قال المخرج الألماني ذو الأصول التركية
فاتح أكين، إن
السينما التركية استطاعت أن تحقق انتشارا واسعا في عدد من بلدان العالم الإسلامي في الأعوام الأخيرة، بالنظر لقوتها وتنوع الثقافة التي تعبر عنها، إلى جانب تقاطعها مع هذه البلدان في ثقافة إسلامية مشتركة، والتي تعد مكونا أصيلا من مكونات الشخصية التركية.
وأضاف أكين في حوار خاص مع "الأناضول" على هامش مشاركته كعضو لجنة التحكيم في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، الذي تختم فعالياته اليوم السبت إن تركيا هي عائلته وعلاقته بها تشبه إلى حد بعيد علاقته بوالديه، وأنه يتابع مختلف التطورات والقرارات التي تتخد على الصعيد السياسي والثقافي في تركيا، ويسعى من خلال أفلامه إلى نقد الواقع التركي من أجل تحسينه وتغييره نحو الأفضل.
ويقول نقاد سينمائيون إن أكين نجح من خلال تميزه في عرض مواضيع أفلامه أن يصوغ عبر السينما علاقة جديدة بين الشرق والغرب، وأن ينقل حركية المجتمعات الشرقية ممثلة في المجتمع التركي بطريقة إبداعية إلى أوروبا عبر إنتاجاته السينمائية.
ولد فاتح أكين في مدينة هامبروغ الألمانية لأب وأم تركيين سنة 1973، ورغم دراسته للسينما في كلية الفنون الجميلة بمسقط رأسه، واستفادته من تجارب السينمائيين في ألمانيا وباقي الدول الأوروبية، إلا أنه احتفظ بعلاقة خاصة مع تركيا.
وأخرج أكين سنة 1995 أول فيلم قصير له بعنوان "أهو أنت" وهو الفيلم الذي حصل به على جائزة أفضل فيلم قصير في هرجان هامبورغ الدولي للأفلام القصيرة، ليخرج سنة 1996 أول أفلامه الطويلة "قصير بدون ألم" وينطلق بعدها في سماء الفن السابع كمخرج وممثل.
ونجح أكين في ترسيخ اسمه كأحد أهم رواد السينما الحديثة في أوروبا والعالم، خاصة بعد حصوله على جائزة "الدب الذهبي" في مهرجان برلين السينمائي عن فيلمه وجها لوجه (head on)، كما حاز فيلمه "على الجانب الآخر" على عدة جوائز دولية من بينها جائزة أفضل سيناريو بمهرجان كان السينمائي، فيما قدم فيلمه "حافة الجنة" كعرض أول بهذا المرجان السينمائي المرموق (كان) سنة 2012، كما حاز فيلمه "مطبخ الروح" على شهرة عالمية واسعة.
أخرج أكين عددا من الأفلام الوثائقية التي تطلع من خلالها لاستكشاف الثقافة التركية وتصبغتها العالمية، وامتدادها في التاريخ، حيث أبدع سنة 2005 فيلما وثائقيا بعنوان "عبر الجسور - صوت اسطنبول" والذي سلط فيه الضوء على مختلف جوانب الموسيقى التركية والغنى والتنوع الذي تزخر به، فيما أنتج فيلما وثائقيا آخر بعنوان "Wir haben vergessen" يحكي من خلاله عن رحلة هجرة والديه من الأراضي التركية في اتجاه ألمانيا.
وإلى نص الحوار :
• العديد من أعمالك السينمائية ركزت على موضوع الهجرة، خاصة صورة المهاجرين الأتراك في ألمانيا، لماذا اخترت هذه الزاوية التي ظلت إلى حد بعيد ثابتة في مخلف الأفلام التي قمت بإخراجها؟
أساتذتي في السينما علموني أن أقوم بمعالجة المواضيع التي أعرفها، ولي اطلاع عليها، وأنا أيضا كاتب سيناريو، وحين أقوم بالكتابة والتفكير في مواضيع أفلامي، أستحضر محيطي القريب، فأنا ولدت لأسرة هاجرت إلى ألمانيا خلال ستينيات القرن الماضي، وعشت كـ"إبن مهاجر" بعيدا عن موطني، ولكن لم يكن ذلك في يوميا من الأيام يشكل عقدة أو مشكلة بالنسبة لي، وألمانيا لم تكن في يوم من الأيام مكانا غريبا عني، أو أحسست بنفسي كأجنبي مقيم بها، لطالما كانت ألمانيا بيتي، وأنا ولدت بها.
وقبل أن أحترف مجال الإخراج السينما، كانت لي أفلام أحبها وأتفق معها وأخرى لا أقبل طرحها، في التسعينيات عندما قمت بإخراج أول فيلم اخترت أن يكون بطله شابا مثلي، تركي ولد في ألمانيا، مستحضرا خلفيتي العائلية، ولاقى هذا العمل ترحيبا واسعا خاصة من قبل وسائل الإعلام التي سلطت الضوء عليه بشكل كبير، حينها أيقنت أن هذا هو المسار الذي يجب أن أسلكه.
• في أغلب أفلامك كـ "الجانب الآخر" و فيلم " حافة الجنة" أو "مطبخ الروح" أبطالها هم في بحث دائم عن "بيت لهم" أي "موطن خاص بهم"، أو في رحلة البحث للعودة إليه، في إشارة طبعا لشخصية المهاجر التركي المغترب لما يقع اختيارك على هذا النوع من الشخصيات؟
من جانب، في أعمالي السينمائية أحب الشخصيات التي تكون مضطرة للمواجهة وللنضال لتحقيق غاياتها، ومن جانب آخر في حياتي الخاصة لي علاقة بأناس مثلي يعيشون ازدواجية الهوية، فزوجتي من أب ألماني وأم مكسيكية، ولي العديد من الأصدقاء من العالم العربي، وإيطاليا وبلدان أخرى، وفي زمن العولمة الذي نعيش في ظله، أجد أنه من الطبيعي أن نعيش هذه الازدواجية، ولكن هذا لا يعني أيضا أني دائما أفكر حين أبادر إلى إنجاز عمل سينمائي، لتطرق بالضرورة وبشكل رئيسي في مواضيع الهجرة والأجانب الذين يعيشون في ظل مجتمعات مختلفة، فمثلا عندما قمت بإخراج فيلمي "head on" أردت أن أسرد قصة حب مجنونة بين شاب وفتاة، فالفيلم يتحدث عن فتاة ألمانية من أصول تركية وبحكم العادات وتقاليد ثقافتها لا تستطيع أن تتصرف "كما تريد هي "، ما يفرض عليها أن تحارب بقوة من أجل أن تحقيق ذاتها.
كما أن تركيزي على هذه الشخصيات التي "تناضل وتحارب"، نابع من إيماني أنه في وقت من الأوقات يجب على الإنسان أن يحارب وتناضل من أجل تحقيق ما يريد متجاوزا كل العوائق، وهذا التصور بالنسبة لي كمخرج مهم جدا في أعمالي وأعتمد عليه بشكل كبير، فالصراع يخلق العقدة وهي مهمة للحبكة السينمائية، بغض النظر عن الخلفيات الاجتماعية لشخصيات الفيلم.
• تركيا والعودة إليها تبقى الفكرة الحاضرة في الكثير من أعمالك، ما الذي تعنيه بالنسبة لك تركيا كتركي هاجرت عائلته إلى ألمانيا؟
تركيا هي عائلتي والعلاقة التي تربطني بتركيا شبيهة بل تطابق تلك العلاقة التي تربطني بعائلتي، ولكن لا يعني ذلك أني أتفق مع كل ما تقوم به عائلتي أو تركيا، إن كنت أتفق معها في كل شيء فهذا ليس مهما أو ذا جدوى، ولكني مهتم بمتابعة مختلف الأحداث والقرارات السياسية التي تتخذ في تركيا، والمواقف الثقافية وغيرها، وإذا لم أكن متفق معها لا أخجل في أن أناضل من أجل تغييرها من خلال أفلامي، وذلك نابع من حبي لتركيا لأنه يهمني أمرها، ولذا اخترت أن أعالج مواضيع من قلب المجتمع التركي، وإلا كان بإمكاني الذهاب لهوليوود، وأن أصنع من نفسي بطلا في هوليوود دون الحاجة للاهتمام بما يدور في تركيا، إلا أني أرفض ذلك، فأنا مهتم بتغيير عائلتي، وعائلتي أيضا تساهم في تغييري، هذه هي طبيعة العلاقة بيني وبين تركيا.
• العالم العربي بدأ خلال السنوات القليلة الماضية بالتعرف عن قرب على الإنتاج السينمائي والتلفزيوني التركي، هل يشكل ذلك، في رأيك، عنصر قوة بالنسبة للصناعة السينمائية التركية؟
أنا كنت دائما على قناعة بأن السينما التركية هي سينما قوية، لأن الفن السينمائي هو جزء يعكس لنا الثقافة، والثقافة التركية غنية ومتنوعة، وتضم روافد مختلفة، كما أنني على قناعة أيضا أن تركيا هي جزء من شرق المتوسط ومن الثقافة الإسلامية الأصيلة، والثقافة الإسلامية ليست بطبيعة الحال ثقافة أقليات بل إنها منتشرة في كل أنحاء العالم، وهذا ما مهد لنجاح السينما والإنتاج التركي في هذه البلدان.