يمثل قطع الكهرباء والاتصالات عن قطاع
غزة معضلة جديدة للصحفيين، بعد قيام
الاحتلال بتدمير مكاتب عملهم، واستهدافهم وعائلاتهم، لمنعهم من نقل صورة المجازر التي يرتكبها بحق الفلسطينيين.
وأعلنت نقابة
الصحفيين الفلسطينيين عن انقطاع الاتصال مع أكثر من ألف صحفي في غزة منذ ليلة الجمعة، مطالبة المؤسسات الدولية والاتحاد الدولي للصحفيين باتخاذ مواقف قوية وحازمة لإنقاذ حياة الصحفيين في غزة.
اظهار أخبار متعلقة
كيف يحصل الصحفيون في قطاع غزة على الإنترنت؟
ونشر الصحفي حسن اصليح من غزة مقطعا مصورا، يوثق فيه التحديات التي تواجهه إلى جانب عدد من زملائه في استئناف عملهم وتغطية الأحداث الجارية في القطاع، حيث تجمع عدد منهم فوق أسطح المنازل المرتفعة، في محاولة لالتقاط إشارة إنترنت لنقل الحدث.
ولم يتمكن أحدهم من تحميل وإرسال المواد الصحفية للمؤسسة التي يعمل بها، وكانت قد فقدت عشرات المؤسسات التواصل مع صحفييها نتيجة الانقطاع التام للإنترنت.
وتداول ناشطون وصحفيون فيديو يظهر مجموعة من الصحفيين في غزة يتنقلون عبر عربة للوصول للمكان المقصود، في الوقت الذي تعرقل فيه إسرائيل عملهم وقدرتهم على الوصول لأماكن الحدث.
لِمَ قطع الاحتلال الإنترنت عن الصحفيين؟
وقال الصحفي الفلسطيني أحمد الحلايقة، إن الاحتلال يسعى لإخفاء ما يحدث في قطاع غزة بحق المدنيين/ ويسعى لتضليل الإعلام، وقطع الإنترنت، لكي لا تتمكن الطواقم الصحفية والمواطنون من إيصال الحقيقة ورصد انتهاكاته.
وأضاف أن "انقطاع الإنترنت جاء بالتزامن مع أشرس قصف شهده قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، وهذا يدل على نية مبيته للاحتلال بإخفاء حقيقة ما يجري في قطاع غزة، ولأن الإعلام يلعب دورا أساسيا في نقل الصورة".
وأكد أن انقطاع الإنترنت والاتصالات لا يؤثر على الصحفيين الذين توقف عملهم بنسبة 90 بالمئة، وإنما يؤثر على جميع مناحي الحياة، والجهات الطبية في المقدمة، لأنها تعتمد بشكل رئيس على الإنترنت في تلقي النداءات من المواطنين المصابين نتيجة القصف.
وأشار إلى أن الاحتلال لا يريد أن يظهر للعالم حجم الدمار، بعد أن استطاع عشرات الصحفيين الفلسطينيين من إيصاله بشكل دقيق، أما اليوم فصورة المجازر وجرائم الاحتلال يجري حجبها بفعل قطع الاتصالات.
الصحفي وعضو نقابة الصحفيين الأردنيين خالد القضاة، قال لـ" عربي21" إن إسرائيل تتعمد قطع كل الوسائل على الصحفيين لتعيق مهمتهم في إيصال الحقيقة، لكنها وجدت أن ما فعلته من استهداف مباشر للصحفيين لم يكن كافيا، بعد أن تمكن المواطن العادي من إيصال الصورة عبر مواقع التواصل، لذلك قطع كل السبل.
وأضاف أن ما فعله الاحتلال هو طمس للحقائق وإسكات للشهود، خاصة أن الفظائع والجرائم كونت رأيا عاما أدى لتشقق التحالف الذي كان يناصره، ومن الممكن أن يدينه لاحقا أمام المحاكم الدولية.
الباحث في شؤون الاتصال الصحفي حسين الصرايرة قال لـ"عربي21" إن عالم الاتصال اليوم ينظر إليه ليس على أنه أداة، وإنما كمورد مثل الماء والكهرباء، والحرمان منه يعني حرماناً من سلسلة حقوق أساسية أهمها الحق في الاتصال والمعرفة كحقين متلازمين في العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية في المادتين 19 و20، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والشرعة الدولية.
وأضاف الصرايرة، أن الاتصال والإنترنت بصورة أساسية ضمانة لمنع الانتهاكات الواردة في القانون الدولي الإنساني، وهذا ما يعتبر من القواعد الفقهية المحصنة للإطار القانوني، فبمجرد وقوع حجب لخدمة الإنترنت يعني أن هناك انتهاكا يحدث في مكان ما، وإن لم يكن للاحتلال دور مباشر، فقطع الإنترنت والاتصالات عن قطاع غزة يعني عدم قدرة المرضى على الاتصال بالإسعاف، ولنفرض أنهم لم يمسهم القصف، كيف ستصلهم الخدمات الطبية؟
وشدد على أن هذا يؤكد أن الاحتلال هدفه ليس القضاء على حماس كخصم سياسي أو عسكري، بل الهدف هو إبادة الفلسطينيين الغزيين، لأن الاحتلال يدرك أن قطع الاتصالات يعني موتا بطيئا لهم، وإبادة جماعية أو تهجيرا قسريا، وهذه انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، لأن المقاومة لا تستخدم الإنترنت، وإسرائيل تعلم بذلك، فإذا المستهدف هم المدنيون.
اظهار أخبار متعلقة
وأصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إقرارا عام 2016 يدين بشكل لا لبس فيه التدابير الرامية إلى المنع المتعمد أو عرقلة نشر المعلومات والوصول إليها على شبكات الإنترنت، ما يعتبر انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، داعيا جميع الدول إلى وقف أي تدابير من هذا النوع والامتناع عنها.
ويرى الصرايرة أن قطع الإنترنت يشكل انتهاكاً لقانون حقوق الإنسان، وإن لم يرد نصاً وصراحة في القانون الدولي الإنساني، إلا أن مبدأ الاتصال أساسي في الحماية من انتهاك الحقوق، ويشكل الإنترنت وسيلة الاتصال الوحيدة في هذه الحالة.
ويعتبر القانون الدولي انقطاع الإنترنت عن المدنيين في مناطق النزاع أمرًا غير مقبول. الإنترنت هو وسيلة حيوية للتواصل والوصول إلى المعلومات، ويجب أن يُتاح للمدنيين الوصول إليها دون قيود غير مبررة.
كما ويعتبر الصحفيون مدنيين، ويجب أن تحترم حقوقهم في التواصل ونقل الأخبار. وانقطاع الإنترنت عنهم يعيق قدرتهم على أداء واجبهم المهني بكفاءة، ويشكل انتهاكًا لحرية الصحافة وحق المعلومات.
وأعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلي أنها لا تستطيع ضمان سلامة الصحفيين في غزة، ويعلق الصرايرة على ذلك بأن حماية حياة الصحفيين ضمانة تقع على عاتق الاحتلال، إذ يجب عدم استهدافهم بشكل مباشر، وضمان سلامتهم خلال تغطيتهم للأحداث، ويتوجب على الأطراف المتحاربة احترام حرية الصحافة وعدم فرض قيود غير مبررة على تغطية الأحداث.
وكذلك وفق اتفاقية جنيف الثالثة المادة الرابعة، إلى جانب المادة 79 من البروتوكول الأول لها، خصوصاً أن الصحفيين يتمتعون بالحماية العامة الممنوحة للمدنيين بصورة أساسية وفقًا لاتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949 والبرتوكولين الإضافيين الملحقين بها لعام 1977، وتمثل هذه الاتفاقيات أفضل وسيلة عمومية لحماية الصحفيين الذين يعملون في مناطق الخطر، وبموجب نظام المحكمة الجنائية الدولية نظام روما الأساسي لسنة 1998 فإن استهداف الصحافيين يعد جريمة حرب.
وتنص قواعد الحرب على ضرورة احترام حقوق الإنسان والقوانين الإنسانية في أثناء النزاعات المسلحة، ومنع استهداف المدنيين والممتلكات المدنية دون تمييز، وحماية المرافق الإنسانية والممتلكات الثقافية والدينية، وتقديم العناية الإنسانية للجرحى والمرضى، ومنع استخدام الأسرى كرهائن، وضمان معاملتهم بإنسانية.
دفع 34 صحفيا فلسطينيا حياتهم ثمنا لنقل الصورة في غزة وهم على الخطوط الأولى في الحرب، وخسر آخرون عائلاتهم وفق استهداف مباشر، أما من بقي منهم اليوم وبعد انقطاع الإنترنت ففقدوا موردا أساسيا ويشكل وسيلة وحيدة لنقل جرائم الاحتلال الممنهجة ضد المدنيين والصحفيين في قطاع غزة.