لم تقتصر جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي
ضد الشعب الفلسطيني منذ 34 يوما على قتل الإنسان ونسف الحجارة والحصار التام، إنما امتدت لاستهداف الموتى وجعل دفن
الشهداء مهمة تودي بالحياة.
الدفن أصبح رفاهية
اضطر راني (43 عاما) لدفن بعض أفراد عائلته الذين استشهدوا في قبر واحد، وسط ازدحام شديد في مقبرة البطش إحدى
مقابر مدينة
غزة.
يقول راني لـ"عربي21" إنه يعتبر "من المحظوظين ومن أصحاب الرفاهية" لأنه تمكن من دفن ذويه في نفس يوم استشهادهم، وذلك بعدما تعرف عليهم سريعا.
ويؤكد أن ما حصل معه لم يتوفر للعديد من سكان غزة الذين لم يعرفوا مصير ذويهم من الشهداء بينما فقد الاتصال معهم أو لم يتم التعرف على جثثهم أو حتى لم يتم انتشالها من تحت أطنان الركام والطوابق المدمرة على رؤوس السكان.
ويضيف راني الذي لجأ إلى مستشفى الشفاء لأكثر من شهر ثم تركها متوجها إلى جنوب قطاع غزة أن الجثث متناثرة على طريق صلاح الدين بحسب ما رأى بعينه، خاصة عند الحاجز الإسرائيلي الذي يرفع النازح هويته لأعلى حتى يدقق بها الجندي ويقرر مرور الشخص أو رميه بالرصاص.
من ناحيته، يقول أمجد (36 عاما) إنه دفن عمه في قبر جده في مقبرة الشيخ رضوان في مدينة غزة والمغلقة منذ سنوات بسبب عدم توفر أماكن للدفن.
ويؤكد أمجد لـ"عربي21" أنه لجأ إلى هذا الخيار بسبب عدم توفر أماكن للدفن في المقبرة القريبة من محل سكنه والتي دفن فيها جده منذ عقود.
ويضيف أنه بسبب عدم توفر وسائل المواصلات يتعذر الوصول إلى مقابر أخرى مثل مقبرة الشهداء الشرقية، التي يعتبر الوصول إليها مستحيلا حتى بوجود الوقود نظرا لوقوعها عند الحدود مباشرة.
من ناحيتها، تؤكد أفنان (42 عاما) أنه لم يتح لها حتى توديع والدها الذي استشهد مع عدد آخر من أفراد عائلتها بعدما جرى استهداف بيتهم بشكل مباشر.
اظهار أخبار متعلقة
دفن الشهداء في الخنادق
وتذكر أفنان لـ"عربي21" أنها رجت والدها حتى يأتي إلى مجمع الشفاء في غزة ويترك بيته قائلة: "أخبرني حينها: بابا ما في مكان آمن نضل في بيتنا أفضل وأنت ضلي مع زوجك وأولادك، والآن عرفت أنه معه حق.. أنا تركت الشفاء وذهبت إلى رفح عند بعض أصدقاء أولادي".
وتضيف أنه جرى إخبارها أن والدها وبعض أفراد عائلتها دفنوا في ما بات يعرف بالخطوط أو الخنادق بسبب عدم توفر أماكن للدفن، قائلة: "حرمونا حتى من الحزن على أمواتنا".
وكشفت أفنان أيضا الأهوال التي رأتها على طريق صلاح الدين، حيث نزلوا من السيارة التي نقلتهم قبل الحاجز الإسرائيلي، وأكملوا الطريق مشيا على الأقدام حتى أقصى جنوب قطاع غزة.
وتقول: "كل ما سمعنا عنه حقيقي الجثث على الطريق تأكل منها الطيور والكلاب، والقتل على الحاجز حقيقي.. مش عارفة إيش أقول كمان".
اظهار أخبار متعلقة
استهداف المقابر في قطاع غزة
ويقول رئيس قسم الإعلام في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، إكرامي المدلل: إن قطاع غزة يعاني من عدم توفر أراض لتجهيز مقابر عليها، علما أنه يضم حوالي 60 مقبرة.
ويؤكد المدلل لـ"عربي21" أنه منذ بدء العدوان الحالي جرى إغلاق العديد من المقابر بسبب الامتلاء بشكل كامل، بينما تعرضت أكثر من مقبرة للاستهداف ما أدى إلى تناثر أشلاء ورفات الأموات.
ويوضح أن الوزارة تعمل في حالات الطوارئ والحروب على تخصيص أماكن إضافية للدفن، مضيفا أنه مع بدء العدوان الحالي جرى توفير 1610 قبور في مختلف محافظات قطاع غزة.
ويشير إلى أن "هذا العدوان فاق كل التوقعات مع استهداف الاحتلال لكل شيء، وسجلنا العديد من حالات الاعتداء والاستهداف لأعداد من المشيعين والجنازات".
ويذكر المدلل أنه في 15 تشرين أول/ أكتوبر الماضي استهدف الاحتلال مجموعة من المواطنين خلال دفن ذويهم في مقبرة دير البلح، بينما في 27 من ذات الشهر تم استهداف مقبرة بن مروان في حي الشجاعية.
ويضيف أنه في 4 تشرين ثاني/ نوفمبر الجاري تم استهداف مقبرة بيت لاهيا واستشهد 4 مواطنين كانوا يساعدون في حفر وتجهيز القبور ودفن الشهداء.
ويقول إنه خلال العدوان تم دفن 300 شهيد دفعة واحدة، وبسبب الأوضاع الحالية شرعت وزارة الأوقاف "حفر خطوط دون بناء قبور ووضع الشهداء فيها فوق بعض سترة للأموات وخشية من تفشي الأمراض".
ويوضح أن "انعدام الوقود يحول دون استخدام الحفارات لتجهيز القبور، كما أن المساعدة من قبل الدفاع المدني متوقفة أيضا بهذا الخصوص لذات السبب، ولهذا نعتمد حاليا على استخدام الخطوط والدفن الجماعي".