الاقتصاد كلمة حديثة لم يعرفها العرب بهذا المعنى وإنّما تعني لديهم عدم الإسراف وإهدار المال وكذلك الإقتار، وقد جاءت هذه المفردة ترجمة للكلمة الإنجليزية "economy" ..
وهي ترجمة موفقة لأنّ المال هو الأصل في الاقتصاد ويجب إصلاحه ليزيد ولا ينقص أو يفنى كما جاء في كتاب الله عز وجل يوصي رسوله عليه الصلاة والسلام "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً"، وقد جاء في الحض على إصلاح المال قول الشاعر:
لمال المرءِ يصلحه فيغني
مفاقرهُ أعفُّ من القنوعِ
والقنوع من الأضداد في اللغة وتعني هنا السؤال والشاعر يدعو إلى إصلاح المرء لماله والمحافظة عليه واستثماره خير له من ذل سؤال الناس.
الاقتصاد الإسلامي قائم كلّه على كيفية مضاعفة الأرباح بأفضل طريقةٍ حسب قواعد الشريعة التي تحكمها الأدلة الشرعية الصحيحة، وهي لا تقوم على الكلام بهوى النفس أو بآراء الذين لا يعرفون الفقه وأصوله أو لم يخبروا جميع المعاملات المالية المعاصرة التي كثُرت أنواعها في هذه الأزمان ولم تعد كما كانت في الماضي بل صارت معقدة جداً وصار أقلية من المسلمين يفهمون عملياتها المتنوعة والمتجددة، ولهذا لم يبرع فيها إلا القليل في حين نجد أعداداً كثيرة جداً من خبراء الاقتصاد العام الذين لا يتقيدون بالدين الحنيف.
ضرورة الاقتصاد الإسلامي تكمن أولاً في حاجة المسلم إليه في معاملاته وتجارته ومطعمه ومشربه ولا يمكن أن يكون هناك مسلم يفرح بالتعامل بغير أصول الشريعة، بل كثير منهم إذا وضع ماله في مصرف (بنك) لا يتعامل بأحكام الشريعة الإسلامية تجده غير سعيد ضائق البال من شدة ما يعاني من لومٍ نفسيٍّ شديدٍ وهذه طبيعة نفوس المسلمين عندما يجدون أنفسهم حادوا عن أوامر الله وشرعته، ولهذا وجود الاقتصاد الإسلامي حاجة ملحة وضرورة قصوى لراحة المسلمين النفسية وعدم وقوعهم في الضيق والحرج والتأثّم بسبب الخوف من الوقوع في الحرام وحرصهم على اتباع أوامر الله ورسوله.
وتأتي الضرورة الثانية من كون الاقتصاد الإسلامي يصلح لكل زمان ومكان وإن أعطى حرية التعامل للأفراد فإنه لا يشبه النظام الرأسمالي بسبب القيود الأخلاقية التي تتحكم فيه وتناقض أسس الرأسمالية وكذلك لا يشبه الاقتصاد الإسلامي الأنظمة الاشتراكية وإن أقرّت ملكية الدولة لأنّه لا يقرها بشكل عام بل في حدود معينه تضمن حقوق الدولة والفرد على حد سواء.
وعلى ما قدمته فإنّ الوضع مختلف في اقتصادنا عن باقي أنواع الاقتصاد العالمي بأنّه واقعي ومعلّق بالأخلاق فكل أنظمته تتوافق مع واقع الإنسان ومتطلباته الحقيقية وتحكم جميع معاملاته الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المسلمون أينما كانوا في بيوتهم وخارجها وفي تعاملاتهم المالية من حيث الرحمة والصبر والوفاء وإعانة المظلوم ومساعدة المعسر والتكافل الاجتماعي وغيرها من أمورٍ لن تسمع بها في المجتمعين الرأسمالي والاشتراكي.
إنّ ما تراه اليوم من مصائب اقتصادية عظيمة كادت تفتك بالعالم كلّه غنيّه وفقيره ليس لها من علاج إلا بالرجوع إلى قواعد شريعتنا السمحة والأخذ باقتصادنا العجيب الذي ليس له مثيل في الدنيا وهو أقوى نظام عالمي يمكن الاعتماد عليه والوثوق به مع التعامل بأخلاق عالية تحتاج لها البشرية كلها، ومن هنا أتى حرص سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لجعل إمارة دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي، وستكون بإذن الله.
(عن البيان الإماراتية)