من القضايا المهمّة التي نحتاج تسليط الضّوء عليها؛ معايير الرّواتب
والمعاشات التي يتقاضاها، ومنهجيّة التّعامل التي تنصل إلى هؤلاء المسؤولين بحكم
مواقعهم في سدّة المسؤوليّة.
تفرُّغ المسؤول للعمل في الجماعة والجمعيّة والمؤسّسة
العامّة
قد يكون الشّخص الذي يتولّى المسؤوليّة في المؤسّسة أو الجمعية مقتدرا ذا مال، أو له عملٌ ومهنة وحرفة يكسب من خلالها ما يكفيه، لكنّ استمراره في عمله ومهنته
سيعود بالتّقصير على قيامه بمسؤوليّاته تجاه الجمعيّة التي تولّى مسؤوليّتها. هنا لا بدّ من
أن يتفرّغ المسؤول للعمل الجديد حتّى يضطلع بحمل الأمانة وأدائها حقّ الأداء.
وقد دعت الشريعة الإسلاميّة إلى تفرّغ المسؤول القائم على العمل العام
لأداء مهامه، وفرضت له راتبا من أموال هذه الجمعيّة أو المؤسّسة الذي هو "مال
عام".
ونحن هنا نتحدّث عن المسؤول في مواقعه المختلفة، لا سيما المسؤول الأوّل
المتمثّل في رئيس الجمعيّة ومن معه في مجلس الإدارة ممّن يفرض عملهم وموقعهم عليهم
التفرّغ للمؤسّسة.
نتحدّث عن المسؤول في مواقعه المختلفة، لا سيما المسؤول الأوّل المتمثّل في رئيس الجمعيّة ومن معه في مجلس الإدارة ممّن يفرض عملهم وموقعهم عليهم التفرّغ للمؤسّسة
روى ابن سعد في "الطبقات الكبرى" عن عطاء بن السّائب قال: "لمّا
استُخلف أبو بكر رضي الله عنه أصبح غاديا إلى السّوق وعلى رقبته أثوابٌ يتَّجر
بها، فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما؛ فقالا له: أين
تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السّوق، قالا: تصنع ماذا وقد وُلّيت أمرَ المسلمين؟
قال: فمن أين أُطعمُ عيالي؟ قالا له: انطلق حتى نفرضَ لك شيئا فانطلقَ معهما،
ففرضوا له".
كما روى البخاري في صحيحه "أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قالَتْ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، قالَ: لقَدْ عَلِمَ قَوْمِي
أنَّ حِرْفَتي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عن مَؤُونَةِ أهْلِي، وشُغِلْتُ بأَمْرِ
المُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ آلُ أبِي بَكْرٍ مِن هذا المَالِ، ويَحْتَرِفُ
لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ".
فليسَ هناك أيّ حرجٍ في أن يكون للمسؤول راتب من مال الجمعيّة الذي هو
"مال عام" من حيثُ الأصل والمبدأ، وهذا أمرٌ يفرضه المنطق العقليّ
لاستمرار العمل والقيام بالمسؤوليّة وأداء المهام الموكولة على أتمّ وجه، كما أنّ
هذا التفرّغ يتيح قوّة في المساءلة والمحاسبة على الأداء والإنجاز يختلف عمّا لو
كان المرء متبرّعا بعمله محسنا فيه.
الجهة التي تحدّد مقدار راتب المسؤول في الجمعيّة
تكمن الإشكاليّة في تحديد الرّاتب والمعاش الذي ينبغي أن يتقاضاه المسؤول
في الجمعية أو المؤسسة العامّة؛ في الجهة التي تحدّد هذا الرّاتب والمعاش وفي
المقدار الذي ينبغي فرضه وتحديده.
لا بدّ من التّأكيد على أنّ المسؤول أيّا كان موقع مسؤوليّته ليس هو الذي يقوم بتحديد مقدار راتبه الشّهري، بل لا بدّ أن تكون هناك جهة اختصاص هي التي تضع المعايير وتحدّد المقادير في الرّواتب والمعاشات، بما فيها راتب المسؤول الأوّل ومن معه في مجلس قيادة وإدارة الجمعيّة أو المؤسّسة
وهنا لا بدّ من التّأكيد على أنّ المسؤول أيّا كان موقع مسؤوليّته ليس هو
الذي يقوم بتحديد مقدار راتبه الشّهري، بل لا بدّ أن تكون هناك جهة اختصاص هي التي
تضع المعايير وتحدّد المقادير في الرّواتب والمعاشات، بما فيها راتب المسؤول
الأوّل ومن معه في مجلس قيادة وإدارة الجمعيّة أو المؤسّسة.
ففي عهد أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه كان أمين بيت المال أبا عبيدة عامر
بن الجرّاح رضي الله عنه، وكان متخصّصا فقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلّم
بذلك، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم
قال: "لِكلِّ أُمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ أمتي أبو عبيدَةُ بنُ الجرَّاحِ"،
فهو بموقع وزير الماليّة، وهو مع المجلس الاستشاريّ الذي كان يضمّ عمر بن الخطّاب
وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما وغيرهما؛ هم مَن كانوا يحدّدون مقدار الرّاتب
والمعاش الشّهريّ للخليفة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه.
فالذي يحدّد راتب ومعاش المسؤول في المؤسسات والجمعيات الأهليّة ليس شخصا
بمفرده قطعا لشبهة المحاباة أو التواطؤ، ولذا يجب تشكيل مجلس لا يتصوّر أن يكون
تواطؤ بينهم على محاباة أو مداراة في قضايا المال، يقومون مجتمعين بتحديد معاشات
ورواتب المسؤولين عن الجمعيّات، وذلك ضمن معايير ثابتة ومحددات واضحة تشمل
التفصيلات الماليّة كافّة.
twitter.com/muhammadkhm