لم يمضِ على
تنصيب الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين ولاية خامسة سوى أيام، حتى فجر مفاجأتين:
- الأولى
داخلية، وتتعلق باقتراحه تعيين النائب الأول السابق لرئيس الحكومة الروسية أندريه
بيلوسوف وزيرا للدفاع، بدلا من سيرغي
شويغو، وهو ما شكّل صدمة لكثير من المراقبين
نظرا لكون الأخير صديقَ بوتين المقرب و"رفيقَ درب"، بحسبما يصف البعض
العلاقة بين الرجلين.
- الثانية
خارجية، وتتعلّق بزيارة
الصين بوصفها أول دولة أجنبية قرر بوتين أن يزورها بعد
انتخابه، خصوصا إذا ربطنا ما حملته تلك الزيارة من رسائل متعددة وجّهها الزعيمان
إلى الدول الغربية.
خبير اقتصادي في
وزارة الدفاع
تسمية بيلوسوف برغم
استهجانها، كانت منتظرة ومتوقعة من قلّة قليلة ممن يعرفون الرئيس الروسي ويفقهون بـ"ألف
باء" السياسة التي اتبعها الرجل في العقدين الماضيين. فعلى الرغم من هدوئه،
كان بوتين دائما وفي كل أزمة مستعصية يخرج من قبعته أرنبا يُربك به الخصوم
والأعداء.
تعيين النائب الأول السابق لرئيس الحكومة الروسية أندريه بيلوسوف وزيرا للدفاع، بدلا من سيرغي شويغو، وهو ما شكّل صدمة لكثير من المراقبين نظرا لكون الأخير صديقَ بوتين المقرب و"رفيقَ درب"، بحسبما يصف البعض العلاقة بين الرجلين
ففي حمأة الأزمة
الاقتصادية والعقوبات الغربية تمسك بوتين بحاكمة المصرف المركزي إلفيرا نابيولينا،
وأصر على تسليمها زمام الأمور برغم اعتراض الكثيرين عليها، فكانت العقوبات "بردا
وسلاما" على الاقتصاد الروسي وذلك بعكس ما توقعه الغرب مع خبرائه كلهم.. وهو
ما أثبت رؤية بوتين الثاقبة وقدرته منقطعة النظير على اختيار مساعديه.
وكذلك في حمأة المعارك
العسكرية مع أوكرانيا، وبعدما ظنّ العالم أنّ
روسيا لن تصمد كثيرا، أشهَرَ بوتين
ورقة "القوات الخاصة" وقلب سير المعركة رأسا على عقب، متفوقا على أكثر
من 50 دولة مجتمعة.
واليوم يفعلها
الرجل مجددا بعدما انكشفت نوايا الغرب من خلال تصريحات عدائية تنذر باستمرار الحرب
طويلا وبدعم مالي وعسكري متواصل، وحتى دعم بشري من دول حلف شمالي الأطلسي (الناتو)..
فكان لا بد من الاستعداد للمرحلة القادمة وتغيير المسار والتفكير من خارج الصندوق.
صحيح أنّ أندريه
بيلوسوف ليست لديه خبرة عسكرية ولم يخدم في الجيش، ولكنّه عمل على مدى السنوات الـ12
الماضية وزيرا للاقتصاد، ومساعدا للرئيس، ونائبا أول لرئيس الوزراء، ويملك من
الخبرة ما يؤهله لإدارة دفة الدفاع حاليا.
وبحسب الكرملين،
فإنّ وزارة الدفاع الروسية سيرأسها مدني لتكون "منفتحة على الابتكار والأفكار
المتقدمة"، وهذا ما كان يفعله بيلوسوف عندما أشرف العام 2022 على تطوير
تقنيات إنشاء مركبات النقل عالية السرعة، وأنظمة تحكم ذكية، ومعدات نقل من الجيل
الجديد.
وصول مدني الى
وزارة الدفاع الروسية دون رتبة عسكرية لن يغير في إدارة النظام العسكري بشيء، وإنّما
ستبقى المسؤولية بيد رئيس الأركان فاليري غيراسيموف، الذي سيواصل أنشطته كالمعتاد.
طبعا هذا ليس
السبب الوحيد للتغيير المفاجئ، وهنا لا نكشف سرّا إذا قلنا إنّ ميزانية الدفاع
الصناعي- العسكري قد كشفت مقدار النفقات الباهظة، وأظهرت أن تجهيزات المؤسسة
العسكرية لم تكن على القدر نفسه من التناسب بين النفقات والنتائج في الميدان.
الأموال المستثمرة في المجمع الصناعي- العسكري كان يفترض أن تحقق نتائج أكثر كفاءة
على الجبهة، لأنّ كل روبل تنفقه روسيا بغير مكانه الصحيح، سوف يُترجم مئات من القتلى
والجرحى في صفوف الجنود الروس.. ولهذا كان لا بد من تنحية شويغو.
في نظر الكرملين،
فإنّ تعيين بيلوسوف كان أفضل خيار من أجل تنسيق قطاعات الدولة، وتطوير المجمع
الصناعي- العسكري، وتنظيم الإنتاج الضخم للأسلحة في مجال الأنظمة غير المأهولة
وتكنولوجيا المعلومات والطيران والسفن.
أمّا في العمل
اللوجستي، فقد وضع بيلوسوف في أول خطاب له "خارطة عمل" لوزارة الدفاع،
وكشف أولوياته، ملخصا إياها بالتالي:
1- السير قدما في
العملية العسكرية ضد أوكرانيا.
2- تخفيف النفقات وترشيدها لتكون فعالة.
3- التركيز على
التعاقد وليس التعبئة، مع ضرورة توضيح الفرق بين الاثنين للمجتمع الروسي.
4- التعاقد مع الشركات
الخاصة باعتباره حلا فعالا وغير ضاغط على الشباب الروسي.
5- زيادة حوافز ومستحقات
وتعويضات الجنود.
6- ضمان توريد أحدث
المعدات وذخيرة المدفعية والصواريخ، ومعدات الحماية الشخصية والمسيرات ومعدات
الحرب الإلكترونية.
زيارة الصين.. تكامل مع الخيارات العسكرية؟
ولم يمضِ أيام
على تفجير تلك المفاجأة حتى أطل بوتين من الصين، في زيارة أراد من خلالها:
1- إظهار حجم
التنسيق بين العملاقين.
2- التأكيد على
أنها أولى وجهات بوتين بعيد انتخابه.
أشاد بوتين بالزعيم
الصيني وكذلك بدوره في بناء "شراكة استراتيجية" مع روسيا قائمة على
رعاية المصالح الوطنية والثقة المتبادلة، متعهدا بوضع الأسس من أجل تعاون أوثق في
مجال الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والفضاء والطاقة النووية السلمية والذكاء
الاصطناعي ومصادر الطاقة المتجددة، وغيرها من القطاعات المتطورة.. أي ما تعهد وزير
الدفاع الجديد بالعمل عليه.
وكان بوتين قبل
توجّهه إلى بكين قد قال إنّ العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين تتطور بسرعة، وهذا
يدلل على مناعتها في مواجهة التحديات الخارجية، كاشفا أن حجم التجارة بين البلدين
باتت قرابة 20 تريليون روبل أو ما يقارب 1.6 تريليون يوان (219 مليار دولار).
وفوق هذا كله فقد
أظهر البيان المشترك الصادر عن الزعيمين بعضا من الملامح التعاون وتوجهاته، إذ
أكدا على التالي:
إنّ مراقبة التغيير الحكومي في روسيا، خصوصا في وزارة الدفاع، ومقارنته مع مضمون ما أفضت إليه زيارة بوتين إلى الصين، يظهر أنّ الكرملين يُعدّ العدّة جيدا لاستمرار الحرب في أوكرانيا، من خلال تطوير أسلحة المواجهة مع الغرب، ممهور بـ"دعم وتكامل" مع أهم وأقوى حليف لموسكو في العالم اليوم
- دفاع موسكو
وبكين عن حقوقهما ومصالحهما المشروعة، ورفض تقويض سياستهما الخارجية وإمكاناتهما الاقتصادية.
- تشجيع شركات طيران
البلدين على زيادة عدد الرحلات وتوسيع جغرافيتها بين الدول.
- زيادة التجارة
الثنائية وتحسين هيكلها.
- تعميق التعاون
في المجال العسكري وتوسيع نطاق التدريبات المشتركة، إضافة إلى تعميق التعاون في
مكافحة الإرهاب الدولي والتطرف.
- رفض الاستيلاء
على أصول وممتلكات الدول الأجنبية، والتأكيد على الحق في اتخاذ إجراءات انتقامية.
- التأكيد على
حق البلدين في حماية سيادتهما وسلامة أراضيهما، ورفض التدخل الخارجي.
في المحصلة، يمكن
القول إنّ مراقبة التغيير الحكومي في روسيا، خصوصا في وزارة الدفاع، ومقارنته مع
مضمون ما أفضت إليه زيارة بوتين إلى الصين، يظهر أنّ الكرملين يُعدّ العدّة جيدا
لاستمرار الحرب في أوكرانيا، من خلال تطوير أسلحة المواجهة مع الغرب، ممهورا بـ"دعم وتكامل" مع أهم وأقوى حليف لموسكو في العالم اليوم.