انفجار جديد في
الضاحية الجنوبية، المشهد عينه يتكرر، ايضاً وايضاً! ومعه، وكما في كل مرّة تكرّ سبحة التصريحات السياسية السخيفة اياها، تجترّ عباراتها السابقة المملة، بأن الانفجارات هدفها الفتنة، مما يوجب الحوار والوحدة، كي ننقذ لبنان من هذه المجزرة المتنقلة، ناهيك بالاستنكارات والادانات وزحمة الاتصالات والخبراء في مسرح الجريمة، من دون ان ننسى المحللين والخبراء الذين يكررون معزوفة الكلام الذي لا يجدي نفعاً.
ثم نسمع معلومات يتناولها الاعلام، لا نفهم جدواها سوى ملء فترات البث المباشر سعياً الى تحقيق سبق ينافس تصريحات الادانة في السطحية والسخافة. وتأتيك "المعجزات": السيارة الجانية مسروقة، ورقم لوحتها معمّم على المخافر، واسم صاحبها فلان... لتحتل صور أشلاء الضحايا الصحف ونشرات الاخبار.
اما تفاصيل التفجير والجثث والاسماء وأعداد الضحايا، فسرعان ما تتحول مادة دسمة للمراسلين والاطباء ومديري المستشفيات، ودائماً لا تقدم او تؤخر في شيء، سوى في تقديم معلومات سطحية للمشاهد. هكذا يكتفي الاعلام بهذا القدر، ولا يجرؤ على الحضّ على الثورة ضد الواقع المرير والمطالبة بالتغيير الجذري. لا شيء آخر سوى كلمات روتينية تكرّر نفسها، فكيف يمكن الوضع ان يتغير؟
يجب ألا نختبىء، او نهرب من واقع مرّ، هو ان لبنان اصبح ربما لسوء الحظ، ينزلق يوماً بعد يوم الى النموذج العراقي في التفجير وتعداد الضحايا.
والحل؟ واضح، وهو مسؤولية قادة ومسؤولين نصوّت لهم في كل مرة ونبتلي بهم تكراراً ولا نعتبر . فكيف يمكن ان نرى اشلاء وجثثاً في كل اسبوع، وكيف يمكن ان نرى وطننا ينزلق الى الدمار، ونحن نتقاعس عن محاسبة المسؤول الذي اوصلنا الى ما نحن فيه اليوم؟ لماذا الصمت؟ لماذا نشاركهم في الجريمة بصمتنا وانصياعنا؟ لماذا نقبل بأن يتحكموا فينا بهذه الطريقة، ولا ردة فعل جدية ثورية حاسمة؟
كيف نرتضي العيش والاستمرار في وطن ليس فيه من يحاسب او يراقب او يعاقب تجار الدماء؟ هذا الوطن الذي يغرق مؤخراً في النفايات بسبب سياسة النكايات والصفقات، يتقاسم مسؤولوه قالب الحلوى فيما يغرق الشعب في بحر النفايات القاتلة، وكأننا بتنا نستطيب الموت في بحر النفايات، كما في بحر الدماء والاشلاء!
بكل صراحة نسأل كيف يمكن اللبناني ان يقبل بأن يموت فداء زعيم وان يقدم ارواح ابنائه لقضية ليست قضيتنا، ولمفاوضات اكبر منا، ولحسابات سيأتي بيدرها دائماً على حسابنا؟
كيف يتزلم بعضنا حتى الموت لزعيم، بدل ان يحاسبه على ما ارتكبه ضد شعبه؟ أليست هذه أمية وجاهلية وتبعية عمياء واحتقاراً للانسان وقيم الحياة؟
أليست التبعية لزعماء النفايات جريمة في حق الوطن والكرامة الانسانية؟
أليس احترام الحياة وحماية الاقتصاد والامن والاستقرار وعدم المشاركة في تدميرها، احتراماً للهدف الذي خلق الانسان من أجله؟ أم اننا ما زلنا بعد في عصر الجاهلية؟!
(النهار اللبنانية)