الأصل هو أنَّ لكل جريمة عقابا، عاجلا
أو آجلا، عقابا من الدولة أو من النفس ذاتها باللوم والتبكيت.. "وَلَكُمْ فِي
الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ.."، الخطاب هو لأولي الألباب وليس
للمؤمنين وحسب. القصاص في الغرب، لطيف لأبنائه، قاسٍ على الغرباء، لكنه عقوبة، وإذا
لم يقتص القانون من الجاني اعتكرت النفس القاتلة، وضلّت واضطربت، كما تقول "
الجريمة
والعقاب"، رواية دستوفسكي الشهيرة، فثمة ميزان في النفس البشرية، أو في أغلب
النفوس البشرية يضطرب عند ارتكاب الجرائم.
انسحبت أمريكا من أفغانستان بعد أن
بلغ عدد جندها الأمريكيين المنتحرين كل يوم 18 جنديا، باعتراف بايدن وتصريحه بذلك!
للجريمة مكافأة لدى أقوام كثيرة، لا
ليست جائزة قتل الظالمين، التي يتقرب به الأتقياء والعادلون إلى الله، والأبطال في
الأفلام إلى قلب المشاهد، فهو قصاص، بل ثمة مكافأة على قتل الأبرياء. انظر مثلا إلى
نتنياهو، هو يقتل كل يوم بمباركة أمريكية نحو 100 فلسطيني، قربانا إلى دولته
ومنصبه. الجائزة هي البقاء على كرسي الملك، الذي يقال في النبوءات إنه ملك بني
إسرائيل الأخير.
يحتفظ الأخلاف بطبائع الأسلاف، وإن فسدوا،
فأين صبغة الظلم الأول؟
لا تغرنّك طبائع الغرب الجميلة في
الأفلام (فيلم اميستاد مثلا) والأخبار والرياضة (ضربة الجزاء يجب أن تكون صحيحة
ومراقبة بتقنية الفار)، وإلغاء حكم إعدام القتلة بالسجن المؤبد أو السجن بضع مئات
من السنين، حيث يعامل القاتل كأنه مريض يحتاج علاجا نفسيا. ليس كل القتلة سواء، فقاتلهم
مختل عقليا وإن أباد مدرسة كاملة، وقاتلنا إرهابي وإن قتل خطأ. القاتل لا يُقتل في
محاكمهم، فقد عُطل حكم الإعدام في كثير من الدول الأوروبية، لكن شعوبا بريئة كاملة تقتل،
وتباد، كما يقع الآن في غزة؛ جلّ ما يطالب به رئيس أقوى دولة في العالم هو تقليل
عدد الضحايا، وقد لاحق صحافيون متنفذين في الحكومة الأمريكية، وسألوهم عن عدد
الضحايا الفلسطينيين المباح قتلهم، فتهربوا من الجواب.
تتهم حركات المقاومة بأنها تتخذ الأبرياء
دروعا بشرية، والاتهام يُضمر القول بأن الدروع البشرية مباح قتلها! يمكن قتل مائة
طفل بريء وامرأة مقابل قتل "إرهابي" تدرع بهم! هذه قاعدة استعمارية
غربية.
توصف بلاد الغرب بأنها بلاد العدل،
وهي دول حسنة التنظيم، جيدة الإدارة، تتلطف بمجرميها كثيرا، حتى إن عمرو بن العاص أحسن
وصفهم قديما، ومدحهم بخمسة أوصاف من خبرته بهم، وما هي كذلك إلا لأن بلاد العرب
بلاد ظلم وجوع وخسف، ولا يزال في الفرنجة بعض من هذه الخصائص.
الانتخاب يمنح الرئيس المنتخب رخصة
قتل أعدائه الذين لا ينتخبون رؤساءهم، لذلك يحق لنتنياهو المنتخب ما لا يحق لغيره.
هو الوحيد المنتخب في الشرق الأوسط، الرؤساء الباقون منتخبون بالتزوير. الديمقراطي
يحق له ما لا يحق لغير الديمقراطي.
هناك قانون غير معلن يقول في
السياسة الغربية: الجريمة تورث للأقارب والجيران ولكل الشعب وكل الأمة.
خذ مثال ارتكاب أفغاني جريمة قتل شرطي
ألماني حاول فصل متخاصمين ألماني وأفغاني، شتم الألماني دين الأفغاني وسخر به،
فقتل الأفغاني الشرطي، يقال إنه قتله غضبا أو خطأ، فوصم كل الأفغان إعلاميا بالقتل،
أو ارتاعوا من الشبهة فمكثوا في بيوتهم هلعا.
لا يزال السوري منبوذا في العالم، هو
شرير العالم الجديد، وكلما ارتكب سوري من أصل عدة ملايين مهاجرين جرما، توارى
السوريون خوفا من الشبهة التي ستلحق بهم.
ارتكب أفغاني جريمة اغتصاب، فتوجس
الأفغان خيفة، وأغلق اللاجئون أبوابهم. يحتلك الخوف في تركيا أكثر بكثير من أشد
الدول الغربية تطرفا وعداء للاجئين. المدافعون عن حكم حزب العدالة والتنمية يقولون
إن الدولة الأتاتوركية لا تزال تحكم، بل ثمة تحليلات تقول إنَّ الانقلاب ضد أردوغان
نجح، أو لم يفشل. وأصل
العنصرية التركية كائن في مناهج التدريس الرسمية التي تعادي
العثمانية، وتسخر بها، والمسلسلات تهزأ من السلاطين العثمانيين الذين بنوا مجد
تركيا القديم، ومن العرب الذين خانوا الترك، لنذكر مثالا أشهر على توزير الوازرة
وزر أخرى:
مثال ضرب البرجين في نيويورك؛ أنَّ عصبة
مكونة من 19عربيا، منهم 15 سعوديا وإماراتيان ولبناني ومصري ارتكبت الجريمة بطائرتين،
فانتقم الأمريكان من أفغانستان! لأنَّ فيها أسامة بن لادن، الذي شمت بأمريكا أو
نسبه العملية إلى نفسه، فدُمرت أفغانستان وليس بين الضاربين أفغاني واحد!
غُزي العراق بذريعة الأسلحة الكيماوية
التي لا يحق له حيازتها، فهذا سلاح الأقوياء، وظهر كولن باول وهو يرفع أنبوبة مغلقة،
زعم أن فيها أسلحة كيماوية جرثومية، كأننا في فيلم هندي، أو فيلم من أفلام التيك توك،
فقتلوا نصف مليون عراقي ودمروا عشرات المدن ونبهوا ثروات العراق.
ثمة مثال غير كل هذه الأمثلة، أعم وأشمل،
وهو مثال قارة أمريكا، التي غُزيت من غير أن يرتكب أحد جريمة ضد الغرب، ولم يكن
فيها أسامة بن لادن، ولم يدمر هندي أحمر البرجين، أو حتى يستظل بظلهما، ولم يكن
فيها أسلحة محرمة بل لم يكن فيها سوى أسلحة بدائية، هي السهام والرماح والمطارق
والفؤوس، فأبيد الشعب عن بكرة أبيه وأمه!
لا يغرنكم مشهد القاضي الأمريكي إيطالي
الأصل، فرانك كابريو، الذي اكتسب في السنوات الأخيرة شهرة عالمية بعد ظهوره في
البرنامج التلفزيوني "Caught in
Providence" الذي
ينتجه شقيقه جو كابريو، والذي جرى ترشيحه لجائزة "داي تايم إيمي" سنة 2021،
مع انتشار مقاطع فيديو له على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهره في محاكمات وصفت
بالرأفة والرحمة والطرافة، والتماس العذر للمتهمين، حتى لقب بـ"القاضي
الرحيم" لمواقفه
الإنسانية وانحيازه للضعفاء والمهاجرين. أقصى غراماته لم تجاوز
المائة دولار، وهي أجرة نصف يوم في أمريكا، أو يوم كامل. إنه القاضي الذي حول
العدالة إلى فرجة ودعاية أمريكية!
الجرائم التي يرتكبها مسلمون إرهابية،
أما الجرائم الغربية فمرتكبها مختل، وحيد. وأصل "الجريمة والثواب"
القديم هو في صلب المسيح حسب الرواية الغربية، المسيح الذي صُلب ظلما "ابن
الله الوحيد". حُمّل أحفاد اليهود قرونا ذنب "قتله"، ولا شأن لهم بها
أن كان أجدادهم ارتكبوها، ثم خطر لكهنة المؤمنين بالمسيح أن يغفروا لهم ذنبهم،
وذنب الذين صلبوه أيضا!
لقد خلطنا الترك بالفرنجة، وسبب ذلك
أن الدولة التركية الحديثة دولة إفرنجية، يحاول حزب العدالة والتنمية عثمنتها من
غير نجاح. وليس المراد انتقاد اعتقاد ملة المسيحية، فما يحكمنا هي قاعدة: لكم
دينكم ولي دين، لكن تحول المعتقد إلى محاكمة جنائية، باتهام أجيال وتبرئة أجيال
أمر محله القضاء وليس الدين.
وليست الحروب الصليبية الماثلة
ببعيدة عن الأذهان، وقد غُزيت بلاد المسلمين بتهمة انتهاك قبر المسيح عليه السلام،
وليس له قبر معلوم أو حتى غير معلوم، فقد رفع المسيح عليه السلام عند المسلمين، وعاد
حيا عند النصارى في اليوم الثالث. هذا أصل توريث الجريمة في الغرب وتعميمها جريمة
الفرد على الجماعة، وتوريثها لأبناء المتهم وجميع الأهل والأقارب كما لو أن
الجريمة أغنية في برنامج ما يطلبه الجمهور.
الغرب يعمم جناية الفرد اللاجئ على
قومه جميعا، والغرب بلاد الفرد والفردية، فردية غربية وتعميم شرقي، بل يمكن أن
ندعي أن فردية الغربي مقتبسة من فردية السيد المسيح في سيرته؛ ولادته، صلبه من غير
نصير، عزوبته، وحشته، حتى أمه ليس لها في الإنجيل ذكر كبير.
x.com/OmarImaromar