بدأ العام الدراسي الجديد في
تركيا صباح الاثنين الماضي، وكان الدرس الأول
في جميع
المدارس يحمل عنوان "الدفاع عن الوطن من تشاناق قلعة إلى غزة"،
لترسيخ روح الاستقلالية وحب الوطن في نفوس الطلاب. ولفت وزير
التعليم التركي، يوسف
تكين، في تعميمه، إلى قتال جنود مسلمين من القدس وغزة في معركة تشاناق قلعة عام
1915 إلى جانب الجنود الأتراك، مشيرا إلى أن أحفاد هؤلاء الأبطال لا يجدون اليوم
فرصة للتعليم بسبب الظلم الذي يتعرضون له، وأن هذا الوضع يُحزن الطلاب الأتراك
وأفراد المجتمع التركي الآخرين الذين يدافعون عن وطنهم وشعبهم بمشاعر الحب
والانتماء، إلى جانب فهمهم لتاريخهم وتراثهم الثقافي ووعيهم بوجوب القيام
بمسؤوليتهم الاجتماعية.
هذا الدرس الأول في أول حصة للعام الدراسي الجديد، يأتي ضمن برنامج "عصر
تركيا نموذج المعارف" الذي يبدأ تطبيقه هذا العام الدراسي في كافة المدارس
الابتدائية والمتوسطة والثانوية التركية. ووفقا لوزارة التعليم التركية، هو برنامج
تعليمي يهدف إلى تحسين
المناهج الدراسية، وتعزيز دور المدرس، ويهتم بجميع جوانب
الإنسان العقلية والروحية والبدنيّة والاجتماعية والمعنوية بشكل متكامل،
الخطوة التي تقدمت بها وزارة التعليم التركية ضرورية من أجل بناء مستقبل الوطن وحمايته، إلا أنها تزعج أطرافا تريد أن تنقطع روابط الطلاب بحقائق تاريخهم وثقافة أجدادهم من السلاجقة والعثمانيين، كي يبقوا أمام رياح التغريب والعولمة بلا جذور، ويشرّبوا في قلوبهم الثقافة الغربية، كما تريد تلك الأطراف أن تنقطع علاقات الشعب التركي مع الشعوب العربية والإسلامية
ويسعى إلى
بناء شخصيات وطنية فوق جميع الأيديولوجيات لبناء مجتمع يتكون من تلك الشخصيات التي
تعمل لإعمار البلاد، وتحمي القيم الوطنية والمعنوية وتُجلها، كما تحتضن القيم
الإنسانية.
البرنامج التعليمي الجديد يهدف أيضا لنقل الطلاب من مجرد حفظ المناهج مثل
الببغاء إلى فهمها وتطبيقها، وتعزيز ثقافة النقد والتساؤل والتفكير لديهم، ودفعهم
إلى المشاركة الفعّالة في الدروس، بالإضافة إلى ترسيخ المبادئ والقيم والفضائل
والأخلاق في نفوسهم، كي لا تنسلخ الأجيال الناشئة من هويتها الدينية والوطنية، ولا
تضيع في عالم تتعرض فيه لهجمات كثيفة تأتي معظمها عبر الأفلام والمسلسلات والألعاب
الالكترونية ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الحديثة. ومن المؤكد أن هذه خطوة
موفقة في الاتجاه الصحيح، ولو كانت متأخرة.
الخطوة التي تقدمت بها وزارة التعليم التركية ضرورية من أجل بناء مستقبل
الوطن وحمايته، إلا أنها تزعج أطرافا تريد أن تنقطع روابط الطلاب بحقائق تاريخهم
وثقافة أجدادهم من السلاجقة والعثمانيين، كي يبقوا أمام رياح التغريب والعولمة بلا
جذور، ويشرّبوا في قلوبهم الثقافة الغربية، كما تريد تلك الأطراف أن تنقطع علاقات
الشعب التركي مع الشعوب العربية والإسلامية. وتزعج أيضا هؤلاء الذين لا يريدون أن
يرتقي الشباب التركي من طبقة المستهلكين إلى طبقة المنتجين والمبتكرين.
جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك "توسياد" انتقدت برنامج
"نموذج المعارف"، وقالت في بيان إن المناهج الدراسية التي لا تراعي
مبادئ الجمهورية المبنية على العقل والعلم، ولا تراعي المعايير العلمية والتعليمية
الحديثة، لا يمكن أن تسهم في بناء مستقبل الأطفال وتحقيق الأهداف التنموية. وصرح
رئيس مجلس شورى الجمعية، عمر آراس، أن البرنامج يفتقر إلى القدرة على إعداد البلاد
للمستقبل، مضيفا أن النظام التعليمي يجب أن يخرِّج شبابا مؤهلين بدلا من خريجي
جامعات لا يملكون أي كفاءة مطلوبة.
وزير التعليم التركي، يوسف تكين، في رده على انتقاد توسياد، وجَّه إلى
أعضاء الجمعية أسئلة حول أسباب انزعاجهم من البرنامج التعليمي الجديد، وقال:
"هل أزعجكم تخفيف عبء الطلاب والمدرسين، أم انتقالنا إلى نظام تعليمي يركز
على تنمية مواهب الطلاب ومهاراتهم؟ هل أزعجكم أن يهدف البرنامج إلى تخريج شباب
رحماء وفضلاء يحترمون من حولهم ويستوعبون القيم الوطنية والمعنوية، أم تدريس
التاريخ من بداية تأسيس الدولة العثمانية حتى اليوم بما فيه أحداث محاولات
الانقلاب التي أدت إلى اغتصاب الإرادة الشعبية وتراجع الديمقراطية في تركيا؟ هل
أزعجكم تدريس مفاهيم مثل الوطن الأزرق في مادة الجغرافيا ولفت انتباه الطلاب إلى
ما بلغت إليه بلادنا في مجال الصناعات الدفاعية، أم أن نهدف إلى تدريب الطلاب على
مهارات ومؤهلات يحتاج إليها عالم الأعمال؟
تشن الأطراف المنزعجة من البرنامج التعليمي الجديد حملات عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لتشويه سمعته ودفعه إلى الاستقالة من أجل عرقلة تطبيق البرنامج
أسئلة الوزير التركي هذه استنكارية أكثر من كونها استفسارية، ومن المؤكد
أنه يعرف، كما يعرف كل من يتابع مواقف توسياد وبياناتها، ما الذي أزعج أعضاء
الجمعية التي سبق أن أيدت محاربة الحجاب بحجة الحفاظ على مبدأ العلمانية، ودعمت
القوى الانقلابية التي فرضت وصايتها على الإرادة الشعبية. ويعترض هؤلاء على تدريس
الثقافة الوطنية والإسلامية بدلا من الثقافة الغربية التي يدّعون بأنها هي فقط
متوافقة مع العقل والعلم، كما ينزعجون من احتواء المناهج الدراسية على القيم الوطنية
والفضائل الإسلامية، ويرون أن التعليم يجب أن يبقى على مسافة واحدة من كافة المذاهب
والأديان.
الوزير يوسف تكين يقود اليوم معركة في غاية الأهمية بدعم كامل من رئيس
الجمهورية رجب طيب أردوغان، وتشن الأطراف المنزعجة من البرنامج التعليمي الجديد
حملات عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لتشويه سمعته ودفعه إلى
الاستقالة من أجل عرقلة تطبيق البرنامج. ومن المعلوم أن أي برنامج تعليمي يحتاج
إلى وقت ليؤتي أُكله بعد حين، ما يعني أن نجاح "نموذج المعارف" مرتبط
بفوز مرشح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة كيلا تأتي المعارضة لتهدم
ما بني وتقلب المناهج الدراسية رأسا على عقب.
x.com/ismail_yasa