ملفات وتقارير

ما دوافع اتهام يعالون لجيش الاحتلال بارتكاب جرائم حرب في غزة؟

يُعد اعتراف يعالون بارتكاب الاحتلال جريمة التطهير العرقي في قطاع غزة أمرا نادرا- جيتي
يُعد اعتراف يعالون بارتكاب الاحتلال جريمة التطهير العرقي في قطاع غزة أمرا نادرا- جيتي
أثار تصريح وزير حرب الاحتلال الأسبق، موشيه يعالون، السبت، الذي اعترف فيه بحرب الإبادة التي يقودها جيش الاحتلال في شمال قطاع غزة، وتمسكه به في تصريح لاحق، الأحد، تساؤلات عن أسبابه ودوافعه من وراء اتهام الجيش الذي كان يقوده سابقا.

وكان يعالون قد قال: إننا "ننفذ تطهيرا عرقيا في شمال قطاع غزة، فلم تعد هناك بيت لاهيا، أو بيت حانون"، وفقا لما نقلته عنه هيئة البث الإسرائيلية.

وأكد في تصريحاته أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يقود "إسرائيل إلى الخراب ويجر الاحتلال للضم والتطهير العرقي في شمال غزة"، مضيفا، "انظروا إلى شمال القطاع- والتهجير، والاستيطان اليهودي”.

اظهار أخبار متعلقة



وقال يعالون، الذي شغل منصب وزير الدفاع بين عامي 2013-2016 وقاد حرب 2014 ضد قطاع غزة، "لم تعد بيت لاهيا موجودة، ولم تعد بيت حانون موجودة، والآن يعملون في جباليا، إنهم (جيش الاحتلال الإسرائيلي) يطهرون المنطقة من العرب”.

وانتقد وزراء الاحتلال تصريحات يعالون حيث اعتبرها وزير الخارجية جدعون ساعر بأنها "غير مسؤولة وغير صحيحة، وأنها تشوه سمعة إسرائيل"، ودعاه إلى التراجع عنها.

كما انتقدها الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، ودعا ردا عليها إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وإعادة احتلاله، وقال: "ليس سرا بأنني أريد احتلال قطاع غزة، وكذلك تشجيع الهجرة من هناك، في نهاية المطاف وفي اليوم التالي للحرب علينا أن نجد حلا".

صراعات داخلية
المختص بالشأن الإسرائيلي الدكتور إيهاب جبارين قال: "إنه لا يمكن الحديث هنا عن صحوة ضمير، لكنها في الحقيقة تصريحات تأتي في سياق الصراعات الداخلية".

ويرى "أنه من الملفت للنظر أنها تعطي ذريعة لجهات خارجية للاستفراد ببنيامين نتنياهو، وربما هذا فيه نوع من التصعيد، فحتى هذه اللحظة الصراعات الإسرائيلية كانت داخلية- داخلية، لكن هذه المرة هي تحاول أن تعول على جهود خارجية وهذا نوع من التصعيد".

وتابع جبارين في حديث لـ"عربي21": "بمعنى حينما يخرج في هذا التوقيت بالذات، بطبيعة الحال هو هنا يحاول تبرئة جنوده في المقام الأول، ويُلقي بالتهم على المستوى السياسي ومُتخذي القرار، هذا تحديدا يمكن أن يكون شهادة مهمة جدا من وزير دفاع سابق ورئيس هيئة أركان سابق أمام المحكمة الجنائية الدولية".

ويرى أنه "على ما يبدو فإن الدولة العميقة في داخل إسرائيل كانت قد رأت وارتأت بأنها إما أن تضحي من أجل نتنياهو وإما أن تضحي به من أجل إسرائيل، وباعتقادي هناك محاولات للذهاب باتجاه الخيار الثاني وإن كانت ما زالت ضئيلة ولكن هناك أصوات في هذا السياق".

وأضاف: "إذا ذهبت إسرائيل في هذا المسار فهي بطبيعة الحال تحاول أن تحافظ على ما تبقى من سمعتها، والأهم من هذا كله هي تحاول أن تقدم نتنياهو قربانا من أجل أن تدافع عن جنودها، لأنه إذا ترسخت ورقة الاتهام هذه، يمكن أن يكون لها تبعات على مستوى الضباط والجنود وما إلى ذلك، وأنه يمكن تبرئة الجنود عبر اتهام القيادة السياسية".

وحول موقف ورد الصهيونية الدينية المتوقع، قال جبارين: "الصهيونية الدينية والتيارات اليمينية كانت قد قالت كلمتها ضد يعالون وكيف أن هناك طيفا واسعا في العالم العربي تحديدا قد بدأ يحتفي ويحتفل بهذه الكلمات".

وختم بالقول: "واضح جدا أننا نرى تبعات حرب حقيقية ما بين المستويين العسكري والسياسي، وربما قد بدأت بالتحريض ضد المستشارة القضائية للحكومة، لأنه من الواضح أنهم لم يثقوا بها بأن تكون ورقة دفاع قانونية في هذه الإشكالية، وباعتقادي سنعود ونشهد الكثير من الزخم والاحتدام بين الحكومة والمستويين العسكري والأمني".

موقع "JDN" الإسرائيلي، وهو موقع إخباري يهودي أرثوذكسي، قال في مقال رأي عنونه بـ"اليسارية تؤدي إلى الخيانة"، إن "أسباب تصريحات يعالون سياسية".

وأضاف الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21": "فما دام لا يوجد اعتراف بسلطة أعلى، فلا يوجد قيد على ما هو مسموح وما هو ممنوع في اللعبة السياسية، وإذا أساء رئيس الوزراء إلى أي شخص كان الأكثر ثقة في الليكود، فكل شيء مسموح، بما في ذلك كل شيء، حتى لو أحرقت البلاد كلها على طول الطريق، فالأمر الرئيسي هو أن يتضرر بيبي".

"تصريحات سياسية"
وجاءت تصريحات يعالون بعد أقل من أسبوعين على إصدار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق كل من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

وقالت المحكمة إنها "وجدت أسبابا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل وقت السلوك المعني، وغالانت وزير دفاع إسرائيل وقت السلوك المزعوم، يتحمل كل منهما المسؤولية الجنائية عن جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب؛ والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية".

ويثير تزامن تصريحات يعالون مع إصدار المحكمة مذكرتي الاعتقال، تساؤلات عن احتمالية أن يكون تصريحه هذا جاء لحماية نفسه من الملاحقة الجنائية، حيث كان يقود وزارة الحرب الإسرائيلية خلال عدوان الاحتلال على غزة في حرب عام 2014.

وارتكب جيش الاحتلال في تلك الحرب التي استمرت 51 يوما مجازر عديدة، أولها كانت في أول يوم للحرب، وارتكبها في مدينة خان يونس وراح ضحيتها 11 شهيدا و28 جريحا فلسطينيا، وقصفت بعدها المباني والمساجد والبنى التحتية بالطائرات الحربية.

الدكتور بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، "لا يعتقد أن الهدف من مثل هذه التصريحات هو محاولة التنصل من أي مسؤولية قد تقع على يعالون لاحقا فيما يتعلق بالتحقيقات الجنائية خاصة في المحكمة الجنائية الدولية، لأن المحكمة لا تأخذ بالتصريحات كمؤشر ودليل على براءة المتهمين إن كان هو سيكون من بينهم".

وأوضح الشوبكي في حديث لـ"عربي21"، أن "الدلائل والوقائع غير مرتبطة بالتصريحات، وبرأيي هذه التصريحات أتت لتوظيفها سياسيا وليس قضائيا أو أخلاقيا، بمعنى أنها لا تُسعف مصدرها على التحرر من العبء القانوني الذي قد يُلقى عليه في حال تبين أنه مسؤول عن عمليات من هذا القبيل".

وأضاف: "أيضا هي ليست جزءا من عملية توظيف أخلاقية، إذ أن المسألة ليست مرتبطة بتصريحات من أجل الفلسطينيين وحقوقهم والدفاع عنهم، بقدر ما هي رؤية من قبل شخصيات عدة في إسرائيل من بينها يعالون يرون فيها أن مثل هذه الخطوات العسكرية قد تؤدي للإضرار بالإسرائيليين".

وأوضح: "بمعنى العامل المُحفز لهذه التصريحات هو عامل مرتبط برؤيته لمصلحة إسرائيل، وأظن أن هذا الخطاب واقعي لأن إسرائيل فقدت الكثير من عوامل القوة على المستوى الدولي نتاجا لمثل هذه الأعمال".

وحول ما إذا كان هناك سياسيون إسرائيليون يشاركون يعالون في الرأي، قال الشوبكي: "بالضرورة هناك آراء إسرائيلية شبيهة، ولكن جراءة الإسرائيلي على الإدلاء بمثل هذه الآراء أراها متعذرة في هذه الأثناء في ظل عمليات التجييش التي تبرر ما قام به الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة".

وعن مصير يعالون السياسي بعد هذه التصريحات يرى المحلل السياسي، أنه "في ظل الانزياح الإسرائيلي نحو اليمين وتبني المقولات اليمينية وهذا الأمر غير مرتبط بالحرب الحالية، وإنما بما قبلها، يعالون بهذه التصريحات على الأقل على المدى القريب والمتوسط  لا يبدو أنه سيكون ذا حظوظ سياسية، بمعنى على المستوى الجماهيري شخص أدان إسرائيل بتهمة توجه إليها الآن في الجنائية الدولية لن يكون متقبلا".

وتابع الشوبكي: "لكن على المدى البعيد قد يتبين لاحقا أن مثل هذه الأصوات بالنسبة للإسرائيليين كانت هي الأصوات الأدق والأكثر حرصا على إسرائيل، لأنه كما أشرت هذه التصريحات ليست من باب نقاش أخلاقي وإنما من باب نقاش نفعي مصلحي مرتبط برؤية يعالون وغيره بمستقبل وصورة إسرائيل وعلاقاتها على المستوى الخارجي من منظور بعيد واستراتيجي".

دليل إدانة ضد الاحتلال
ويُعد اعتراف يعالون بارتكاب الاحتلال جريمة التطهير العرقي في قطاع غزة أمرا نادرا أو مستحيل الحدوث إسرائيليا، خاصة أنه جاء في خضم محاكمة دولة الاحتلال أمام العدل الدولية، ومحاكمة قادتها أمام الجنائية الدولية.

وتعتمد المحكمتان في مثل هذه القضايا على دلائل قانونية مادية ومعنوية، منها شهادات الضحايا أو ما يُنشر في وسائل الإعلام الموثوقة أو شهادات منتسبي المنظمات الدولية الإنسانية المتواجدين في ميدان المعركة.

وهنا يكمن السؤال الأهم هل يمكن استخدام تصريحات يعالون كدليل قانوني ضد الاحتلال في محكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية؟

الدكتور عبد المجيد مراري٬ محامي الضحايا الفلسطينيين في المحكمة الجنائية الدولية، قال إن "تصريحات موشيه يعالون لها قيمة قانونية مهمة جدا، على اعتبار أنها صادرة عن خبير عسكري فهو وزير دفاع سابق له خبرة عسكرية بما فيها تكليف الجنود بمهام عسكرية".

وأكد مراري خلال حديث لـ"عربي21"، أن "هذا التصريح من شأنه أن يورط إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، خصوصا أنها تنظر في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل واتهمتها فيها بارتكاب جرائم إبادة جماعية".

وأوضح بأن "هذا التصريح سيجعل من يعالون شاهدا أمام محكمة العدل الدولية، وأمام الجنائية الدولية أيضا، باعتبار أننا كفريق قانوني وثقنا هذا التصريح وسنقدمه في أول اجتماع لاحق لنا مع الجنائية الدولية من أجل استدعائه كشاهد على هذه الجرائم، خاصة وأنه تحدث بناء على ما اطلع عليه وما أبلغه به عدد من الضباط والجنود الإسرائيليين، وبالتالي بالتأكيد بين يديه مستندات ووثائق تُثبت ما يقوله".

ويتابع مراري، "بالطبع هو يتحدث كخبير عسكري، وعندما يقدم شهادته أمام القضاء الدولي كخبير فإن شهادته يُعتد بها، ولهذا إسرائيل جن جنونها وانتقدته، لا بل هناك دعاوى ضده ومطالب باعتقاله في إسرائيل على اعتبار أن تصريحاته ستجر عليهم مشاكل كبيرة، وأحد الوزراء قال إن تصريحاته ستضر بإسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية".

اظهار أخبار متعلقة



وأوضح أن "يعالون لن يضر بإسرائيل بقدر ما سيضر بالأشخاص الذين اتهموا أمام الجنائية الدولية خاصة نتنياهو وغالانت، أي أن مطالبة المدعي العام للجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال كانت محقة وأن الدائرة التمهيدية بالمحكمة كانت صائبة في ذلك القرار".

ويكمل، "بالطبع نحن متأكدون من هذا الكلام لأننا لدينا من الأدلة والوثائق ما تُثبت كلام موشيه يعالون، كذلك المحكمة الجنائية الدولية بين يديها أدلة دامغة، بالتالي هذا التصريح فقط يأتي ليزكي ما بين يدي المحكمة".

وخلص الدكتور عبد المجيد مراري بالقول: "بالتأكيد العدل الدولية لن تترك هذا التصريح جانبا بقدر ما سيكون أمامها مستند قانوني مهم جدا، وأعتقد أنها يمكن أن تطلبه للشهادة، ونحن كفريق قانوني أمام الجنائية الدولية نهيئ وثيقة من أجل جعل موشيه يعالون شاهدا أمامها".
التعليقات (0)