الدعم النادر في خريطة العلاقات الدولية، الذي يجعل واشنطن تلتزم بدعم إسرائيل لما يزيد عن سبعة عقود لن يتغير في حرب الإبادة التي تتالت فيها مجازر كيان
الاحتلال في حق المدنيين الهاربين من هول الحرب والقصف والدمار، ولا يجدون مكانا يُعتقد أنه للجوء الإنساني إلا ويقصف. بما يعني أنّ العمل العسكريّ هو فوق الاعتبارات الإنسانيّة بالنسبة لنتنياهو الذي يماطل في
صفقة التبادل، ولا يجد حلا سوى ارتكاب مجزرة جديدة بتعلات كاذبة عن وجود قادة المقاومة بين المدنيين.
حكومة مرتبكة، تعيش صراعات كالتي يقودها
نتنياهو تخشى الدخول في حرب مع حزب الله، الذي اكتسب ما يكفي من القدرات العسكرية والبراعة التكنولوجية والأسلحة الدقيقة، ليشكل تهديدا استراتيجيا لإسرائيل.
هذا واضح تماما مثلما أنّ إدارة
بايدن لديها أيضا مخاوف بشأن كيفية انتشار مثل هذا الصراع في لبنان، لو حدث واشتعلت الجبهة الشمالية، إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، ما قد يؤدي إلى خطر نشوب حرب إقليمية تشمل إيران.
اقرأ أيضا:
نتنياهو ومرحلة مراهقة سياسية لا تنتهي
الإدارة الأمريكية التي تقف ظهيرا لتل أبيب منذ بداية الحرب، عاجزة عن فرض خطوط حمر على إسرائيل.
لم يكن ذلك متاحا في أي وقت، وهو أمر صعب للغاية بالنسبة لهذه الإدارة التي يقودها بايدن في الظاهر على الأقل. ليس فقط لأن إسرائيل تبدو وكأنها تتلاعب بواشنطن منذ مدة، بل لأنها تضع الولايات المتحدة أمام الأمر الواقع بدلا من تنسيق استراتيجياتها مع داعمها المالي الرئيسي، وأكبر المزودين لها بالسلاح، الذي يفتك بالمدنيين في
غزة في مجازر متواصلة.
وقد تدفعها الضرورة وجنون رئيس حكومة متطرفة، أن تدعم كيان الاحتلال في جبهة أخرى أصعب وأشرس من مستنقع غزة، وهو جنوب لبنان، الذي سيضع الاستراتيجيات الأمنية للولايات المتحدة في المنطقة بشكل عام في خطر. وربما مفصلية الانتخابات الأمريكية هي اللحظة المناسبة لنتنياهو، لكي يضع وكالات صنع القرار في واشنطن أمام الأمر الواقع، دون انتظار الرئيس الجديد.
يتحفظ المؤيدون لسياسة ضبط النفس على منح أي دولة أجنبية دعما غير مشروط، ويوصون بأن تحافظ الولايات المتحدة على علاقات ودية، ولكن صحيحة مع أكبر عدد ممكن من الدول، على اعتبار أنّ سياسة خارجية متسمة بضبط النفس هي أفضل طريقة للحفاظ على أمن الولايات المتحدة وازدهارها.
دعم بايدن الصارم لإسرائيل طوال الحرب في غزة، أدى إلى تقويض نفوذ البيت الأبيض لدى نتنياهو وحكومته
وقد تكون أيضا أفضل طريقة لتعزيز القيم الأساسية التي يتشاركها الواقعيون والتقدميون، ولكن دعم بايدن الصارم لإسرائيل طوال الحرب في غزة، أدى إلى تقويض نفوذ البيت الأبيض لدى نتنياهو وحكومته، وأي حديث عن خطوط حمر لم يعد يلقى آذانا صاغية في تل أبيب على الإطلاق. ويبدو أنّ رئيس حكومة الاحتلال الذي يماطل في صفقة التبادل ومباحثات الهدنة سوف يستغل فترة الانتخابات الأمريكية لإطالة الحرب.
هو يعيش حتى الآن هول الصدمة التي أحدثتها المقاومة لدى المعسكر الصهيوني، الذي ادعى قادته لعقود أن إسرائيل تمتلك قوة جبارة لا تضاهى في التقنيات والتفوق النوعي الهائل، والتي تستطيع من خلالها أن تلحق الهزيمة بأي خصم كان.
انتكاسة بايدن الإدراكية لا تقع على إسرائيل لتنعتها بالمجرمة، التي ترتكب مجازر مروعة في كل يوم بتعلة أنّ المقاومة تستخدم المدنيين دروعا بشرية يختبئ وراءها قادة المقاومة.
يبدو أنه لم يعد لنتنياهو شيء في هذه الحرب، التي فشل في تحقيق أهدافها المعلنة منذ اليوم الأول. لذلك يتصرف كالمجنون هو وقادة جيشه، وتأتي بنوك أهدافهم لتقتل عشرات المدنيين في مجازر جديدة مروعة، لا يتحرك لها مجلس الأمن، أو غيره من مؤسسات الرقابة الدولية.
انتكاسة العالم الإدراكية أمام حقوق الإنسان والعدالة الدولية المعوجة التي تخضع لازدواجية معايير
بايدن الذي يكرر كثيرا اسم بوتين وترامب، وتختلط عليه المفردات هو في الحقيقة يعكس انتكاسة العالم الإدراكية أمام حقوق الإنسان والعدالة الدولية المعوجة التي تخضع لازدواجية معايير غير مسبوقة. نفاق وازدواجية تجعله يتأثر لمقتل أطفال أوكرانيا كما يقول، ولا يأبه لأطفال فلسطين الذين يبادون منذ بداية حربه، التي يقودها مع نتنياهو ويقدم فيها الأسلحة والقنابل التي تفتك بالنساء والأطفال، وتنسف الشجر والحجر، ولا تبقي ما يشير إلى الحياة.
من أجل ماذا يتواصل هذا الحقد والإجرام؟ لا لشيء سوى الهزيمة الاستراتيجية والنفسية التي تلقّاها الكيان الصهيوني من قبل المقاومة والتزام الإدارة الأمريكية بدعم كيان وظيفي في منطقة المصالح والأجندات، يزيدها خوف رئيس حكومة الاحتلال من سيناريو اليوم التالي للحرب، الذي لن يكون في صالحه.
المحكمة الجنائية الدولية من واجبها أن تلاحق الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجريمة العدوان.
وكل هذه الجرائم قامت بها إسرائيل في حربها المستمرة على غزة المحاصرة. إسرائيل تستخدم التجويع كأسلوب من أساليب الحرب لغرض معاقبة جميع الفلسطينيين في قطاع غزة بشكل جماعي.
يُتهم نتنياهو ووزير دفاعه غالانت بالمسؤولية عن الهجمات المتعمدة ضد المدنيين، والقتل والإبادة والاضطهاد، فضلا عن جرائم حرب أخرى وجرائم ضد الإنسانية.
ويفترض أن تُصدر محكمة الجنايات مذكرات اعتقال ضدهما.
هل تم تنفيذ ما أمرت به المحكمة الدولية إسرائيل بضمان توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل، بما في ذلك الغذاء والمياه والكهرباء والوقود والمأوى والملابس ومتطلبات النظافة والصرف الصحي، فضلا عن الإمدادات الطبية والرعاية الصحية في جميع أنحاء غزة؟
ومن ثم أوامر المحكمة لإسرائيل بإنهاء هجومها العسكري على رفح في جنوب غزة على الفور. على اعتبار الوضع الإنساني الكارثي هناك، حيث لجأ إلى رفح أكثر من مليون فلسطيني نازح من أجزاء أخرى من غزة بحثا عن المأوى، وبالتالي تعريض الفلسطينيين في غزة لخطر متزايد من الإبادة الجماعية.
هذا ما قدم من قبل محكمة العدل الدولية، ولكن لا شيء يتم تنفيذه. مسؤوليات مختلفة للغاية داخل النظام القانوني الدولي، تتحملها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
وملفات عديدة تتعلق بحرب إسرائيل في غزة تختبر نطاق تلك المسؤوليات في مواجهة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية المحتملة. متى يتم تنفيذها أو البعض منها على الأقل؟ لا نعلم ولا أفق لذلك..
اقرأ أيضا:
بعد النكسة في غزة: هل سيتجه نتنياهو لضم الضفة الغربية؟
القوة المجردة وموازين القوى وتناقضات المصالح هي المعيار الذي يحكم قانون العلاقات الدولية.
المجتمع الرأسمالي يتغذى على الحروب، ونرى نتائج جشعه اليوم في النزاعات الفظيعة والحروب المدمرة. والتصورات السياسية والاستراتيجية الأمريكية الاسرائيلية التي تحقق النجاح للمشروع الصهيوني بدأت في الانحلال والتضاؤل والافتضاح الأخلاقي المريع، بعد الحرب الشرسة التي أعلنتها إسرائيل على الفلسطينيين، مستعينة بأدوات الدمار الأمريكي الفتاك.
وبفعل إنجازات المقاومة المستمرة يكتشف العالم، خاصة الدول العربية التي أنسوها العدو الحقيقي، وخلقوا لها عدوا جديدا بفعل الطائفية الدينية والأيديولوجية السياسية، الصورة الوهمية ومدى الخلل في التصور لماهية القوة الصهيونية في المنطقة.