تقول صحيفة "
نيويورك تايمز" إن الزمن الذي كان فيه الأمير بندر السفير السابق ومدخن السيجار، هو أكثر الدبلوماسيين تأثيرا في واشنطن ولى بدون رجعة.
وقد قضى الأمير الأيام الأخيرة -مثل إسرائيل- يحاول ممارسة الضغط ضد توقيع الإتفاقية النووية مع إيران، وفي النهاية لم يكن هناك ما يمكنه عمله، لأن إدارة الرئيس الأمريكي أوباما نظرت للمحادثات مع إيران من زاوية مختلفة عن تلك التي نظر إليها السعوديون الذين يرون أي تقارب أمريكي مع إيران سيكون على حساب نفوذهم في المنطقة.
وتقول الصحيفة إنه، وإن كان السعوديون حلفاء أقوياء لواشنطن، إلا أن الاتفاق كان نتيجة لخيبة أمل متبادلة بين الطرفين، والتي بدأت بنهاية الحرب الباردة. ففي الماضي اعتمدت أمريكا على
السعودية ذات المخزون النفطي الكبير لتحقيق الإستقرار في منطقة متوترة. وقد استخدم السعوديون دورهم للتأثير على منظمة الدول المصدرة للنفط "اوبك"، ولكبح جماح كل من العراق وإيران، كما دعموا إقامة قواعد عسكرية أمريكية كانت مسؤولة عن توسيع النفوذ الأمريكي في المنطقة وما بعدها.
لكن الإنتفاضة العربية غيرت شكل العلاقات في كل المنطقة، وأدت إلى الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك الحليف القريب لكل من أمريكا والسعودية.
وفي الوقت نفسه فقد أدى تردد الولايات المتحدة في التدخل في الصراع السني- الشيعي إلى توتر في العلاقات، إضافة إلى مصادر الطاقة الجديدة التي توفرت لدى أمريكا، وقللت من أهمية السعوديين.
ومن هنا فقد أدى تراجع الإدارة عن ضرب سورية واتفاقها الأخير مع إيران إلى زرع بذور الخوف لدى السعوديين من مسار السياسة الأمريكية في المنطقة. ونقلت الصحيفة عن غريغوري غوس، المحاضر في جامعة فيرمونت قوله "لا نزال نتشارك في الكثير من الأهداف، لكن أولوياتنا مختلفة عن تلك التي يريدها السعوديون"، مضيفاً "عندما تنظر لموقفنا من الربيع العربي، لكيفية التعامل مع إيران، ولتغير أسواق الطاقة التي قللت من أهمية النفط الخليجي، فإن هذه الأشياء غيرت قواعد العلاقات الأمريكية- السعودية".
وأضاف غوس أن واشنطن لديها خلافاتها الكبيرة مع السعوديين حول الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وانتشار الأصولية الإسلامية، ولكن ما مسَّ العصب الحساس عند السعوديين هو أنه أثار العداء السعودي للشيعة.
ومن هنا يُفهم الرد السعودي المتحفظ على
اتفاق جنيف يوم الإثنين، لكن ذلك لا ينفي الهجوم الذي قام به المعلقون السعوديون على الاتفاق، وما اعتبره كتاب الأعمدة اتفاقاً يكافئ إيران ويمنحها الشرعية.
وتخشى السعودية من زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة في حال بقاء بشار الأسد في السلطة، فطهران تقوم بحرب مكلفة في سورية وتدعم النظام بالمال والسلاح والحرس الثوري. وتراقب السعودية بنوع من الذعر التقارب التركي مع إيران، خاصة أن أنقرة غاضبة من الدعم السعودي للانقلاب في مصر، ووجه الرئيس التركي عبدالله غول دعوة لنظيره الإيراني لزيارة تركيا هذا الشهر.
ولاحظت الصحيفة أن رد فعل السعوديين على إتفاق الأحد كان رسائل تويتر تعبر عن الهزيمة، وترى أن واشنطن تخلت عنهم. وهذا على خلاف الواقع لأن أمريكا لا تزال تتعاون مع الرياض في مجال مكافحة الإرهاب. فبحسب توماس ليبمان، تقوم أمريكا "بتدريب حرسهم الوطني"، وتعد "خططا لحماية مرافيء النفط والمنشآت الأخرى" وتنفذ "صفقة من أكبر الصفقات في التاريخ".
وبعيداً عن الحديث عن تقليل الإعتماد على النفط السعودي، لا تزال السعودية أكبر منتج للنفط في العالم. وكل هذا لا يعوض الملف النووي الإيراني الذي ينظر إليه السعوديين من خلال الحرب بالوكالة الدائرة في سورية، ويرى برنارد هيكل، الباحث في برنستون أن السعوديين يتعاملون مع الملف النووي وسورية كحرب واحدة. ونقل عن مسؤول سعودي قوله "إن لم نفعل هذا في سورية فسنقاتلهم- أي الإيرانيين – داخل المملكة". كيف ستربح السعودية الحرب في سورية؟ هذا غير واضح، لكن الواضح هو زيادة السعودية الدعم للمقاتلين الإسلاميين.
وعلى الرغم من رفض السعوديين للإتفاق وغضبهم من واشنطن إلا ان الأخيرة ليست مهتمة بهذا لأنها تعرف أن السعودية تدرك أن لا أحد يمكنه حمايتها من إيران سوى أمريكا.