قضايا وآراء

غزة تحت التهديد الجغرافي الإسرائيلي

فاطمة الجبوري
سيطر الاحتلال على محور فيلادلفيا- إكس
سيطر الاحتلال على محور فيلادلفيا- إكس
تتضمن خطة إسرائيل لإنشاء منطقة عازلة في غزة هدم المباني داخل منطقة يبلغ عرضها كيلومترا واحدا على طول الحدود بين غزة وما يسمى بمستوطنات الغلاف. وقد أثارت هذه المبادرة جدلا وانتقادات كبيرة، حيث إن المنطقة العازلة هذه يمكن أن تستولي بشكل فعال على حوالي 16 في المئة من أراضي غزة المحدودة بالفعل، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وربما جعل أجزاء من غزة غير صالحة للسكن.

وتتلاءم هذه المنطقة العازلة مع نمط أوسع من السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى التوسع الإقليمي وتقليص الأراضي الفلسطينية. منذ إنشائها بشكل متوحش في عام 1948، انخرطت إسرائيل في مجموعة من الأنشطة التي أدت إلى تقليص الأراضي الفلسطينية بشكل منهجي، بما في ذلك التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وضم القدس الشرقية. وغالبا ما يتم تبرير هذه الإجراءات لأسباب أمنية، ولكن كان لهذه السياسات التوسعية تأثير تراكمي يتمثل في تفتيت الأراضي الفلسطينية، مما يجعل إنشاء دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة أمرا صعبا بشكل متزايد.

وتتميز الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية بتكتيكاتها العدوانية، وفي مقدمتها التدمير المتعمد والممنهج للمناطق السكنية. ولا يؤدي هذا النهج إلى تسوية أحياء وشوارع بأكملها بالأرض فحسب، بل يغير أيضا بشكل أساسي المعالم الجغرافية لقطاع غزة. ومن خلال القيام بذلك، تهدف القوات الإسرائيلية إلى ممارسة سيطرة أكبر على أجزاء كبيرة من هذه الأراضي، وتحويلها لخدمة مصالحها الاستراتيجية.

تتلاءم هذه المنطقة العازلة مع نمط أوسع من السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى التوسع الإقليمي وتقليص الأراضي الفلسطينية. منذ إنشائها بشكل متوحش في عام 1948، انخرطت إسرائيل في مجموعة من الأنشطة التي أدت إلى تقليص الأراضي الفلسطينية بشكل منهجي، بما في ذلك التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وضم القدس الشرقية

فبالإضافة إلى 16 في المئة من أراضي القطاع التي سيتم اقتطاعها لإنشاء منطقة عازلة، سلطت وسائل إعلام إسرائيلية الضوء على محاولة الجيش الإسرائيلي السيطرة على نحو 26 في المئة من مساحة غزة. ولا يقتصر هذا الاحتلال على الاستيلاء على الأراضي فحسب، بل يتضمن أيضا تطويرا كبيرا للبنية التحتية لخدمة إسرائيل، حيث يجري تمهيد الطرق، وإنشاء قواعد عسكرية واسعة النطاق، مما يدل على مساع طويلة الأمد بالحفاظ على السيطرة على هذه المناطق. وذكرت صحيفة "هآرتس"، وهي صحيفة إسرائيلية بارزة، أن هذه الأعمال يُنظر إليها على أنها خطوة استراتيجية أقرها القادة السياسيون، مما يعكس نية استمرار الاحتلال لقطاع غزة وربما تصعيده.

فضلا عن ذلك، سيطر الجيش الإسرائيلي على ممر فيلادلفيا، وهو منطقة بالغة الأهمية، لمنع حماس من إقامة روابط مع مصر. إن تدمير المباني في هذا الممر وإنشاء ما لا يقل عن أربع قواعد عسكرية على طول ممر نتساريم يؤثر بشكل كبير على المشهد الجغرافي والعملياتي. ويقسم هذا الممر الاستراتيجي الأجزاء الشمالية والجنوبية من قطاع غزة، مما يعقد جهود التنسيق والتعبئة التي تبذلها حماس.

وبالإضافة إلى هذه الإجراءات، أقام الجيش الإسرائيلي نقاط مراقبة على طول الطريق الساحلي وقاعدة رئيسة أخرى على طريق صلاح الدين، وتوفر هذه المنشآت نقاط مراقبة استراتيجية وتعزز قدرة الجيش على مراقبة الحركة والسيطرة عليها في جميع أنحاء قطاع غزة. وتوضح هذه الإجراءات استراتيجية شاملة لا تهدف إلى تأمين الأراضي فحسب، بل تهدف أيضا إلى احتلالها بشكل دائم.

وبينما تحاول إسرائيل توسيع سيطرتها على مناطق أكبر من قطاع غزة، مرددة صدى جرائمها السابقة في القدس والضفة الغربية، يبدو أن المجتمع الدولي، وخاصة الدول العربية، يظل سلبيا، وغير مبال تقريبا بالأزمة المتفاقمة. ونحن ندرك بشكل واعٍ أهمية وقف إطلاق النار؛ ومع ذلك، يجب تسليط الضوء أيضا على مشاريع التهجير الممنهجة التي تنفذها إسرائيل، وتقليص مساحة غزة لصالح التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، ومنع السكان الفلسطينيين الأصليين من العودة إلى ديارهم. إن هذا التعدي المتواصل يهدد وجود وهوية أكثر من مليوني فلسطيني يقيمون في القطاع.

ويؤكد هذا الصراع الحاجة إلى وسطاء مثل قطر ومصر بضغط عربي إضافي لتحويل الانتباه إلى محاولات إسرائيل لتقليص حجم القطاع. ويبدو أن العرب، الذين يدافعون بقوة عن كل شبر من أراضيهم في نزاعات أخرى، يتغافلون عن الاحتلال المنهجي والسيطرة على الموارد التي تحدث في غزة.

ومن الأمثلة الصارخة على اليقظة العربية الانتقائية بشأن النزاعات الإقليمية، الخلافات الحدودية المستمرة بين الدول العربية نفسها. لنتأمل هنا النزاع الحدودي حول الجرف القاري بين ليبيا وتونس، وهو الصراع المعقد الذي أشعل شرارته احتياطيات النفط الغنية في المنطقة، حيث سعت تونس إلى الحصول على قرار من خلال محكمة العدل الدولية في أواخر السبعينيات لفرض السيادة على المنطقة الغنية بالنفط. وبالمثل، فإن النزاع على جزر الياسات بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يسلط الضوء على المنافسة الشديدة على المناطق الوفيرة بالموارد مثل النفط والشعاب المرجانية والشواطئ الرملية. فبحسب مسؤول سعودي، وافقت المملكة على نقل السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية إلى الإمارات مقابل حقوق تجارية ونقل الشركات العالمية إلى الرياض وجدة.

وبحسب وثيقة الأمم المتحدة فإن الإمارات أعلنت أنّ "محمية الياسات" تقع في المياه الإقليمية التابعة لها، مؤكدة أنها لا تعترف للسعودية بأي مناطق بحرية أو حقوق سيادية أو ولاية بعد خط الوسط الفاصل بين البحر الإقليمي لدولة الإمارات والبحر الإقليمي للسعودية المقابل لمحافظة العديد.

تنطوي الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة على نهج محسوب ومتعدد الأوجه للسيطرة على الأراضي. ومن خلال التدمير المنهجي للبنية التحتية وإنشاء قواعد عسكرية واسعة النطاق، يهدف الجيش الإسرائيلي إلى إعادة تشكيل المشهد الجغرافي والسياسي للمنطقة

وفي اتفاقية جدة عام 1974، تنازلت الإمارات عن حقها في امتلاك شاطئ طوله 50 كيلومترا يفصل بين قطر والإمارات، وجزيرة الحويسات، وحقل الشيبة النفطي الضخم الذي يمتد إلى الإمارات. ويبدو أن الإمارات تحاول إضفاء الطابع الرسمي على ملكيتها لمنطقة الياسات، وهذا كله يدلل بأن الصراعات العربية-العربية مستمرة بالنسبة للحدود والسيطرة الجغرافية وهم غير آبهة لما تتعرض له فلسطين وقطاع غزة بشكل خاص.

والمثال الأبرز على الخلاف المهم بين الدول العربية وإسرائيل والذي لم يتم التغاضي عنه أبدا؛ هو الخلاف على مزارع شبعا بين إسرائيل ولبنان وسوريا. وعلى الرغم من دعوات إسرائيل المتكررة لترسيم الحدود، على أمل ضم مزارع شبعا من خلال المفاوضات، فإن لبنان وسوريا يرفضان التنازل بإصرار.

تسلط هذه الأمثلة الضوء على عدم الاتساق في النهج الذي يتبعه العالم العربي في التعامل مع النزاعات الإقليمية، وتؤكد الحاجة إلى إعطاء الأولوية للحفاظ على سلامة أراضي غزة في أي مفاوضات. يجب أن يبقى قطاع غزة سليما، خاليا من الاحتلال أو التقليص الجغرافي. ويتعين على المجتمع الدولي، وخاصة الدول العربية، أن يكثف جهوده لمعالجة ومواجهة التهجير الاستراتيجي والمنهجي الذي تقوم به إسرائيل للفلسطينيين، بما يضمن استقرار المنطقة والحفاظ على هوية شعبها.

خلاصة القول، تنطوي الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة على نهج محسوب ومتعدد الأوجه للسيطرة على الأراضي. ومن خلال التدمير المنهجي للبنية التحتية وإنشاء قواعد عسكرية واسعة النطاق، يهدف الجيش الإسرائيلي إلى إعادة تشكيل المشهد الجغرافي والسياسي للمنطقة. وتعكس هذه الاستراتيجية هدفا أوسع يتمثل في الهيمنة على المدى الطويل وتصفية الوجود والهوية الفلسطينية في غزة.

x.com/fatimaaljubour
التعليقات (0)