كلما وُضعت سياسة الهجرة على جدول أعمال قمة
الاتحاد الأوروبي، انتابت جلساتها توترات كبيرة بين قادتها، وهذا ما حدث في القمة
الأخيرة في العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث ظهرت الخلافات الكبيرة حول سياسة اللجوء
وكيفية التعامل معها. يمكن ملاحظة هذه الخلافات منذ بداية الاجتماعات التحضيرية
لتلك القمة، مما يجعل من غير الواضح ما إذا كان البيان الختامي سيتطرق إلى سياسة
الهجرة أم سيتحاشاها بسبب التفاوت الكبير بين مواقف دول الاتحاد حول هذا الموضوع
الشائك الذي يحمل في طياته خطرًا كبيرًا على مستقبل الاتحاد الأوروبي. فكل دولة في
الاتحاد تسعى لتحقيق مصالحها وتريد دفع اللاجئين نحو الدول الأخرى.
على الرغم من وجود اتفاق عام بين جميع الدول
الأعضاء على ضرورة التسريع في ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، فإن الخلاف يدور حول
طرق وكيفية تنفيذ عملية الترحيل. بعض دول الاتحاد، نتيجة الضغوط الشديدة عليها،
تحاول إقناع دول أفريقية بقبول طالبي اللجوء المرفوضين مؤقتًا مقابل مساعدات
مالية، في حال تعذّر ترحيلهم فورًا إلى بلدانهم الأصلية.
في المقابل، يحذر
المعارضون من أن هؤلاء الأشخاص قد يتعرضون لمعاملة غير إنسانية أو مهينة في تلك
الدول. ومنهم من يطالب، مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، بمعالجة طلبات
اللجوء خارج حدود الاتحاد الأوروبي، بحيث لا يُسمح لطالبي اللجوء بدخول دول
الاتحاد إلا بعد صدور قرار إيجابي بشأن طلباتهم.
يزيد صعود اليمين المتطرف في بعض الدول الأوروبية، إلى جانب الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الاتحاد، من الضغط على الحكومات، مما يدفعها إلى تبني قوانين متشددة قد تبدو بعيدة عن المسؤولية الإنسانية، وتركز على مكافحة اللاجئين بدلاً من معالجة أسباب لجوئهم
لكن ما حصل قبل أيام قليلة من فشل ذريع
للحكومة الإيطالية بقيادة جورجيا ميلوني ربما يكون درسًا مهمًا لرئيس الوزراء
المجري. فقد أرسلت الحكومة الإيطالية 16 لاجئًا إلى مركز لجوء في ألبانيا أُعد
خصيصًا لمعالجة طلبات اللجوء قبل دخولهم إلى إيطاليا. شبه البعض هذا المركز بمعتقل
غوانتانامو الأمريكي، لكن الصدمة كانت كبيرة لجورجيا ميلوني وحكومتها عندما قرر
القضاء الإيطالي إعادة اللاجئين إلى إيطاليا، لأن الدول التي قدموا منها لا تُعتبر
آمنة، استنادًا إلى قرار المحكمة الأوروبية العليا في ستراسبورغ، الذي ينص على أن
البلد الآمن هو الذي تكون جميع مناطقه آمنة، وليس جزءًا منها فقط.
ما حصل في إيطاليا يُعد مثالًا مهمًا على
أهمية فصل السلطات في إدارة الدولة، مقارنة بخلط السلطات مع بعضها، حيث تطغى
السلطة التنفيذية على باقي السلطات، وهي الطريقة التي تعتمدها الأنظمة
الديكتاتورية في العالم.
أما فيما يتعلق بألمانيا، فقد أثار فرضها
رقابة على حدودها استياء بين دول الاتحاد، إذ يُعد هذا الإجراء تقييدًا لحرية
التنقل في منطقة شنغن، المعروفة بإلغاء الرقابة الحدودية الداخلية. وفي السياق
نفسه، علّقت بولندا حق اللجوء مؤقتًا ردًا على ما تعتبره استغلالًا من روسيا
وبيلاروسيا للمهاجرين للضغط على حدود الاتحاد الأوروبي.
في رسالة وجهتها رئيسة المفوضية الأوروبية،
أورسولا فون دير لاين، إلى قادة دول الاتحاد، أكدت ضرورة اتخاذ "استجابة
أوروبية واضحة وحازمة" لمواجهة هذه الأنشطة، مشددة على أهمية عدم السماح
لروسيا وبيلاروسيا باستغلال القيم الأوروبية ضد الاتحاد. كما دعت إلى توحيد قوانين
إعادة اللاجئين بين الدول الأعضاء لتفادي استغلال التفاوتات القانونية من قبل
طالبي اللجوء. من جهتها، طالبت هولندا، التي تحكمها الآن حكومة يمينية متطرفة،
بإعفائها من الالتزام باتفاقيات اللجوء بين دول الاتحاد الأوروبي.
تأتي هذه النقاشات في ظل اعتبار بعض الدول
أن الإصلاحات المتعلقة بسياسة اللجوء، التي تم إقرارها في الربيع الماضي، غير
كافية لحل مشكلة الهجرة غير النظامية. ومن المتوقع أن يستغرق تنفيذ هذه الإصلاحات
حتى يونيو/حزيران 2026 بسبب الفترة الانتقالية المتفق عليها. تلزم هذه الإصلاحات
الدول الأعضاء باتباع إجراءات موحدة على الحدود الخارجية للاتحاد، بهدف تسريع
تقييم طلبات اللجوء غير المستحقة وترحيل اللاجئين مباشرة من الحدود. كما سيتم وضع
الأشخاص القادمين من دول آمنة في مراكز استقبال تخضع لإجراءات صارمة شبيهة
بالاحتجاز. بالإضافة إلى ذلك، سيتعين توزيع طالبي اللجوء في الدول الأكثر تضررًا،
مثل إيطاليا واليونان، على دول الاتحاد الأخرى، بينما تُجبر الدول التي ترفض
استقبال اللاجئين على تقديم مساهمات مالية تعويضية.
وصلت الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى السلطة باستغلال مخاوف المواطنين وإثارة الهلع بشأن اللاجئين والمغتربين، وهي على استعداد لوصف دول مثل سوريا بأنها "آمنة"، متجاهلة أن الأمن لا يقتصر على غياب الاعتقالات أو الإعدامات، بل يشمل أيضًا توفر حرية الرأي، والديمقراطية، والأمن الغذائي، والطبي، والاجتماعي.
ورغم أن عدد الذين يدخلون الاتحاد الأوروبي
بشكل غير نظامي في انخفاض، حيث سجلت وكالة الحدود الأوروبية "فرونتكس"
166,000 حالة عبور غير نظامي بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول من هذا العام،
ما يمثل انخفاضًا بنسبة 42% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، إلا أن هناك
اختلافات إقليمية. فقد شهدت طرق البلقان الغربي والبحر الأبيض المتوسط انخفاضًا في
عدد العابرين، بينما زادت الأعداد عبر غرب إفريقيا والحدود الشرقية للاتحاد، خاصة
مع بولندا ودول البلطيق.
ويزيد صعود اليمين المتطرف في بعض الدول
الأوروبية، إلى جانب الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الاتحاد، من الضغط على
الحكومات، مما يدفعها إلى تبني قوانين متشددة قد تبدو بعيدة عن المسؤولية
الإنسانية، وتركز على مكافحة اللاجئين بدلاً من معالجة أسباب لجوئهم، مثل الحروب،
والديكتاتوريات، والكوارث الطبيعية، والمجاعات. ينبغي لمن يحاربون اللاجئين أن
يدركوا أن تجاهل الأسباب الحقيقية للجوء يشبه محاولة محاربة طواحين الهواء.
وصلت الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى السلطة
باستغلال مخاوف المواطنين وإثارة الهلع بشأن اللاجئين والمغتربين، وهي على استعداد
لوصف دول مثل سوريا بأنها "آمنة"، متجاهلة أن الأمن لا يقتصر على غياب
الاعتقالات أو الإعدامات، بل يشمل أيضًا توفر حرية
الرأي، والديمقراطية، والأمن
الغذائي، والطبي، والاجتماعي.
ما يزيد الوضع تعقيدًا هو عدم استعداد بعض
الحكومات الأوروبية لتحمل نصيبها من أعداد اللاجئين، إضافة إلى التفاوت الكبير في
تطبيق قوانين الهجرة بين الدول الأعضاء. هذا التباين يجعل سياسة الهجرة في
أوروبا
بمثابة قنبلة موقوتة لا أحد يعلم متى ستنفجر، وقد تهدد ما بناه الآباء المؤسسون
للاتحاد الأوروبي الذين حلموا ببناء اتحاد يُطلق عليه: الولايات المتحدة الأوروبية.
*نائب ألماني
سابق