صحافة دولية

لماذا يحتفي العالم بالشباب ويعطي مفاتيح السلطة السياسية للقادة المسنين؟

في أمريكا يتنافس عجوزان على السلطة- جيتي
في أمريكا يتنافس عجوزان على السلطة- جيتي
نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرًا تحدثت فيه عن الأسباب وراء بقاء الأفكار القديمة والأشخاص المسنين في السلطة.

وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن بلوتارخ، المؤرخ والفيلسوف اليوناني في القرن الأول، كتب وهو يفكر: "هل يجب على الرجل العجوز أن ينخرط في السياسة؟ فعندما تواجه الدول صعوبات فإنها تتوق لحكم الرجال الأكبر سنًا. لقد كان يُعتقد أن كبار السن فقط يملكون الحكمة التي تُمنح بفضل العمر، والهدوء الذي يأتي مع التجربة". وأضاف أن "الدولة التي تتخلى عن الرجال المسنين دائمًا يجب بالضرورة أن تكون مليئة بالشباب الذين يتعطشون للشهرة والسلطة لكنهم لا يمتلكون عقلية سياسية".

وتساءلت الصحيفة: ما الذي كان بلوتارخ سيقوله عن الأداء البائس لجون بايدن في المناظرة الشهر الماضي مع دونالد ترامب وإصراره على البقاء مرشحا ديمقراطيا في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في تشرين الثاني/ نوفمبر؟ لقد اعترف بلوتارخ بأن الرجال المسنين قد يكونون ضعفاء لكنه كان يصر على أن "الشر الناجم عن ضعفهم الجسدي ليس كبيرًا مثل الميزة التي يمتلكونها في حذرهم وتقواهم".

اظهار أخبار متعلقة


وبغض النظر عن الأفكار التي يحملها عن بايدن، ربما كان بلوتارخ سيتعرف على بعض جوانب العالم السياسي المعاصر. فلا يقتصر الأمر على حقيقة أن الرجلين اللذين يترشحان لمنصب الرئيس الأمريكي يبلغان من العمر 81 و78 سنة فحسب، بل إن المشرعين الأمريكيين أيضًا أصبحوا في مرحلة الشيخوخة؛ حيث يبلغ متوسط العمر في مجلس النواب 58 سنة و65 سنة في مجلس الشيوخ، وأكثر من ثلث أعضاء مجلس الشيوخ يزيد عمرهم على الـ 70 سنة.

ولا يقتصر الأمر على الولايات المتحدة فقط، إذ يبلغ فلاديمير بوتين من العمر 71 سنة وكذلك شي جين بينغ، كما يبلغ ناريندرا مودي في الهند 73 سنة، ونظيره الباكستاني شهباز شريف أصغر منه بسنة واحدة، وشيخة حسينة في بنغلاديش أكبر منه بثلاثة سنوات. ويبلغ بنيامين نتنياهو 74 سنة، بينما يبلغ عمر زعيم السلطة الفلسطينية محمود عباس 88 سنة، والمرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي 85 سنة. ويبلغ عمر أقدم زعيم حالي في العالم 91 سنة، وهو رئيس الكاميرون بول بيا، أي أكبر بعقد كامل من بايدن.

وأفادت الصحيفة أننا نحن نعيش في مجتمعات تحتفي بالشباب وثقافة الشباب ومع ذلك فإنها تعطي مفاتيح السلطة السياسية للقادة المسنين.

وذكرت الصحيفة أن هناك بعض القادة الشبان حول العالم، إذ يعتبر رئيس الوزراء الفرنسي غبريال أتال الأصغر على الساحة العالمية بعمر 35 سنة، ومع ذلك فإن الاتجاه نحو "حكم المسنين" هو سمة لافتة للنظر في العالم المعاصر.

ووفق الصحيفة؛ لاحظ المؤرخ والفيلسوف الأمريكي صامويل موين أنه "لم يكن من المفترض أن تسير الأمور على هذا النحو. ففي العالم ما قبل الحديث، كان احترام المسنين جزءًا من النسيج الاجتماعي ووسيلة للحفاظ على النظام والانضباط الاجتماعيين".

وبدا أن قدوم الحداثة غير الوضع الاجتماعي للمسنين؛ حيث يقول موين إنه "عند ولادة الحداثة السياسية، استهدف الثوار الفرنسيون، عند الإطاحة بالنظام القديم، تمكين المسنين بشكل صريح، محاولين "ليس فقط الإطاحة بالأرستقراطيين باسم عامة الناس والآباء باسم الأبناء، بل بشكل أوسع بهدف الاستخفاف بالالتزامات القديمة بحكم المسنين لصالح الأغلبية الشابة". ولكن مع مرور الزمن، تمت استعادة "سلطة الشيوخ" وتم إحباط "التطلعات الشبابية".

وذكرت الصحيفة أن المفارقة في المجتمعات المعاصرة، خاصة في الغرب، هي أنه في نفس الوقت الذي يتمتع فيه المسنون بفهم عميق للسلطة السياسية، فإنه غالبا ما يتم تجاهل المسنين ويفتقرون إلى الدعم في مجتمعاتنا الأكثر تحللًا وفردانية؛ حيث تكون الشبكات الاجتماعية التي كانت توفر الدعم قد تضررت بشكل كبير. وتكمن المفارقة أيضًا في أننا نعيش في مجتمعات تحتفي بالشباب وثقافة الشباب ومع ذلك تعطي مفاتيح السلطة السياسية لزعماء مسنين.

وبحسب الصحيفة؛ فإن هذه المفارقات تنشأ لأن حكم المسنين الحديث هو نتاج مجتمعات يتم فيها تراكم السلطة والثروة داخل عائلات معينة وداخل فئة معينة، وفيها يتم تصميم الأنظمة السياسية المتصلبة لتقليل الاضطرابات من الخارجين على النظام.

وفي كتابهما الذي سيصدر قريبًا بعنوان "وُلدوا للحكم: صناعة وإعادة صناعة النخبة البريطانية"، يلاحظ عالمي الاجتماع آرون ريفز وسام فريدمان أنه بالرغم من كل الحديث عن تحول النخب و"نخب جديدة"، إلا أن النظام الحاكم يعيد إنتاج نفسه بنفس الطريقة التي كان يفعلها قبل قرن من الزمان، وأن هناك الكثير من "الاستمرارية عندما يتعلق الأمر بمن يكون في النخبة وكيف يصل إلى هناك". ومن المؤكد أن جماعات اجتماعية جديدة – النساء والأقليات العرقية بشكل خاص – قد طالبت بامتيازات الطبقات العليا في بريطانيا. لكن ريفز وفريدمان يشيران إلى أن الأشخاص المولودين ضمن شريحة أعلى 1 بالمئة من السكان هم غالبًا ما يدخلون النخبة اليوم كما كان الحال قبل 125 سنة. وتشكل نفس العائلات والمدارس والمؤسسات الطبقات الحاكمة في البلاد. وذلك حتمًا يجعل المسنين الذين يتمتعون بالفعل بالثروة والقوة يمتلكون مزايا كبيرة.

في الوقت ذاته، تطورت الأنظمة السياسية التي نشأت لتحقيق التحول الديمقراطي لتصبح هياكل يتم فيها تقدير الاستقرار قبل كل شيء، والتي تهدف إلى تقليل الاضطرابات السياسية.

اظهار أخبار متعلقة


لا يزال خوف بلوتارخ من أن الشباب الهائجين "سيندفعون بتهور في الشؤون العامة، ويجرون الغوغاء معهم في حالة من الفوضى مثل البحر الهائج"؛ يطارد الكثيرين على الرغم من أن الخوف اليوم لا يتعلق بالشباب بقدر ما يتعلق "بالقادة الشعبويين". كما أن محاولات التقليل من الاضطراب يمكن أن تمكن أيضًا القادة المسنين من التشبث بالسلطة. إن كلا من الآلية التي ضمنت بقاء بايدن مرشحًا ديمقراطيًا للرئاسة رغم المخاوف بشأن عمره والصعوبات التي يواجهها منتقدوه الداخليين في استبداله، توضح هذه العملية جيدًا.

وفي الغرب، تلعب التغيرات الديمغرافية، خاصة الشيخوخة السكانية، دورًا هامًا في دعم سلطة الكبار، ولكن خلف الديمغرافيا تكمن السياسة.

واختتمت الصحيفة التقرير بالقول إن حكم المسنين يعتبر نظيرًا لحكم الأثرياء؛ حيث إن القضايا التي نواجهها ليست في المقام الأول قضايا كبار السن ضد الشباب أو حرب الأجيال، ولكنها قضايا متعلقة بالطبقة والسلطة، وترسيخ الثروة ومحاولات تهميش الغرباء المتمردين. وبينما تنهي بريطانيا 14 سنة من الحكم المحافظ، ينبغي لنا أن نقلق بشكل أقل بشأن حكم المسنين كنظام، وأن نهتم أكثر بالأسباب الكامنة وراء استمرار كبار السن في السلطة.

التعليقات (0)