نشر موقع "
بلومبيرغ" الأمريكي تقريرا تناول فيه
أزمة الديون التي تواجهها الدول الأكثر فقرا في العالم بسبب
أسعار الفائدة المرتفعة وإعادة هيكلة غير عادلة، ما يجعل تحقيق
التنمية المستدامة ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية صعبا بالنسبة لهذه الدول.
إظهار أخبار متعلقة
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"؛ إن وزير المالية النيجيري أديبايو أولاوالي إيدون حاول تهدئة مخاوف المصرفيين في وول ستريت خلال لقائه بهم، في عرض تقديمي برعاية شركة سيتي غروب -وهي واحدة من أكبر شركات التأمين على السندات الدولية في العالم- في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، وقد تعهد بأن بلاده سوف تخفض الإنفاق وتجمع المزيد من
الضرائب لسداد أقساط الديون المستحقة للمستثمرين الأجانب.
وكشفت وثيقة أن مدفوعات ديون نيجيريا لسنة 2022، أي ما يعادل 7.5 مليار دولار، تجاوزت إيراداتها بمقدار 900 مليون دولار. بعبارة أخرى، كانت تقترض أكثر فقط لمواصلة سداد ما كان مستحقا عليها بالفعل.
وأوضح الموقع أن أزمة الديون بدأت تختمر في جميع أنحاء العالم النامي، مع عقد من الاقتراض بالنسبة لأفقر بلدان العالم. وفي سنة 2024، سيتعين على هذه الدول، المعروفة لدى مستثمري العالم الغني باسم "الأسواق الحدودية"، أن تسدد نحو 200 مليار دولار من السندات والقروض الأخرى. وتبين السندات التي أصدرتها بوليفيا وإثيوبيا وتونس وعشرات الدول الأخرى، إما أنها في حالة تخلف عن السداد بالفعل، أو يتم تداولها عند مستويات تشير إلى أن المستثمرين يستعدون لتخلفهم عن السداد.
إظهار أخبار متعلقة
وذكر الموقع أن الوضع خطير بشكل خاص؛ لأن هذه الدول لديها أسواق محلية صغيرة، ويتعين عليها أن تلجأ إلى المقرضين العالميين للحصول على الأموال اللازمة لإنفاقها على المستشفيات والطرق والمدارس وغيرها من الخدمات الحيوية. ومع تعهد بنك الاحتياطي الفيدرالي بالإبقاء على أسعار الفائدة الأمريكية مرتفعة لفترة أطول، فإن سوق ديون تلك البلدان، التي كانت نشطة ذات يوم، بدأت تجف، مما يحرمها من المزيد من الاقتراض، ويزيد من المخاطر العديدة المرتبطة بأسعار الفائدة في سنة 2024.
وأشار الموقع إلى أن هناك سلسلة من الصدمات العالمية التي أشعلت شرارة الأزمة. وخلال جائحة كوفيد-19، طبعت الدول الغنية النقود لتوزيع شيكات التحفيز، واضطرت
الدول الفقيرة إلى الاقتراض للحفاظ على استمرارية اقتصاداتها. وكانت سياسات المال السهل في العالم الغني تعني أن المستثمرين سعداء بالإقراض؛ بحثا عن أسعار فائدة أعلى. وآنذاك واجهت الدول الفقيرة ارتفاع تكاليف الواردات الغذائية بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم العالمي، ولم يكن من الممكن أن يكون التوقيت أسوأ من ذلك. بما في ذلك اقتراض الحكومات والشركات والأسر؛ حيث بلغت ديون الدول الـ 42 التي يصنفها معهد التمويل الدولي كأسواق حدودية 3.5 تريليون دولار في سنة 2023، وهو رقم قياسي يعادل حوالي ضعف ما كان عليه قبل عقد من الزمن.
إظهار أخبار متعلقة
وأفاد الموقع بأن العديد من الحكومات تعمل على خفض الإنفاق، من أجل إبقائها قادرة على سداد ديونها؛ لأن مدفوعات الديون تستهلك ميزانياتها. وبالفعل، يعيش نحو 3.3 مليار شخص ــ حوالي نصف سكان العالم ــ، في بلدان تنفق على مدفوعات الديون أكثر مما تنفق على التعليم والرعاية الصحية، وذلك وفقا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. وفي أماكن مثل الغابون، حيث أطيح بالرئيس علي بونغو أونديمبا في انقلاب في آب/ أغسطس، تؤدي الميزانيات المحدودة إلى اضطرابات سياسية.
وعلى النقيض من الولايات المتحدة وغيرها من البلدان التي تصدر الديون بعملتها الخاصة، فإن البلدان الحدودية لا تستطيع تخفيف أعبائها من خلال التضخم عن طريق طباعة النقود. وغالبا ما تصدر ديونا مستحقة الدفع بعملة بلد آخر من خلال سندات اليورو. وقال ماتياس مارتينسون، الشريك وكبير مسؤولي الاستثمار في شركة توندرا فوندر أيه بي السويدية، التي تدير صناديق الأسهم المخصصة للأسواق الحدودية: "هذه أسوأ أزمة في الأعوام الثلاثين الماضية بالنسبة لهذه البلدان، حيث لم يتم إنشاء هذه الأسواق بطريقة يمكنها إدارة إصدارات سندات اليورو هذه في دورات مثل هذه".
وذكر الموقع أن إيدون كان قد أبلغ المستثمرين الأمريكيين للتو أن نيجيريا يمكنها الوصول إلى البنك الدولي للحصول على قرض، وهو ما يعني تحمّل 1.5 مليار دولار إضافية من الديون، لكنه يوفر أيضا مساحة أكبر لالتقاط الأنفاس. وفي مقابلة أجريت معه بعد ذلك، اقترح إيدون أن الاستثمار الأجنبي المباشر والتحويلات المالية من الأسر التي تعيش في الخارج، يمكن أن تعود وتساهم في استقرار سعر النيرة. وفي وطنه، كان إيدون يشعر بالثقة حيث قال للصحفيين في تشرين الأول/ أكتوبر: "هناك الكثير الذي يتعين القيام به، لكن نيجيريا بالتأكيد تسير على الطريق الصحيح".
وأضاف الموقع أن البلاد كانت لا تزال تكافح. لقد انخفضت قيمة النيرة في سقوط حر، وارتفع التضخم إلى أعلى مستوى له منذ 18 عاما، حيث بدأت الحكومة في إلغاء دعم الوقود الشعبي والمكلف. وطالب المستثمرون في ذلك الشهر بنسبة 7.6 نقطة مئوية إضافية فوق سندات الخزانة الأمريكية المماثلة للاحتفاظ بالديون من نيجيريا. وقال رئيس بنك جيه بي مورجان تشيس وشركاؤه، بولا أحمد تينوبو، في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر؛ إن تخفيضات الميزانية ستقلل من عجز الحكومة وتساعدها على الاستمرار في خدمة الديون. وقد تتدبر نيجيريا، وهي عضو في منظمة أوبك التي تنتج النفط منذ أواخر الخمسينيات، أمورها وتبقي وول ستريت في وضع حرج.
إظهار أخبار متعلقة
لكن صبر مواطنيها بدأ ينفد إزاء إجراءات التقشف الضرورية لمواكبة أقساط الفائدة. تنفق الدولة، وهي الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في أفريقيا، على الرعاية الصحية كنسبة من ميزانيتها أقل مما كانت عليه قبل عقد من الزمن، وذلك وفقا لمنظمة بودجيت المدنية، ومقرها لاغوس. ويعد معدل الوفيات النفاسية في البلاد، 1047 لكل 100 ألف ولادة حية، واحدا من أسوأ المعدلات في العالم، وهو أعلى بأكثر من 30 مرة من نظيره في الولايات المتحدة. وأحد الأسباب الرئيسية للوفاة؛ التشخيص المتأخر لتسمم الحمل، وهو أحد مضاعفات الحمل التي تتميز بارتفاع ضغط الدم وتلف الكلى.
وقال الموقع؛ إن وزارة الصحة الفيدرالية النيجيرية وصفت معدلات الوفيات بين الرضع والأمهات، في بيان لها، بأنها "مصدر قلق كبير" لحكومة تينوبو، قائلة؛ إنها "تنبع في الغالب من ضعف البنية التحتية الصحية بسبب محدودية القدرات والموارد المالية". وتخطط الحكومة لتحديد أولويات التمويل للمجالات الحيوية، بما في ذلك التحصين وصحة الأم والطفل، وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية في سنة 2024.
وفي غانا، تتذكر الطبيبة جان أدومفيه، إحدى الأمهات التي وصلت إلى العيادة مع طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات يعاني من سوء التغذية، لدرجة أن وزن الطفل يبلغ نفس وزن طفل سليم يبلغ من العمر سنة واحدة، لكنها غادرت دون أي أطعمة علاجية جاهزة للاستخدام. وهو يرى وجود علاقة بين نقص الإنفاق على الرعاية الصحية والنظام المالي، الذي يفضل الدول الأكثر استقرارا، ويترك أماكن مثل غانا "مع أسعار فائدة وأعباء ديون غير مستدامة".
وعلى نحو مماثل، تنفق باكستان على أقساط الفائدة ثمانية أضعاف ما تنفقه على الرعاية الصحية، التي تبلغ حاليا نحو 28 مليار دولار سنويا. ولا تستطيع الحكومة تحمل تكاليف سيارات الإسعاف، لذلك تعتمد المجتمعات على الخدمات الخاصة.
وفي هندوراس، أصبحت المستشفيات في حالة سيئة، مع انهيار الأسقف وتسرب المياه والجدران المتضررة وتفشي القوارض، وذلك وفقا لدراسة أجراها المجلس الوطني لمكافحة الفساد سنة 2022، وهي منظمة غير حكومية. ويعاني النظام من نقص الأطباء والمعدات، فضلا عن إضرابات العاملين في مجال الرعاية الصحية. وألقت الرئيسة زيومارا كاسترو باللوم على مدفوعات الديون المرتفعة، التي وصفتها بأنها "مدوية وخانقة".
وفي التسعينيات، توصلت الخبيرة الاقتصادية، فريدة خامباتا، إلى فكرة فصل أفقر البلدان عن الفئة الأوسع من الأسواق الناشئة، التي تشمل الدول الأكثر ثراء مثل الهند والمكسيك. وفي مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك، التي تعمل على تشجيع استثمارات القطاع الخاص في الأسواق النامية، كانت خامباتا تحتفظ بقاعدة بيانات الأسواق الناشئة. لوصف أفقر الناس، استخدمت مصطلح "الحدود". وعلى حد تعبيرها "كانت هذه البلدان على وشك أن تصبح أسواقا ناشئة، لكنها لم تصل إلى هذه النقطة بعد. لقد كانوا على الحدود".
إظهار أخبار متعلقة
بناء على طلب المدير العام لمؤسسة التمويل الدولية، ديفيد جيل، ركّز البنك على جذب استثمارات الأسهم إلى هذه الأسواق. وبعد موجة من حالات التخلف عن السداد في الثمانينيات، كانت الفكرة أن الأسواق النامية قد اقترضت ما يكفي بالفعل. وتأتي حقوق الملكية مصحوبة بشروط أقل إذا لم ينجح الاستثمار، فلن يكون للمساهمين أي شيء مستحق.
تتذكر خامباتا طرح فكرة الاستثمار في مؤشر أسهم خاص بكوريا الجنوبية، وقيل إنها قضية خيرية. وفي سنة 1993، بعد سنة من صياغة مصطلح "الأسواق الحدودية"، حقق المؤشر الكوري عائدا بنسبة 29 بالمئة، وذلك وفقا لبيانات بلومبرغ. وفي سنة 2007، أطلقت وكالة "ستاندرد آند بورز" "مؤشر الحدود"، الذي يتألف من 30 سهما من الشركات في دول مثل باكستان وبنما والإمارات العربية المتحدة. وتكمن الفكرة في منح المستثمرين إمكانية الوصول إلى الشركات سريعة النمو، والعائدات التي لم تكن مرتبطة بالأسواق الأخرى.
وعكست العائدات المبكرة للمؤشر تقلبات أسواقها. وأظهرت بيانات "بلومبرغ" أنها ارتفعت بنسبة 18 بالمئة في سنة 2007، ثم انخفضت بنسبة 62 بالمئة في السنة التالية. وعلى امتداد السنوات العشر الماضية، حقّق المؤشر عائدا سنويّا، بلغ في المتوسط سبعة بالمئة تقريبا، مقارنة بـ 12 بالمئة لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500". مع ذلك، تبعه "دويتشه بنك"، وبنك "نيويورك ميلون"، و"بلاك روك" بمؤشرات وصناديق متداولة خاصة بها.
بحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأ المستثمرون إظهار حماسهم للسندات الحدودية، مما يعكس التعطش للأوراق المالية ذات العائد المرتفع. وربما كانت هذه البلدان فقيرة، ولكن نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي كانت منخفضة، وهو مقياس قياسي للصحة المالية لأي بلد. قام فيكرام بانديت، الرئيس التنفيذي لسيتي جروب آنذاك، وجيمي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورجان، بجولة في أفريقيا في سنة 2010، للحديث عن الفرص المتاحة في القارة. وصرح بانديت للصحفيين في جوهانسبرغ بأن "أفريقيا لديها دور رئيسي لتؤديه في هذا العالم الجديد". وقال ديمون؛ إنه "معجب بشكل لا يصدق" بالفرص المتاحة في القارة، بعد زيارة جنوب أفريقيا مع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، مستشار البنك.
إظهار أخبار متعلقة
وفي وقت لاحق من تلك السنة، قاد أولوسيغون أولوتوين أنجا، وزير المالية النيجيري آنذاك، حملة ترويجية في عديد المدن في أوروبا وكذلك نيويورك، لحشد الدعم لسندات اليورو البالغة قيمتها 500 مليون دولار للبلاد. ويتقدم المشترون من أوروبا والولايات المتحدة وآسيا وأفريقيا بطلب للحصول على جزء من الصفقة. وبحلول الوقت الذي طرحت فيه مع مطلع سنة 2011، كان المصرفيون قد تلقوا طلبات تعادل أكثر من ضعف مبلغ الديون المباعة. وبلغ عائد السندات سبعة بالمئة، أي حوالي 3.5 نقطة مئوية أكثر من سندات الخزانة المماثلة في ذلك الوقت.
على امتداد العقد التالي، اقترضت البلدان الأفريقية بكثافة. وارتفعت قيمة الديون بنسبة 250 بالمئة، لتصل إلى 645 مليار دولار، وذلك وفقا لمؤسسة "وان" الخيرية لمكافحة الفقر. كما أن الدول الحدودية ملتزمة بالصين، إذ أقرضت بكين عشرات المليارات من الدولارات للدول الأفريقية، غالبا من خلال صفقات ثنائية أو بنوك حكومية، التي قدمت الائتمان لمشاريع البنية التحتية.
تتنافس الصين بشكل متزايد مع المقرضين متعددي الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي، لتوفير عمليات الإنقاذ للدول المتعثرة. وحتى نهاية سنة 2021، قدّمت الصين 128 قرض إنقاذ بقيمة 240 مليار دولار، وفقا لدراسة مبنية على إحصاءات من معهد "إيد داتا". ووجدت الدراسة أن هذا النوع من الإقراض من الصين كان نادرا قبل عقد من الزمن.
ذكر الموقع أن ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم كشف عن المخاطر عبر الأسواق الحدودية. فقدت أوراق بوليفيا أكثر من ثلث قيمتها في سنة 2023. وقالت إثيوبيا هذا الأسبوع؛ إنها ستتخلف عن سداد الفائدة التي كانت مستحقة يوم الاثنين بسبب "الوضع الخارجي الهش" للبلاد. ومثل نظيراتها، تم إقصاء الأمة فعليّا عن الأسواق. وفي الواقع، لم تصدر أي دولة من دول جنوب الصحراء الكبرى سندات دولية منذ نيسان/ أبريل 2022، وذلك حسب توقعات صندوق النقد الدولي لشهر تشرين الأول/ أكتوبر.
إظهار أخبار متعلقة
يبحث بعض المستثمرين في العالم عن بلدان تبالغ فيها الأسواق في تقدير مخاطر التخلف عن السداد، وقد تضاعفت قيمة سندات السلفادور أكثر من الضعف في سنة 2023. وحسب فيليب فيلدنج، مدير الأموال في شركة "ماكاي شيلدز"، وهي شركة متخصصة في الاستثمار في الأصول الثابتة، فإن "هناك فرقا واضحا بين أولئك الذين يجدون الوصول إلى الأسواق أسهل، وأولئك الذين يجدون الوصول إلى الأسواق أكثر صعوبة".
في هذه الأيام، أصبح لدى أغانجا، وزير المالية السابق، وجهة نظر أكثر تشككا بشأن الديون المستحقة لدول أجنبية. وقال؛ إن "النظام المالي العالمي، كما يقول الأفارقة، متحيز تجاه الولايات المتحدة". ويتذكر أغانجا بحزن الأيام التي لم تتمكن فيها وول ستريت من الحصول على ما يكفي من ديون البلدان الفقيرة، لكن "الآن أصبح كل شيء معكوسا. التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة على مستوى العالم، والأسواق الحدودية، وخاصة تلك الموجودة في أفريقيا، تعاني".