انكشفت الغيوم ورفع ما تحت المنضدة إلى
أعلاها، وسقطت الأقنعة وباتت الحقيقة واضحة وضوح الشمس، بأننا أمام حرب دينية
وصراع حضاري للغرب الصليبي الصهيوني الملحد المتحد المحتشد ضد فكرة ومنهج التوحيد
ومشروعه الإسلامي في الأرض، وتمايزت الصفوف إلى معسكرين :
معكسر الكفر: ويضم الصليبية والصهيونية
والإلحاد والبوذية الهندية.. الخ، وشركاؤهم من المتأسلمين
العرب.
معسكر الإيمان: ويضم المقاومة الإسلامية
وشركاؤها وداعموها ومناصروها.
حقيقة المشهد بدت متكررة وأكثر شفافية
ووضوحا عما كانت عليه فى علم 1948، ولا شك أن مرور ستة وسبعون عاما على الشعوب
العربية تحت النظام الاستعماري العالمي ونظمه الحاكمة من الاستبداد المحلي، كانت
كفيلة بتجريد هذه الشعوب من أمرين :
ـ أولا: جزء كبير من هويتها العميقة
والظاهرة، الكثير من عقيدتها وقيمها وروح الإسلام فيها والتى امتدت إلى تغييب أهم مقوماته الفكرية، الأمة
الواحدة، وأهم أركانه الأخوة والنصرة وأعظم مقومات وجوده وهو ركن الجهاد.
ثانيا ـ من وسائل وأدوات الفعل الهوياتية
والاقتصادية والعسكرية والسياسية ودجنتها إلى
قطعان بشرية ممسوخة الهوية منزوعة الأدوات فلم يتبقى لها إلا القليل من الإسلام والقلم واللسان، فلم
تتجاوز استجابتها لمبادرة طوفان الأقصى حد الشكوى والبكاء والدعاء.
ومن عظيم نعم الله تعالى على هذه الأمة أن
الله تعالى حفظ لها فئة تحمل لواء الإصلاح وتيارالإحياء فيها حيا متدفقا في كل زمان لتبقى راية الإسلام وروحه وهويته
محفوظة باقية عزيزة شامخة حتى وإن سيطرنظام الكفر بقوته الثقافية والإقتصادية
والعسكرية على العالم .
ومع انطلاقة طوفان الأقصى، كان من الطبيعي
أن تتحرك كتائب هذا التيار الاصلاحي الإحيائي الجهادي للمشروع الإسلامي في كافة
انحاء العالم الاسلامي وخاصة العالم العربي منه لدعم المقاومة الإسلامية الواجبة
والمشروعة في الديانات السماوية، بل حتى في قوانين الكفر بما يسمى حاليا بالنظام
والقانون والمؤسسات الدولية .
ومع عظم التحدي بمحاولة هدم الاقصى، والقضاء
على المقاومة ، وإبادة ما تبقى من الشعب الفلسطينى وتجريد فلسطين من شعبها ،
وحرمان الإسلام من أعز مقدساته ، بالرغم من جسامة وخطورة التحدي الفاجر المعلن على
لسان المحتل المغتصب ـ هذه المرة .
مع انطلاقة طوفان الأقصى، كان من الطبيعي أن تتحرك كتائب هذا التيار الاصلاحي الإحيائي الجهادي للمشروع الإسلامي في كافة انحاء العالم الاسلامي وخاصة العالم العربي منه لدعم المقاومة الإسلامية الواجبة والمشروعة في الديانات السماوية، بل حتى في قوانين الكفر بما يسمى حاليا بالنظام والقانون والمؤسسات الدولية .
لم تتحرك كتائب الإخوان المسلمين عسكريا ولا سياسيا ولا شعبيا كما كان متوقعا،
أو على الأقل أسوة بما حدث عام 1948 مع تحدي بداية نشأة الكيان المغتصب.. الأسباب
كبيرة وعميقة جدا، والنتائج خطيرة وجسيمة وكارثية. لست هنا بصدد تناول ومناقشة
الأسباب، ولكني فقط أريد أن أشعر حضراتكم
بوجود أزمة عميقة جدا، وهذا هو هدفي من المقال، وبعدها إن شاء الله يمتد الحديث .
أشعر حضراتكم بالأزمة العميقة بوسيلة خيالية
مشوقة نسبيا، ذلك أنني أصبحت متأكدا من أن الكثير لا يقرأ حتى النخب بل حتى الكثير
من القادة وصناع القرار، وأكثر ما يزعجهم هو لفظ هنا أو كلمة هناك ربما تنال من
حضراتهم في حين أن الإسلام ينال منه كل يوم الكثير والكثير.
هيا نتخيل جميعا :
أولا ـ "الإخوان المسلمين" واعية استراتجيا
قوية (فكريا ومؤسسيا وقياديا وماديا) متحدة محتشدة حول مشروعها الإصلاحي في تربية
المجتمعات على تعاليم الاسلام، وإعداد الكوادر الإسلامية لتوعية وتعزيز قوة الشعوب
على حماية نفسها والمحافظة على حقوقها، وتلبية احتياجات الأوطان والأمة من القوة البشرية الإسلامية
المهنية المحترفة اللازمة لتلبية احتياجاتها في كافة المجالات والقطاعات.
ثانيا ـ النظام الخاص الذي تأسس في 1940 وقد
بلغ من الخبرات والقدرات العسكرية من الفكر العسكري والقيادات والرجال
والتكنولوجيا والتصنيع والأسلحة والأدوات والشرعية الشعبية والواقعية وقد بلغ رقما
فرض نفسه على الواقع في:
1/3ـ حماية دعوة
ومؤسسة الإخوان المسلمين.
2/3 ـ حماية الشعب من توغل النظام على حقوق وممتلكات الشعب و
الدولة.
3/3 ـ مقاومة الإستبداد والطغيان والاحتلال، وتمدد النظام
العالمي على دولته.
ملاحظة: نسبيا يمكنك تخيل واقع النظام الخاص
الآن قياسا على حماس التي بدأت 1987م وبالرغم من عيشها تحت الحصار المحكم، بلغت ما
بلغت بعقول وإرادة وهمة قادتها ورجالها .
ثالثا ـ جهاز المعلومات الخاص للإخوان
المسلمين والذي يضمن لها الوعي الاستراتجي وصناعة القرار الصحيح.
رابعا ـ التنظيم العالمي للإخوان المسلمين
بحيويته في بناء وتطوير مؤسساته واندماجه، وفاعليته وتأثيره في كافة بلدان العالم،
وما أسسه وبناه من مؤسسات وكوادر وعلاقات وما حققه من إنجازات لخدمة المجتمعات التي
يعيش فيها، وما بناه من صورة ذهنية عن الإخوان المسلمين وعن رسالة الإسلام وما
كسبه من ثقة تاريخية من شعوب هذه الدول، وما يمتلكه من قدرات وقوة في التأثير
وتغيير توجهات الرأي العام، والقرارالسياسي فى هذه الدول.
اتوقف هنا فقط، يكفي ذلك علما بأن هناك
الكثير والكثير من الممكنات المجمدة .
هيا نتخيل ممكنات الفعل وتطور الأحداث من
بداية 7 اكتوبر 2023 وحتى الآن :
اولا ـ محليا
1 ـ توعية وتحريك الشارع المصري لبناء رأي
عام مصري قوي ضاغط على النظام لاتخاذ موقف إيجابي.
2 ـ فتح المعبر وتقديم كافة أشكال الدعم
اللازم لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني.
3 ـ دفع النظام المصري للمطالبة القوية الحازمة بوقف الحرب
على المدنين، وحصر الصراع العسكري
مع المقاومة.
4 ـ تلويح الإخوان بتوحيد الساحات مع قوات المقاومة على
كافة الجبهات في دول الطوق وغيرها.
5 ـ المحافظة على سخونة الشارع المصري بما سيلهب حماس
وتجاوب باقي الشعوب العربية.
ثانيا ـ إقليميا
1 ـ تحرك شعبي عارم في غالب العواصم والمدن
العربية.
2 ـ رضوخ النظم العربية لمزاج ومطالب شعوبها بل والاستقواء
بها في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
3 ـ وحدة الساحات السنية والشيعية وخلق حالة من التوازن
والتعاون والتكامل الضابط والمرشد لأفكار وهواجس البعض، وضبط وتوجيه البوصلة نحو
المصالح العليا للمنطقة وحمايتها من الفرقة
وفتح المجال للتدخل والنفوذ الأجنبي.
4 ـ تشكل موقف عربي موحد نحو القضية في مواجهة الغطرسة
الأمريكية والإسرائيلية، هذا الموقف يمكن البناء عليه دوليا من قبل قوى عالمية
تنتظره لتؤسس وتبنىي عليه مواقفها السياسية.
5 ـ تضاؤل الدعم الغربي المادي والسياسي لإسرائيل حرصا على
مصالحها مع الدول العربية .
ثالثا ـ دوليا
1 ـ ضبط وترشيد الموقف الأمريكي الداعم
الكامل لاسرائيل على يقظة شعوب المنطقة وتعريض النظم الموالية لها لتهديدات داخلية،
وعلى مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
2 ـ فتح فضاء تفكير جديد للدول الغربية في خيارها
الاستراتجي لرعايتها ودعمها المطلق لإسرائيل والتفكير في بدائل أخرى للمحافظة على
مصالحها في المنطقة .
3 ـ تدخل الحلف الروسي الصيني بناء على وحدة الموقف العربي
والمطالبة بالشراكة في إدارة ملف القضية الفلسطينية وكسر الإحتكارالأمريكي الذي
فشل في حلها بسبب ميله للجانب الإسرائيلي، وتسبب في وضع منطقة قلب العالم والعالم
في حالة عدم استقرار، واضطراب خطوط النقل
وتدهور الاقتصاد ومخاطر حرب عالمية ثالثة .
التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بحيويته في بناء وتطوير مؤسساته واندماجه، وفاعليته وتأثيره في كافة بلدان العالم، وما أسسه وبناه من مؤسسات وكوادر وعلاقات وما حققه من إنجازات لخدمة المجتمعات التي يعيش فيها، وما بناه من صورة ذهنية عن الإخوان المسلمين وعن رسالة الإسلام وما كسبه من ثقة تاريخية من شعوب هذه الدول، وما يمتلكه من قدرات وقوة في التأثير وتغيير توجهات الرأي العام، والقرارالسياسي فى هذه الدول.
4 ـ قوة وفاعلية الرأي العام الغربي وترجمته سياسا نحو
تغيرالقرار السياسي الغربي لإيجاد حل حقيقي للقضية الفلسطينة يناسب الأوضاع على
الأرض .
5 ـ يقظة وحيوية الشارع العربي السني، وضبط وترشيد ووقف
طموح وجموح التمدد الشيعي بالمنطقة بل وإجبار إيران على السعي لبناء علاقات معتدلة
مع النظم العربية، والتخفيف من تعاونها المستتر مع أمريكا وإسرائيل.
رابعا ـ النتائج المتوقعة للحرب
1 ـ توقف الحرب
2 ـ إنجاز صفقة الأسرى وفق شروط حماس
3 ـ مكاسب سياسية خاصة بفك الحصار عن غزة وانشاء مطار
وميناء يضمن لغزة التواصل المباشر مع العالم.
4 ـ منح غزة مساحات جديدة من الأرض فيما يسمى غلاف غزة.
5 ـ حق الإنتفاع بحقول الغاز الفلسطينية بالتنسيق مع تركيا
ومصر، وتوزيع عائدها على كامل الشعب الفلسطينى فى
غزة والقدس والضفة وجنين
6 ـ البدء في ملف إعادة إعمار غزة كاملا، مؤسسات ومرافق
ومنازل وعودة المهجرين إلى منازلهم.
7 ـ تعويضات مادية مناسبة لشعب غزة عن كل ما تعرض من تدمير
وقتل ، وعن كل شهيد بإسمه فيما نسميه في شريعتنا بدية القتيل ـ تشارك في تحمله أمريكا
والدول الغربية بصفتها المشارك الأساسي مع إسرائيل فى
هذا القتل والدمار، لأن هؤلاء مدنين وليسوا عسكريين مشاركين في القتال.
8 ــ هدنة خمس سنوات.
وقفة جادة
أتوقف هنا، لأذكر حضراتكم أنني لست هنا في
مقام التسلية والترويح عن حضراتكم أوالتخفيف من ألم الحسرة والمرارة نتيجة الإحساس
بالعجز والضعف وما فرضناه على أنفسنا من استضعاف غير مقرر في شريعتنا، ولا مبرر في
واقعنا وآخرتنا (ألم العجز عن التحرك لوقف الاعتداء ورفع الظلم ووقف الإبادة
عن شعبنا في غزة، ودعم المقاومة وحماية مقدساتنا ).
فقط اوجه حضراتكم نحو أزمة عميقة تحتاج
شجاعة الاعتراف بها حتى يتم التعاطي معها وعلاجها وتدارك ما فات، وأن نأتي متأخرين
خير من أن لا نأتى .
تعجب واستغرب كما تشاء، ولكن تعالى معي
لأوقظك من وهمك.. بالتأكيد
يستغرب وربما يستنكر ويرفض البعض ما ذهبت إليه في مخيالي، لكني أعد هذا طبيعيا بالنسبة لشعب تربى في
ظل مفاهيم وتصورات وقوانين الدولة القومية ومؤسساتها التي تستعبد الشعب ولم يدرك
بعد حقيقة وفلسفة ونظرية الاسلام في بناء المجتمع والدولة والأمة الإسلامية والتي
تقدم نموذجا خاصا مختلفا ومميزا ومتاميزا قائما بذاته ومعاييره، غير ناقل ولا خاضع
لمعايير غيره، ولذلك يفهم ويعتقد معتنقوه الحقيقيون أنه المصدر والمرجع والمعيار
والمؤشر والمقصد الوحيد لهم لأنه من رب العالمين، نحن المسلمون عبيد لله تعالى
ولسنا عبيدا للدولة ولا للنظام العالمي .
تساؤلات لتحريك الماء الراكد وإيقاظ العقول
النائمة
س 1 ـ هل يمكن إسلام بلا تغيير معتقدات وقيم
ونظام إخلاق ونظام اجتماعي واقتصادي؟
س 2 ـ هل يمكن حدوث تغيير اجتماعي واقتصادي
ينجزه الإسلام بدون تغيير سياسي؟
س 3 ـ هل يمكن تصور نظام سياسي بدون قوة
تحميه؟
س 4 ـ هل يمكن تصور نظام عالمي بدون صراع
للقوى على التمدد والسيطرة؟
من يتصور غير ذلك أخبره أنك تعيش في عالم
افتراضي صنعه لك عدوك الكافر، هو ما يسموه لك بالغرب أو الشرق أو النظام العالمي
تعمية عليك، لمحو ذاكرتك، وتغييب وعيك، بل لخلط المفاهيم لديك عندما تقرأ أي صفحة
من القرآن وتجد فيها صراعا بين الكفر والإيمان، بينما أن تتوهم نفسك تعيش في عالم
متحضر اسمه الشرق والغرب والنظام العالمي والمؤسسات والأسرة الدولية.الخ.. فيتأسس
في عقلك اللاواعي أن القرآن الكريم كتاب تاريخ وعبرة وليس كتاب صناعة حياة ومستقبل،
وبذلك تفقد اتصالك بالوحي الإلهي كاتصال مباشر ودائم بالله تعالى، وكمنهج حيوي
صالح لكل زمان ومكان بأفكاره وقوانينه ومسمياته، وبخصوصية التكليف والمساءلة
الفردية أمام الله عن كل ما جاء في القرآن، وتفقد معه ذاتك الإسلامية وقيمتك ووجودك في الحياة.. وتغيب تماما عن الواقع وحقيقة الصراع الدائر والحرب المشتعلة،
بل عن حقيقة دينك.