أثير جدل في
العراق بعد فوز دونالد
ترامب بولاية رئاسية جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، حول مذكرة اعتقال صدرت بحقه بعد عملية مطار بغداد في كانون الثاني/ يناير 2020، والتي قتل فيها نائب رئيس
الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس برفقة قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني.
وفي كانون الثاني/ يناير 2021، أصدر مجلس القضاء العراقي مذكرة إلقاء القبض بحق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفق المادة 406 من قانون العقوبات العراقي الخاصة بالقتل مع سبق الإصرار والترصد، والتي يصل الحكم فيها إلى الإعدام.
المذكرة أكدها رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي، فائق زيدان، في كانون الثاني/ يناير 2023، خلال كلمة ألقاها خلال محفل رسمي بالذكرى السنوية الثالثة لمقتل سليماني والمهندس، مؤكدا أن "مسؤولية القضاء هي محاسبة من ارتكب عملية الاغتيال".
"مذكرة نافذة"
وبخصوص كيفية تعامل المسؤولين العراقيين مع شخصية عليها مذكرة قبض بتهمة القتل، قال الخبير القانون العراقي، علي التميمي، إن "ترامب في الوقت الحالي رئيس لدولة ويتمتع بحصانة دولية، وبالتالي لا يمكن اتخاذ أي إجراء وإنفاذ القانون بحقه".
وأوضح التميمي لـ"عربي21" أنه "عندما قدمت إلى القضاء العراقي شكوى لاتخاذ إجراءات قانونية بحق ترامب في عام 2020، فإنه اتخذ إجراءات قانونية وأصدر مذكرة قبض ضد الأخير كونه شريكا بالقتل وفق المادة 406 الخاصة بالقتل مع سبق الإصرار والترصد".
وأضاف الخبير القانوني أن "إجراء القضاء العراقي من الناحية القضائية صحيح، لأنه لا يمكن له إلا أن يطبق القانون، وبالتالي أخلى مسؤوليته من هذه الناحية عندما أصدر مذكرة القبض، والأمر بعدها تحول إلى الجهات التنفيذية للمضي بالإجراءات".
وتابع: "بمعنى أن ترامب لم يكن رئيسا بالمدة السابقة (بعد 2021) وهذا يتيح مفاتحة الإنتربول الدولي لتطبيق القرار القضائي، وهو إجراء واجب التطبيق وفق المواد 6 و7 من قانون العقوبات العراقي، وأيضا وفق اتفاقية
الانتربول في عام 1956، والتي صادق عليها العراق".
وبرأي التميمي فإن "العراق كان باستطاعته أن يلجأ إلى الأمم المتحدة، لأن ما حصل انتهاكا للسيادة وفق المواد 1 و2 و3 و18 من ميثاق الأمم المتحدة، وهنا نتحدث عن الإجراءات الداخلية بالنسبة للجهات العراقية".
وبحسب الخبير القانوني، فإن "ترامب أصبح اليوم رئيسا للولايات المتحدة، والرؤساء وفق القانون الدولي يتمتعون بالحصانة الرئاسية وفق اتفاقيات دولية، منها اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 وأخرى لعام 1969، وقبلهم الصادرة عام 1943 الخاصة بمنع أي عمل ضد الرؤساء".
وأكد التميمي أنه "وفق هذه الحصانة لا يمكن اتخاذ الإجراءات ضد الرؤساء خلال مدة شغلهم للمنصب، لهذا فإن الإجراءات القانونية ضد ترامب حاليا غير ممكنة بسبب الاتفاقيات التي تعطيه الحصانة الدبلوماسية بشكل مطلق غير مجزأ".
لكن الخبير القانوني، رأى أنه "من الممكن تحريك مذكرة القبض ضد ترامب بعد انقضاء مدة رئاسته، أو أن ينضم العراق إلى اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998 وبموجبها لا حصانة للرؤساء، وهذا هو الحل الوحيد في الوقت الحاضر".
اظهار أخبار متعلقة
"فنتازيا سياسية"
وفي المقابل، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، النائب مثنى أمين، في حديث لـ"عربي21" إن "هذا الموضوع ليس ذا قيمة من الأساس، لأن الحكومة العراقية تتعامل مع رئيس دولة لديه حصانة".
وأضاف أمين أن "ترامب جاء إلى قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار عندما كان رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية عام 2019، دون أن يخبر السلطات العراقية، بالتالي موضوع مذكرة القبض هو نكتة".
وتابع بأن "أي حديث بخصوص تنفيذ إجراءات ضد ترامب أمر مستبعد، فهو رئيس دولة يدخل ويخرج من العراق وفق هذه الصفة، وليس مواطنا أمريكيا اعتيادي حتى يمكن التعامل معه وفقا للقانون العراقي".
ولفت أمين إلى أن "ترامب لا يأتي إلى السلطة بقرار قضاء عراقي أو أطراف عراقية تريد أن تتحدث بهذه المسألة، فهو جاء بانتخاب شعبي- بغض النظر عن نظرتنا له أو مساهمته في أي أعمال بالعراق- ولا يمكن التعامل معه كشخص اعتيادي حاليا، ولا حتى عند صدور مذكرة القبض".
ومضى النائب قائلا: "ترامب رئيس أقوى وأكبر دولة في العالم، والتي لا تزال تحتكر جزءا كبيرا من سيادة الدولة العراقية، بالتالي فإن مذكرة الاعتقال هي نوع من الفنتازيا السياسية، وليس له على أرض الواقع أي قيمة أو اعتبار ولن يستطيع العراق فعل أي شيء".
وأشار إلى أن "المذكرة تخص القضاء العراقي، وهناك عشرات مذكرات القبض ضد أشخاص اعتياديين ارتكبوا جرائم لكنهم ما زالوا يتحركون في شوارع العراق، بل بعضهم يتولى مناصب عليا في الدولة".
اظهار أخبار متعلقة
ورأى النائب أن "الأولى هو أن نستطيع تنفيذ مذكرات القبض في بلادنا ثم نفكر في تنفيذ مذكرة صادرة بحق رئيس أكبر دولة في العالم، وأن من يتحدث بموضوع مذكرة القبض من السياسيين العراقيين هم لا يريدون إقامة أي علاقة مع الولايات المتحدة".
وبحسب أمين، فإن "العلاقة مع الولايات المتحدة هي حاجة عراقية قبل أن تكون أمريكية، وحتى لو لم تكن هناك حاجة فهي مفروضة على العراق فرضا، لأن الأمريكيين هم من أخرجوا صدام حسين (الرئيس العراقي الراحل) من السلطة ومكّنوا هذه الأحزاب من القدوم إلى الحكم".
وأردف بأن "الأمريكيين لا يزالون يحتكرون جزءا من السيادة العراقية، ويتحكمون في واردات العراق النقدية من بيع النفط، ويحتفظون بقواعد عسكرية، بالتالي فإنه من العبث الحديث عن مذكرة القبض، والأولى الانشغال بأمور أكثر أهمية وواقعية للعراق".
وبعد إعلان ترامب فوزه في الانتخابات الرئاسية، الأربعاء الماضي، بعث رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، بتهنئة للأخير، مؤكدا التزام العراق الثابت بتعزيز العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وأضاف السوداني عبر منصة "إكس" قائلا: "نتطلع لأن تكون هذه المرحلة الجديدة بداية لتعميق التعاون بين بلدينا في مجالات متعددة، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة ويعود بالنفع على الشعبين الصديقين".
وبعد يومين، أجرى رئيس الوزراء العراقي، اتصالا بالرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، والذي أكد المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي أنه "تميز بدرجة عالية من الإيجابية"، بحسب ما نقلت وكالة "الأنباء" العراقية الرسمية، الجمعة الماضية.
وأشار إلى أن التواصل يعكس الرغبة المتبادلة بين بغداد وواشنطن للحفاظ على مستوى عالٍ من التفاهم، وأكد أن رئيس الوزراء رحب بتصريحات ترامب حول وقف الحرب في المنطقة وأعلن استعداده للمشاركة في هذا المسار للحفاظ على الاستقرار.
وبحسب العوادي، فإن "حرص الطرفين على التواصل هاتفيا يعكس الرغبة المتبادلة بين بغداد وواشنطن للحفاظ على مستوى عالٍ من التفاهم والتواصل والدفع بالعلاقات إلى مستويات عالية".
اظهار أخبار متعلقة
لكن تهنئة السوداني بمناسبة انتخاب ترامب، أثارت غضب العديد من السياسيين المحسوبين على الإطار التنسيقي الشيعي، ولا سيما التابعين للفصائل المسلحة، الذين رفضوا التهنئة وأكدوا أن ترامب عليه مذكرة قبض ومدان القضاء العراقي ولا يجوز التعامل معه.
وكتب السياسي العراقي، عباس العرداوي، تدوينة على منصة "إكس" خاطب فيها ترامب، بالقول: "لن ننسى أنك قتلت أحبتنا وساداتنا ولا نخشى حماقتك ولن ننسى ظلمك ودعمك للكيان الصهيوني الغاصب. تهنئة الحكومة والرئاسة والسياسيين لن تشرفنا ولا تمثلنا".