقتضى أحكام القانون الدولي بما في ذلك ما يلي:
أ- فيما يتعلق بالنازحين، ضمن لجنة رباعية بالاشتراك مع مصر والفلسطينيين.
ب- فيما يتعلق باللاجئين:
(1) ضمن إطار المجموعة المتعددة الأطراف حول اللاجئين.
(2) في مفاوضات تتم في إطار ثنائي أو غير ذلك ضمن إطار يتفق عليه وتكون مقترنة ومتزامنة مع المفاوضات الخاصة بالوضع الدائم للمناطق المشار إليها في المادة 3 من هذه المعاهدة.
ج - من خلال تطبيق برامج الأمم المتحدة المتفق عليها وغيرها من البرامج الاقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين، بما في ذلك المساعدة على توطينهم.
فكيف يمكن أن نوفق بين موافقة الأردن على التوطين في معاهدة
وادي عربة، وبين خطاب الدولة الداخلي الذي يتحدث عن موقف صارم تجاه عودة اللاجئين وتعويضه؟