ماذا عن تذكرة السفر المضاعفة؟
لم يبين الديوان الوطني كيف قوم سعر التذكرة
الخاصة بالحج في تعاقده مع شركات الطيران ولا كيف أدار الكلفة المالية المدفوعة
لبنك
الجزائر. ولولا أن البنك قسم المبلغ المدفوع إلى قسمين، أربع وستين مليون
سنتيم لمصاريف الإيواء والإعاشة والتنقلات داخل المملكة العربية السعودية، وسبعة
عشر مليون سنتيم سعرا لتذكرة السفر، نعم سبعة عشر مليونا لقاء رحلة واحدة ذهابا
وإيابا، بين الجزائر وجدة أو بين الجزائر والمدينة المنورة. في حين يدفع السائح
نصف هذا المبلغ تقريبا للرحلة المتوجهة من الجزائر إلى دبي ذهابا وإيابا وهي أطول.
وفي تفسير هذا "التضخيم" غير
المبرر لتكلفة النقل الجوي، اتضح أن الخطوط الجوية الجزائرية وغيرها من الخطوط
العاملة على نقل الحجاج الميامين من الجزائر إلى الأراضي المقدسة تحمّل المسافرين،
من دون علمهم، دفع كلفة المقاعد الفارغة حينما تكون الطائرة عائدة بلا ركاب من
المملكة في رحلة الذهاب، وكلفتها حينما تكون ذاهبة بلا ركاب لجلب الحجاج إلى وطنهم
في رحلة الإياب؛ إنها تجارة رابحة جدا تدر على أصحابها مالا كثيرا، ولا ترى من
الديوان المنصب نفسه وكيلا عن الحجاج في التوقيع على دفتر شروط هكذا حاله أي دفاع
عمن توكل عنهم أو بيان.
واقع المرافقين للبعثة
بعد منتصف ليل يوم التروية، دق أبواب غرف
الحجاج النائمين في الفنادق مرشدون، سلموهم تذاكر الطعام طيلة الأيام الستة
القادمة، وأخبروهم بأن عليهم أن يتجهزوا للانتقال إلى عرفات مباشرة من الفندق غدا،
من دون المكوث في منى. لقد قرر القائمون على البعثة، تسهيلا لأداء مهامهم، ترك سنة
المكوث ليلة التاسع من ذي الحجة بمنى، كما أسقطوا سنة المكوث بالمشعر الحرام بعد
النفرة من عرفات. نعم لقد حدثت فوضى في توزيع الراحلين إلى عرفات على مركبات فخمة
مكيفة صباح يوم التروية، في الثامن من ذي الحجة، وتركت الأمور للفوضى تدفع بها، فحدث
إرباك شديد، وحيل بين النساء وذوي الأعذار وبين مرافقيهم. ثم حطت المراكب الرحال
بهم في مخيمات عرفات المكتظة، وهم لا يزالون على تلك الحال من التشتت والمعاناة،
وأضاع الكثير من الناس أوقاتا ثمينة يبحث بعضهم فيها عن بعض طوال ذلك اليوم
المبارك، وكأنهم في أمر مريج، عوض السكينة والوقار، واغتنام أنفس الأوقات بالذكر
والاستغفار.
يمنّى الحجاج المتذمرون من خدمات التوجيه
والإرشاد المرافقة للبعثة، التي اختفى معظم المكلفين بها ساعة وصولهم إلى البقاع
المقدسة كأنما الأرض قد ابتلعتهم، بأن هنالك مراقبين يلاحقون عمل المرشدين،
وسيخبرون المسؤولين بهذه التجاوزات. إنها ذهنية البيروقراطيين الذين لا يتقنون غير
التسويف.
لقد أزرى واقع الحال هذا بأكثر الحجاج، فتراهم كمن ينتظر طحنا من رحى
تدور بلا نتيجة ترتجى؛ فيسلم الجميع أمره لله بعد يأس، ويسلمون بالقول إن مشكلة
الفوضى التي باتت تتكرر في كل موسم مردها إلى النظام السياسي غير القادر على تنظيم
الحج كما يلزم، وما يلاقيه الناس من معاناة في كل سنة ما هو إلا صورة عما في
دواليب الحكم من أداء مترد ميؤوس من إصلاحه.
يمنّى الحجاج المتذمرون من خدمات التوجيه والإرشاد المرافقة للبعثة، التي اختفى معظم المكلفين بها ساعة وصولهم إلى البقاع المقدسة كأنما الأرض قد ابتلعتهم، بأن هنالك مراقبين يلاحقون عمل المرشدين، وسيخبرون المسؤولين بهذه التجاوزات. إنها ذهنية البيروقراطيين الذين لا يتقنون غير التسويف.
ومرشدون آخرون استغلوا حاجة المعذورين من
المرضى وكبار السن إلى من ينوب عنهم في أداء المناسك، فاتخذوا منها فرصة للتربح
طوال موسم الحج، متخلّين عن مهامهم الرسمية التي كلفهم الديوان الوطني بها. علما
بأن جل هؤلاء العجزة لا يميزون بين الأوراق النقدية السعودية، ما أوقعهم فريسة
سهلة للاحتيال على أطهر بقعة على وجه البسيطة.
لا ريب أن أمثال هؤلاء الأشخاص المحتالين لم
ييمموا شطر المسجد الحرام لأداء شعيرة تعبدية كبرى مشروعة مرة في العمر، وهم
يحملون أوزار موظفين قد اعتادوا أن يسرقوا من أوقات عملهم ومما في أيديهم من
أمانات. إنه لا يستحي من الله تعالى من كان هذا طبعه أن يكون محمله ومطعمه ومشربه
ومأواه على كاهل هؤلاء الحجاج الذين ضيعهم، ثم يقتص له الديوان ولأمثاله مكافأة
إضافية، علاوة على
تكاليف حجه، قدروها بنصف ما دفع حاج لقاء حجه. إنه نموذج سيئ
للغاية عن وصي "شرعي" لا يقوم على حفظ الأمانة كما يجب.
حاجة المرافقين إلى تأهيل
لا تعجز إدارة الديوان عن زيادة المرشدين
ليكونوا أكثر عددا وعدة وجودة، فالعدد اليسير المخصص لمرافقة أربعين ألف حاج وحاجة
غير كاف بتاتا، فما تصنع بضع مئات بأربعين ألفا ونيف؟ ومن الأفضل أن يحدد عددهم
بمرشد أو مرشدة لكل خمسين حاجا، الخمسون هو عدد ما تقله الحافلة، وهو سقف مقبول
لمن يوجه ويعلم. على أن يكون المرشد مسؤولا عن كل فرد منهم وله اتصال وثيق به
أينما تقلب في المشاعر أو تنقل، ويمكن للمرشد أن يجتهد في تقسيمهم أثناء أداء
المناسك وفي الزيارات. ولست أدري لم لا ينتدب مرشدون من جمعيات خيرية حسنة السمعة،
كالكشافة الإسلامية وجمعيات كافل اليتيم وابن السبيل؟ فكثير منهم يرضى بأن يؤدي
عملا كهذا لقاء حجة مبرورة يظفر بها إن شاء الله فحسب.
لكل خمسين حاج مرشد أو مرشدة، ولكل ألف
طاقم من الحماية المدنية ومن الأطباء والممرضين مع تجهيزات طبية كافية للإسعافات
الأولية وبعض العمليات الجراحية الخفيفة، ولا يحبذ أن يترك الناس متدافعين على
أبواب المستوصفات السعودية يستجدون العلاج كالمتسولين. إن الحاجة ماسة إلى انتداب
المنظمين المتطوعين من الجمعيات الخيرية ومن الشرطة المدربة على العمل بين
المخيمات وفي الطرقات المجاورة لها، على أن يحملوا شارات خاصة واضحة للعيان. علما
بأن معظم المرشدين ألقوا عنهم السترات الصفر التي استودعهم الديوان إياها، لأنها
شارة بينة يتعرف الحجاج على حامليها بسهولة ويسر، ما سبب للمرشدين ضغطا هم في غنى
عنه، فلجأ معظمهم إلى نزعها والتماهي بلباس معتاد بين الحجيج.
تأهيل المرشدين أخلاقيا وتنظيميا من الأهمية
بمكان، خاصة في مجال عملهم كالحماية المدنية والطبابة والتوجيه والفتوى، فالموظف
الرسمي اعتاد على التسيب واللامبالاة وتضييع الأمانة، وينقل أكثر هؤلاء هذه الطباع
المنكرة معهم إلى البقاع المقدسة، ويعودون إلى بلدهم فرحين بالمبالغ المالية التي
تقاضوها وبحجة الله أعلم بقبولها، غير مبالين بما خانوا أثناءها وبما قصروا. وحدث
أن أحد المكلفين بالفتوى، لا أظنه يعلم غير الذي حفظه من فروع فقهية في الحج، كان
يداوم في الطابق السفلي بالفندق، يتلهى بالكلام مع أفراد من البعثة وأحيانا يجيب
عن أسئلة من يسأل، كنت قد التقيت به على مائدة الفطور صباحا، فأثار أحد الطاعمين
موضوعا توجهت به إلى هذا الإمام المنشغل بطلاء خبزه بزبدة ومربى، فأجابني بأنه لا
يرد على الأسئلة وهو يفطر، ولمن يريد جوابا عليه يأتيه في تمام الساعة الفلانية
بالقاعة السفلية! ثم أقبل الرجل على طعامه وشرابه معرضا عمن يجالسه.
عموم الأمة بخير
إنه واتباعا لسبيل المؤمنين، يجدر بالديوان
ألا يسمح للمرشدين الذين يحملون أفكارا هدامة أن يعملوا ضمن البعثة، حتى لدى
الوكالات الخاصة التي تتخير مرافقيها، لما في سلوك هؤلاء من نشاز يشوه انسجام
البعثات، التي تتخذ مذهب إمام دار الهجرة طريقة في التعبد. أقول هذا لأنني لاحظت
بلبلة في تعدد الفتوى واختلافا في الرؤى، كان يتأتى أسوؤها من تلكم الفئة المتنطعة
التي عنيت. لا تنتشر النسخ المشوهة من التيار الذي يدعي السير على خطى السلف في
عموم الأمة، ما تراه على القادمين من بقاع الأرض قاطبة هو الاعتدال في التدين
والانشغال بالطاعات على أتم وجه وأكمله.
إن مظاهر الرجال والنساء ليس فيها ما ينكر،
خاصة الآسيويين منهم. فيمكننا القول إذن بأن المجتمعات المسلمة التي انتشرت فيها
أفكار التنطع والتطرف لم يكن أمرها عفويا، وإنما استهدفت بذلك عن قصد وترصد؛ ولعل
الغاية من ذلك محاربة الإسلام الأصيل المنوّر بـ"إسلام" مصنع تصنيعا في
الغرف المظلمة مشوّه، مستغلين جهل الناس بتراثهم الديني المعتدل لزرع تدين بديل
يهتم بمظاهر مغشوشة، ليدفع المنشغلين بها إلى معارك وهمية يصادمون بها قومهم من
أجل فتنة عمياء لعن الله من يسعى لإثارتها. ووراء ذلك كله دول الكفر تغذي لهيب
الفتنة، ولا تمانع أبدا من أن يجاورها مسلم مدجن لا يميز، ولا يتخذ من روحها
الصليبية الحاقدة ومن دعمها للصهيونية المجرمة أي مواقف مناهضة.