عاش
العراق في العام 2013 سنته الأعنف منذ نهاية
النزاع الطائفي في 2008، بعدما تصاعدت أعمال
العنف بشكل كبير وخصوصا تلك التي تحمل طابعا مذهبيا، يغذيها شعور السنة بالتهميش، والحرب في سوريا المجاورة.
ومن استهداف دور العبادة الى المقاهي وملاعب كرة القدم والمدارس وحتى مواكب التشييع والمقابر، عاش العراقيون على وقع هجمات دامية شنتها جماعات مسلحة على راسها تنظيم
القاعدة في مواجهة قوات امنية عجزت عن الحد من التفجيرات اليومية.
وقتل بحسب ارقام وزارات الصحة والدفاع والداخلية 7154 شخصا في العراق في اعمال العنف المتفرقة على مدار العام 2013، وهو اعلى معدل سنوي رسمي منذ العام 2008 حين قتل وفقا للمصادر ذاتها 8995 شخصا.
ومن بين هؤلاء نحو الف شخص قتلوا في كانون الاول/ديسمبر الماضي وحده هم 85 عسكريا و60 شرطيا و752 مدنيا و104 مسلحين، بحسب ارقام رسمية.
بدورها، أعلنت منظمة "ايراك بادي كاونت" البريطانية المتخصصة ان عدد قتلى العام 2013 في العراق يشكل على الاقل ضعف عدد ضحايا السنوات الثلاث التي سبقت، مشيرة الى مقتل 9475 شخصا العام الماضي، مقارنة بمقتل 4574 في سنة 2012.
وتابعت المنظمة في بيان تلقت فرانس برس نسخة منه أن سنة 2013 هي الاعنف منذ 2008 حين قتل اكثر من 10130 شخصا "بعد انخفاض معدلات العنف القياسية في عامي 2006 و2007، علما ان النصف الثاني من 2008 كان اقل عنفا من النصف الاول".
وتعليقا على ذلك، قال الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف في بيان اليوم إن "هذه الارقام مفزعة وتبعث على الحزن، مما يؤكد مرة أخرى الضرورة الملحة لان تعالج السلطات العراقية جذور مشكلة العنف لكسر هذه الحلقة الجهنمية".
وأضاف أن "مستوى العنف العشوائي في العراق بات غير مقبول، واني اناشد القادة العراقيين ان يتخذوا الاجراءات اللازمة لمنع الجماعات المسلحة من تأجيج التوترات الطائفية التي تساهم بدورها في إضعاف النسيج الاجتماعي".
ويرى جون دريك المحلل المتخصص بشؤون العراق في مجموعة "اي كي ايه" الامنية البريطانية أن "الامور ساءت كثيرا في العام 2013. في سنة 2012 بلغ معدل ضحايا العنف اسبوعيا (...) 60 شخصا (...) وهذا العام بلغ اكثر من 100 قتيل ووصل احيانا الى 200".
ويضيف "الاسلاميون يكتسبون قوة اكبر، لذا فان الامور مرشحة لان تسوء حتى اكثر من ذلك"، خصوصا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في نهاية نيسان/ابريل المقبل.
وتخوض القوات العراقية التي يبلغ عديدها اكثر من 800 الف عنصر بعد نحو عامين على الانسحاب العسكري الاميركي من هذا البلد معركة يومية ضارية تصارع فيها للحد من تصاعد اعمال العنف.
ويستمد العنف المتصاعد زخمه الاكبر من الغضب السني الذي يعود الى الشكوى المتواصلة من التعرض للعزل السياسي والتهميش والملاحقة من قبل قوات الامن ومن السلطات التي يسيطر عليها الشيعة، وايضا من تطورات النزاع في سوريا المجاورة الذي ينقسم السنة والشيعة في العراق حيال مقاربتهم له.
وفشلت الاجراءات الامنية التي اتخذتها السلطات العراقية في الحد من اعمال العنف اليومية التي يرى محللون ان السيطرة عليها تتطلب جهودا طويلة الامد تبدا اولا بالعمل على نيل ثقة كافة مكونات المجتمع، وايضا بالوصول الى توافق سياسي مفقود منذ عشية الانسحاب الاميركي.
وشكل اقتحام اعتصام سني في الحويجة غرب كركوك (240 كلم شمال بغداد) مناهض لرئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي في نيسان/ابريل الماضي، في عملية قتل فيها اكثر من 50 شخصا، نقطة تحول رئيسية في الوضع الامني في العراق، حيث تسببت في موجة العنف غير المسبوقة منذ العام 2008.
وحملت غالبية الهجمات التي شنتها الجماعات المسلحة بعد اقتحام الاعتصام طابعا طائفيا، جرت البلاد نحو اعمال عنف متبادلة بين السنة والشيعة للمرة الاولى منذ اشهر طويلة، حيث استهدفت المساجد والحسينيات بشكل منتظم، وعادت اعمال التهجير في بعض المناطق المختلطة.
وتقول منظمة "ايراك بادي كاونت" ان معظم ضحايا العام 2013 سقطوا في النصف الثاني من السنة الماضية، فيما يشير دريك الى ان "التوترات بدات تتصاعد في البلاد منذ نهاية 2012 غير ان اقتحام الاعتصام المناهض للحكومة في نيسان/ابريل تسبب برد فعل عنيف من قبل المسلحين السنة".
اضافة الى ذلك، شهد العراق نقطة تحول اساسية اخرى في العام 2013 تمثلت في هروب قادة كبار لتنظيم القاعدة من سجنين قرب بغداد في تموز/يوليو، ما وضع البلاد بحسب ما قال مراقبون حينها لفرانس برس على اعتاب "ايام سوداء".
وفيما ينشغل العراق بالصراع اليومي مع العنف العشوائي، وبالمعركة التي تخوضها قواته ضد معسكرات تنظيم القاعدة في محافظة الانبار على طول الحدود مع سوريا، تتركز الانظار على الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ويقول دريك إن "المسلحين سيحاولون تقويض هذا المسار كما حدث في عام 2010 من خلال شن هجمات ارهابية (...) والاميركيون لم يعودوا هنا لتقديم المساعدة".ويتابع "الامور لا تبشر بالخير ابدا".