في يوم واحد (اقرأ لافت) صدر عن رئيس الحكومة
الإسرائيلية بينيامين
نتنياهو تصريحان هامان... الأول، وحمل فيه على
الاتحاد الأوروبي ووصف دوله بـ "المتحيزة" و"المنافقة" ... والثاني، أشاد فيه بالتحولات في مواقف بعض الدول العربية التي لم تعد ترى إسرائيل كعدو، بل ربما كشريك وحليف في مواجهة
إيران.
والحقيقة أنه يحق لـ "بيبي" نتنياهو أن يسعد بهذه التطورات، فالرجل خاض آخر حملتين انتخابيتين، وشكل حكومتين متعاقبتين، ببرنامج سياسي واحد، يقوم على نقطة واحدة: ليس الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي سوى صراع ثانوي بين الدولة العبرية والعرب، الصراع الرئيس هو بين العرب والإسرائيليين من جهة وعدوهم المشترك من جهة ثانية، ولقد حدد نتنياهو هذا "العدو" في غير مناسبة وموقع: إنه إيران أولاً، والإرهاب ثانياً، أما عن الإرهاب من وجهة النظر الإسرائيلية فيتركز في حزب الله والجهاد الإسلامي وحماس، ذلك أن "
القاعدة" وأخواتها، لم تشتبك حتى الآن في قتال ضد إسرائيل، و “لم يُكرم الله وجوه انتحارييها” بقتل جندي إسرائيلي واحد.
هي إذن، نبوءة نتنياهو التي تجري ترجمتها على الأرض هذه الأيام، من خلال فيض التقارير والمعلومات التي تتحدث عن تنسيق إسرائيلي عربي مع دول لا تحتفظ بعلاقات سلام مع إسرائيل، بعضها تم ترتيبه بـ “الصدفة المقصودة” وبعضها خرج إلى العلن، وأغلبه ما زال طي الكتمان، وستتكشف قادمات الأيام عن بعض فصوله وأبوابه.
في أوروبا كما في الولايات المتحدة، تتنامى الأصوات التي تدعو لمقاطعة إسرائيل، وتجربة الجامعات البريطانية في مجال "رفض التطبيع الأكاديمي" باتت مثالاً يمكن الاستفادة منه والبناء عليه ... في أوروبا ثمة حملة على المستوطنات ومنتجاتها بشكل خاص، وثمة رأي عام يتجه لعزل إسرائيل وتجريمها ... وثمة مناخ على المستوى الحكومي الأوروبي ينحو باتجاه إلقاء اللائمة على إسرائيل فيما آلت إليه عملية السلام، لكن "الخروقات" الواسعة والكبيرة في “الثوب العربي” تسمح لإسرائيل باتهام أوروبا بأنها "عروبية أكثر من بعض العرب" ومنحازة للفلسطينيين أكثر من أبناء جلدتهم.
نريد لهذا العبث أن يتوقف، وأن يتوقف فوراً ... فالصراع مع الاحتلال والاستيطان لم يضع أوزاره بعد، والسلام لم يستتب للفلسطينيين، ولم تُسترجَع بعد، حقوقهم الوطنية المشروعة، فلماذا كل هذا التطير والاستعجال والتهافت؟ ... لماذا نقفز إلى بند التطبيع في مبادرة السلام العربية، قبل أن تنجز إسرائيل البند الأول من التزاماتها: إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967؟ ... لماذا ندفع أثمان البضاعة مقدماً دون أن نعرف متى نتسلهما، وما إذا كان النية متوفرة لتسليمها أصلاً؟
(عن صحيفة الدستور الأردني 19 كانون الثاني/ يناير 2014)