خطاب الرئيس التركي أردوغان الذي أغضب الاحتلال الإسرائيلي (الكلمة كاملة)
لندن- عربي2128-Oct-2306:49 PM
1
شارك
أردوغان: نحن أيضا اليوم ننتفض ونثور من أجل غزة- الأناضول
ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خطابا حادا ضد الاحتلال الإسرائيلي، تسبب بغضب تل أبيب، وسحبها دبلوماسييها من أنقرة وإسطنبول.
وقال أردوغان إن ما يجري في غزة جريمة مؤكدا "لن نكتفي بلعن المجازر التي تحدث في غزة".
وأضاف خلال تجمع جماهيري حاشد لنصرة فلسطين في مطار أتاتورك بإسطنبول: “أقول للغرب هل تريدون حرب هلال وصليب مجددا؟ إن كنتم تسعون لذلك فاعلموا أن هذه الأمة لم تمت”.
شعبي العزيز،
سكان إسطنبول الكرام،
رئيس حزب الحركة القومية السيد دولت بهجلي
السادة رؤساء الأحزاب،
ضيوفنا الكرام الذين جاءوا من خارج البلاد للمشاركة في تجمعنا،
السادة الإخوة والأخوات،
أحييكم جميعا بأصدق مشاعري ومحبتي.
وأشكر كل واحد منكم على دعمكم للقضية الفلسطينية ومنحكم الأمل لسكان قطاع غزة المظلومين.
في بداية كلمتي، أترحم على جميع الشهداء والجرحى والأبطال من أجدادنا الذين وهبونا هذه الأرض وطنا.
وأتذكر بامتنان أولئك الذين ساهموا في تأسيس واستمرار دولنا التي حكمناها وتسيدناها، من الدولة السلجوقية في الأناضول إلى الدولة العثمانية ووصولا إلى الجمهورية التركية.
كما أود أن أعرب عن خالص شكري إلى كل من ساهم وبذل جهدا بحكمته وعرقه ليظل علمنا يرفرف في سماء منطقتنا إلى الأبد، وليرفع أذاننا إلى يوم القيامة.
نحن أمة ودولة عظيمة لدرجة أن قوتنا وهمومنا وكفاحنا ليست لداخل حدودنا فقط.
وفي الوقت الذي سنعيش فيه غدا فرحة احتفالنا بالذكرى المئوية لتأسيس جمهوريتنا، سنصرخ اليوم للعالم بالنيران التي في قلوبنا من أجل قطاع غزة.
وتماما كما فعلنا في الماضي؛
في تراقيا، والبلقان، والقوقاز، وكل شبر من ساحل شرق البحر الأبيض المتوسط...
وفي آسيا الوسطى وجنوب آسيا وجميع أنحاء أفريقيا...
باختصار، في كل مكان تصله آفاقنا...
ومثلما كنا نهتم بمتاعب إخواننا الذين توجهوا بقلوبهم وأبصارهم نحونا، ونمد لهم يد العون...
ومثلما نفعل مع إخواننا الذين نفتح لهم حدودنا عند الضرورة...
نحن أيضا اليوم ننتفض ونثور من أجل غزة.
لقد مضت فترة شبابنا وشباب الجيل الذي سبقنا في متابعة وتوضيح ولعن الآلام التي عاشها إخواننا في جميع أنحاء العالم.
لقد ذرفنا الدموع من أجل العديد من المناطق والبلدان، من شبه جزيرة القرم إلى قره باغ، ومن البوسنة إلى كركوك، ومن فلسطين إلى تركستان، ومن أفغانستان إلى الشيشان.
إن البعض اليوم يرى أن غزة مكان بعيد، بعيد جدا، لا علاقة لنا به، بل إنهم يقولون ذلك بكل صراحة.
مع أنه قبل قرن فقط، كانت غزة بالنسبة لهذا الشعب ولهذا البلد مثل أضنة.
فكما كانت سكوبيه مثل أدرنة، وسيلانيك مثل كيركلارألي، والموصل مثل ماردين، وحلب مثل غازي عنتاب، كذلك غزة كانت جزءا من أراضي وطن كنا نظن أنها لن تتجزأ عنه.
عندما تذهبون إلى مقبرة الشهداء في جناق قلعة، انظروا جيدا إلى الأسماء والمدن الموجودة على حجارة القبور هناك..
هناك، سترى شهداء غزة وسكوبيه تماما مثل شهداء باليكسير وشانلي أورفا يرقدون هناك جنبا إلى جنب.
حتى أن غزة قدمت 53 شهيدا في جناق قلعة وهو أكثر مما قدمته معظم المدن التي تقع داخل حدودنا اليوم.
لكنهم فصلونا عن كل هذه الأراضي التي ننتمي إليها بدمائنا وأرواحنا ومحبتنا.
ولم يفرقونا جسديا فحسب، بل استخدموا أيضا كل أنواع الألاعيب لمحوها من عقولنا وقلوبنا.
يجب ألا ننسى أبدا الدروس التي تعلمناها من الأيام المظلمة عندما فقد الملايين من شعبنا حياتهم واضطر الملايين إلى مغادرة منازلهم واللجوء إلى الأناضول.
وأقول من هذا الميدان الذي نجتمع فيه من أجل تقديم الدعم إلى إخواننا الفلسطينيين في قطاع غزة...
يجب علينا أن نغادر هذا المكان ونحن عازمون على عدم السماح مطلقا بظهور مناطق جديدة مثل غزة مرة أخرى.
إخواني وأخواتي الأعزاء...
ليس هناك أدنى شك في أن تركيا دولة عظيمة بتاريخها وثقافتها وجغرافيتها وحضارتها.
وفي الوقت نفسه، فإن تركيا بسبب امتلاكها لهذه الصفات، تتعرض لتهديدات كبيرة ومشاريع كبيرة لن تنتهي أبدا.
يجب أن تدركوا أن، أي أزمة تطرأ... أو أي حادث... يقع في بلادنا جنوبا أو شمالا أو شرقا أو غربا أو حتى خارج بلادنا، أو أي تحالف يتم تأسيسه هو ليس بمعزل عن الألاعيب التي تحاك ضد تركيا.
ولهذا السبب، فإننا هنا لا نلعن المجازر التي تقع في قطاع غزة فحسب. بل إضافة إلى ذلك، نحن ندافع عن استقلالنا ومستقبلنا أيضا.
إذا دققتم في عمق المصطلحات التي يرددها المسؤولون الإسرائيليون على أعلى المستويات، فسوف تظهر خريطة خيانة تشمل أراضي بلادنا أيضا.
أمامنا، سياسة أولئك الذين قاموا عند احتلالهم للقدس بالتوجه إلى قبر السلطان صلاح الدين أحد فاتحي هذه المدينة المقدسة، وأظهروا حقدهم الدفين منذ آلاف السنين.
أمامنا، أطماع ما زالت في قلوب أولئك الذين تصرفوا خلال احتلال إسطنبول، برغبة الانتقام من فتح عام 1453.
أمامنا، نسخ حديثة لأولئك الذين قاموا بتحريض الأرمن في شرق وجنوب شرق الأناضول واليونانيين في بحر إيجه ومرمرة والبحر الأسود وحاولوا تدمير أمتنا.
أمامنا، حسابات لم تنتهِ لأولئك الذين قاموا بتقطيعنا إربا إربا سياسيا وجغرافيا واجتماعيا واقتصاديا على مدى القرنين الماضيين.
لكننا لن نسمح لمن "يساند الكافر" أن يقلب هذه الحقيقة البسيطة من خلال التستر عليها بالخيانة عمدا أو بدون علم.
أنتم أيضا ترون وتتابعون.
إن أولئك الذين ذرفوا دموع التماسيح بالأمس على المدنيين الذين قتلوا في الحرب الأوكرانية الروسية، يشاهدون بصمت مقتل الآلاف من الأطفال الأبرياء اليوم.
هذا المشهد لوحده يخبرنا بالكثير.
في الحقيقة نحن رأينا عدة مرات هذا النفاق، وهذه المعايير المزدوجة، وهذا التمييز غير الأخلاقي وبلا ضمير، خلال هجمات بي كي كي وداعش وغولن.
إن أولئك الذين جاؤوا من على بعد عشرات الآلاف من الكيلومترات بذريعة مكافحة الإرهاب، وقتلوا بوحشية ملايين الأبرياء، لم يمنحونا الحق في حماية حدودنا ووطننا ومواطنينا.
أنا أتحدث بكل وضوح، إن ما فعلناه وحققناه في مكافحة الإرهاب، خاصة في السنوات العشر الأخيرة، قمنا به رغما عنهم.
وبإذن الله تعالى، سنواصل أيضا المضي قدما في الطريق الذي رسمناه بأنفسنا، مع شعار "يمكننا أن نأتي على حين غرّة ذات ليلة".
إخواني وأخواتي الأعزاء...
أنتم تعرفون من هم هؤلاء، أليس كذلك؟
نحن نتحدث عن الغرب الذي وصفه المرحوم محمد عاكف بـ "الوحش الذي بقي له سن واحدة".
بأمريكا وأوروبا وجميع بيادقهم الذين يمسكون خيوطهم بأيديهم.
إن الغرب هو المسؤول الأكبر عن المجازر في قطاع غزة.
ولو وضعنا جانبا بعض الأصوات أصحاب الضمائر غير المرحّب في وجودهم حتى في بيوتهم...
فإن المجازر التي تقع في قطاع غزة، هي نتاج دعم الغرب بأكمله.
ومن الكوميديا الأخرى أنهم يحاولون إخفاء دعمهم الكامل لقتلة الأطفال بمصطلحات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة.
الكل يعلم أن إسرائيل مجرد بيدق في المنطقة سيتم التضحية بها عندما يأتي الوقت المناسب.
ولا يمكن أن نفسر بأي طريقة أخرى القسوة اللامحدودة التي يظهرها اليوم أولئك الذين أقاموا الدنيا وأقعدوها جراء الفظائع التي عانوا منها حتى الأمس القريب.
إن أصحاب اللعبة الحقيقيين في المنطقة هم الذين يدعمون غرور إسرائيل وتكبّرها.
لأن إسرائيل لا تستطيع أن تقوم بخطوة رغما عنهم، ولو حاولت ذلك، فهي لا تستطيع أن تصمد ثلاثة أيام وسوف تنهار.
إن الغرب يحب استخدام البعض كأداة ووسيلة في يده،
دون أن يوسخ يديه،
وأحيانا من خلال الشراء بالمال...
وأحيانا عن طريق إشعال الفتنة بين البعض والآخر...
وأحيانا من خلال التستر على الجرائم، كما هو الحال مع إسرائيل.
ولكن كما أن أي لعبة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، فقد تكشّف الآن هذا التكتيك المخادع والقذر الذي يستخدمه الغرب.
نحن الذين نعرف هذا بأفضل ما يمكن.
نحن نعلم جيدا من يقف خلف الإرهابيين الذين تصدروا المشهد أمامنا في شمال العراق وسوريا، والذين لا تصل قيمتهم إلى خمسة قروش.
نحن نعلم جيدا المؤامرات التي تحاك ضد بلدنا خلف الكواليس من قبل الحكومات الأوروبية والأمريكية.
نحن نعلم جيدا المؤسسات والأشخاص الذين عندما يتعلق الأمر بالكلام تجدهم ليبراليين وتحرريين ويلتزمون بقوانين السوق الحرة ومدافعين عن حقوق الإنسان، ولكنهم يعملون من أجل وضع العراقيل أمام بلدنا.
والآن نشهد نفس الحقائق في قطاع غزة.
لقد حشد العالم الغربي ساسته ووسائل إعلامه لإضفاء الشرعية على المجازر بحق الأطفال والنساء والأبرياء في غزة.
لقد ارتكبت إسرائيل "جرائم حرب" بشكل علني لمدة 22 يوما كاملا، لكن الزعماء الغربيين لم يدعوا إسرائيل حتى إلى وقف إطلاق النار، ناهيك عن إبداء ردود فعل على هذه الجرائم.
وبهذا الموقف الأخير، يكون كتاب الذنوب للغرب قد امتلأ مرة أخرى وتجاوز حدوده كثيرا كثيرا.
بالطبع، من حق كل دولة أن تدافع عن نفسها.
لكن ما يجري في غزة ليس دفاعا عن النفس، بل هو مجزرة دنيئة بكل وضوح.
إنهم يسعون إلى تدمير سكان قطاع غزة بشكل جماعي من خلال الجوع والعطش وانعدام الوقود وانهيار الخدمات الصحية التي يستخدمونها كسلاح ضدهم.
بالأمس كان "الذين يعرفون كيف يقتلون" يذبحون بعضهم البعض، ويقضون على اليهود في غرف الغاز، ويدمرون المدن بأهلها ويمسحونها عن الخريطة بالقنابل الذرية.
ولا تزال نفس العقلية في غزة اليوم.
الغرب هو المرتكب المباشر أو غير المباشر للأعمال الوحشية التي ارتكبت سابقا في قره باغ والبوسنة والعراق وسوريا وأراكان وأجزاء أخرى كثيرة من أفريقيا.
ولهذا السبب فإن غزة تمثل قضية بالنسبة لنا جميعا أيضا، وليس فقط لأولئك الذين يكافحون هناك من أجل البقاء على قيد الحياة.
عندي بضع كلمات أود أن أقولها لأولئك الذين يحاولون أخذ هذه القضية إلى خارج نطاقها الإنساني والإسلامي.
نقول لمن يضعون ألاعيبهم السياسية الصغيرة وحساباتهم التاريخية التي عفا عليها الزمن وتعصبهم المريض في مقدمة النضال في غزة؛ لا تفعلوا ذلك...
لا تحملوا وزر الأطفال والنساء والرجال الأبرياء الذين قتلوا في غزة أو الذين يعيشون تحت خطر القتل في أي لحظة.
لا تشاركوا في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ترتكب في غزة.
خذوا العبر والدروس مما حدث في الماضي القريب في العراق وسوريا وأجزاء أخرى من منطقتنا.
نعم، لا يمكن أن تأتي أي رحمة من ضمير الغرب، ولا يمكن أن تأتي أي نتائج حسنة من أولئك الذين
يتصرفون وفق حسابات تافهة.
ولهذا السبب، وكما هو الحال في جميع المجتمعات في منطقتنا، يجب علينا على الأقل أن نكون متحدين وأن نعمل معا بغض النظر عن الأصل أو المعتقد أو الطائفة التي ننتمي إليها.
وبخلاف ذلك، من المؤكد أن الجميع سيواجه نفس المصير، واحدا تلو الآخر.
لذلك ندعو جميع دول وشعوب المنطقة للالتقاء في رحمة الجماعة والابتعاد عن عذاب الفرقة.
إخواني وأخواتي الأعزاء…
وصل عدد الشهداء من الأطفال منذ بدء الهجمات التي شنتها إسرائيل في 7 أكتوبر /تشرين الأول الجاري وحتى يومنا هذا، إلى 3 آلاف طفل، كما بلغ إجمالي عدد الشهداء 7 آلاف و500 شهيد. بينهم 500 عامل في المجال الصحي و25 صحفيا و38 موظفا في الأمم المتحدة.
نحن نقف أمام وحشية تقصف المستشفيات التي لجأ إليها ما يقرب من 19 ألف جريح من سكان قطاع غزة.
فالأسواق التي يبتاع منها الناس والمدارس والشوارع وكافة المباني تعد بمثابة أهداف في نظر هذه الهمجية.
حيث تم تدمير 30 ألف مبنى وأكثر من 200 ألف مسكن جراء القصف المتواصل.
وكاد كل مواطن في قطاع غزة لا يملك منزلا يأويه أو متجرا يكسب منه قوت يومه.
وقد تم بالفعل تدمير البنية التحتية للكهرباء والمياه والصرف الصحي بالكامل.
وبما أن المساعدات الخارجية غير مسموح بها، فلا يمكن تلبية كافة الاحتياجات الإنسانية في القطاع بدءا من الكهرباء والغذاء وصولا إلى الرعاية الصحية ومستلزمات التنظيف.
ما يحدث منذ الليلة الماضية هو حرفيا حالة من الجنون.
وعلى الرغم من هذا المشهد المزري، إلّا أن الموقف الرزين الحازم والمتحلي بالإيمان لسكان قطاع غزة سيسطر في التاريخ على أنه ملحمة مقاومة مجيدة.
الإيمان والمثابرة يا لهما من خصلتين، وعلى حدّ تعبير أجدادنا يصنعان المعجزات.
والصبر والإصرار يا لهما من خصلتين يمكن من خلالهما حتى أن تثقب الرخام، تماما كما تفعل قطرات الماء حين تضرب نفس المكان.
وفي أعقاب الأحداث الأخيرة في قطاع غزة تجاوزت المقاومة الفلسطينية الصعوبات التي مرت بها في الماضي، وتحولت إلى قصة شجاعة وإخلاص.
في الواقع، إن هذه الروح والعنفوان لطالما كانتا حاضرتين لدى سكان قطاع غزة.
إن الشعب الفلسطيني لم يكن يتلقى الدعم الذي يحتاجه ويستحقه، وذلك جراء الهجمات غير المتكافئة التي تشنها إسرائيل ومناصروها والمواقف غير الحكيمة التي اتخذتها بلدان المنطقة في الماضي.
إن الفلسطينيين الذين اعتقدوا في الماضي أنهم إذا غادروا وطنهم لفترة من الوقت سيجدون السلام عندما يعودون، أو تم تلقينهم ذلك، لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم.
واليوم يقولون ذات الشيء لسكان قطاع غزة.
يقولون لهم "اذهبوا"...
وعندما يسألون "إلى أين؟"، يقولون "اذهبوا إلى الصحراء"، "اذهبوا إلى هذا البلد"، "اتجهوا نحو تلك البوابة".
ثم يمطرون القنابل على من يصغي لهذا الكلام ويمضي في الطريق لأنه مصاب أو عاجز.
لأنهم لا يجيدون إلا القتل ولا يفقهون شيئا غيره.
من هنا أحيي بكل احترام، عزيمة سكان غزة وإصرارهم على عدم مغادرة منازلهم ومدنهم رغم القنابل التي أمطرها المضطهد على رؤوسهم.
بمشيئة الله تعالى سنرى اليوم الذي يختفي فيه الظالمون من حياة الشعب الفلسطيني.
لم يحدث في التاريخ كله أن استمر الظلم إلى الأبد.
إن القمع الذي تمارسه إسرائيل كل يوم بشكل مستمر منذ 75 عاما، حتما سينتهي ذات يوم.
وعندما تبدأ منازلهم في الاحتراق، سيغادر الغربيون الذين يعتمدون عليهم وستترك إسرائيل وحدها في المنطقة مع السكان الذين اضطهدتهم طوال 75 عاما وإخوانهم.
حينها ستكون تركيا أملهم إلى جانب كافة الشعوب المضطهدة، تماما كما كانت قبل 500 عام وفي الحرب العالمية الثانية.
من هنا أجدد النداء الذي وجهته للإدارة الإسرائيلية مؤخرا:
لا تحاولوا ترويض مشاعر تعاطف الأمة التركية بالتفاهات والمواقف والكلمات التي تتخطى حجمكم وأفئدتكم.
لأنكم وأبناءكم ستحتاجون إليها تماما مثل أسلافكم، كونوا على يقين من ذلك.
فأصغوا لنا اليوم لكيلا تخذل الأيادي التي ستمتد لمساعدتكم في ذلك اليوم...
أصغوا اليوم لندائنا من أجل تقديم المساعدة للمظلومين ودعوتنا لفتح أبواب الحوار لإحلال السلام.
هيا اتخذوا اليوم خطوة جيدة ربما لأول مرة في حياتكم من أجل مستقبلكم ومستقبل أبنائكم.
نحن نتحرك انطلاقا من إيماننا الصادق بأنه لا خاسر في السلام العادل.
نحن ندعو محاورينا إلى الالتفاف حول نفس النهج.
إخواني وأخواتي الأعزاء…
نحن أمام واقع قائم في فلسطين، حيث تحرم إسرائيل منذ تأسيسها سكان فلسطين من بيوتهم وديارهم وأوطانهم وحياتهم تدريجيا عبر هجماتها التي تقوم بها.
إن من حق الشعب الفلسطيني مقاومة هذا الظلم بأسنانه وأظافره وكل قوته.
وبالطبع، خلال هذه الحقبة وفي مثل هذا المناخ الذي تفوح منه رائحة النار والدم، وقعت بعض الأحداث غير المقبولة.
لكن لا شيء من ذلك يمكن أن يكون ذريعة لحملات تشويه سمعة مقاومة الشعب الفلسطيني المستمرة تحت مسميات مختلفة.
نحن نرى أن أنباء تنفيذ هجمات ضد المدنيين في الأراضي الإسرائيلية عارية عن الصحة، وقد أعربنا عن ذلك في كل مناسبة.
إن للحرب أخلاقا وقانونا.
واستهداف المدنيين لا يتوافق مع الأخلاق ولا مع القانون.
وحتى عدد المدنيين الذين فقدوا أرواحهم في الأراضي الإسرائيلية لم يتم الكشف عنه بشكل صحيح حتى الآن.
ولكن على أية حال، فإننا نشعر بالحزن على كل مدني فقد حياته.
إن المأساة الحقيقية هي القتل الوحشي للأطفال والنساء والأبرياء في غزة تحت هذه الذريعة.
إن مثل هذه الخسة والحقارة لا يمكن أن تتوافق مع الإنسانية، ناهيك عن أخلاقيات الحرب.
إذا استمرت إسرائيل في التصرف كمنظمة وليس كدولة وفي تطبيق قوانين الغاب انطلاقا من ثقتها بأنها لن تخضع للمساءلة، فلن تتمكن من تجنب التعرض لنفس المعاملة بعد حين.
وبطبيعة الحال، فإن هذه النهاية المأساوية تنطبق أيضا على كافة الدول التي تدعمها.
نحن نعتمد في التعبير عن النتائج والتحذيرات التي توصلنا إليها على ما يلي:
نحن بلد ليس لديه وصمة عار الاستعمار أو المجازر أو الهجمات ضد المدنيين.
إن تركيا لم تتخلَّ أبدا عن وقار ورصانة الدولة في حربها التي دامت أربعين عاما ضد الإرهاب، وفي عملياتها العابرة للحدود والمهام الدولية التي اضطلعت بها.
إن الوقوف إلى جانب الأبرياء ضد الدول والأفراد والمنظمات الدموية هو إحدى السمات الأساسية لتقاليد دولتنا.
وبهذه المقاربة نقف إلى جانب سكان قطاع غزة ضد القمع الإسرائيلي.
وإن كانت مشاعرنا الشخصية مختلفة، إلّا أننا كدولة، لن نحمل عداء أو محبة غير مبررة تجاه أي جهة.
نحن نقف خلف مقترحاتنا لإنهاء القمع في قطاع غزة.
إن منطقتنا بحاجة إلى الخروج من دوامة العنف والحرب التي وقعت فيها.
إن مقترحنا لتنظيم "مؤتمر سلام فلسطيني إسرائيلي دولي"، هو أفضل أرضية في هذا الصدد.
وللمحافظة على الاستقرار، يجب إنشاء مؤسسة ضامنة بمشاركة الدول التي ستساهم بشكل إيجابي في هذه المرحلة.
كما يتعين على القوى من خارج المنطقة أن تتوقف عن صب الزيت على النار المشتعلة في غزة تحت ذريعة التضامن مع إسرائيل.
وينبغي الإعلان الفوري لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية.
واتخاذ الخطوات اللازمة بسرعة للإفراج عن الرهائن.
من جهة أخرى، يجب إنشاء ممر إنساني آمن على الفور لتلبية الاحتياجات العاجلة في قطاع غزة.
إن الإرهاب الذي يمارسه المستوطنون عبر سرقة منازل الفلسطينيين وأراضيهم وقمع الأبرياء في المنطقة منذ سنوات يجب أن ينتهي في أقرب وقت ممكن.
يجب على الدول الإسلامية أن تتحرك بوحدة وتضامن.
ونحن على استعداد للقيام بدورنا لكي تمهد هذه الحرب الطريق لإحلال السلام الدائم.
وأشعر أنه من واجبي أن أذكركم بمقترحنا لتنظيم "مؤتمر سلام فلسطيني إسرائيلي دولي".
وأنا أرى أن الدول الإسلامية في المنطقة اتخذت موقفا أكثر حزما وحكمة تجاه هذه القضية منذ اليوم الأول.
وأود أن أتوجه بجزيل الشكر إلى جميع الدول الشقيقة، لا سيما تلك التي بذلت جهودا حثيثة لإيصال المساعدات الإنسانية وإقرار وقف إطلاق النار.
كما أود أن أغتنم هذه الفرصة لأعرب عن ترحيبنا بالقرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأمس بشأن قطاع غزة.
حيث يعكس هذا القرار الذي شاركت تركيا في تقديمه، صوت الضمير العالمي وموقفه ضد المجازر، رغم أنه قرار غير ملزم.
ومن خلال هذا القرار، اتضح مدى صحة استنتاجنا المتمثل في مقولة "العالم أكبر من خمسة".
وأهنئ كافة الدول التي أيدت القرار، على تضامنها مع سكان قطاع غزة.
نحن في تركيا سنصعّد وتيرة عملنا فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية والتحركات الدبلوماسية والمحافل الدولية.
ونحن على استعداد للقيام بدورنا من أجل وقف إراقة الدماء في غزة، ولكي تمهد هذه الحرب الطريق لإحلال السلام الدائم.
نحن نأمل أن ينتهي شوق إخواننا الفلسطينيين في أقرب وقت ممكن، إلى الوطن والحرية وإلى دولة تأمن فيها أرواحهم وممتلكاتهم.
كما نأمل أن يتم بأسرع ما يمكن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة ومتكاملة جغرافيا على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ونطالب باحترام المكانة التاريخية للقدس وخصوصية المسجد الأقصى.
وندعو كافة الدول إلى التمسك بالقيم المشتركة للإنسانية العالقة تحت الأنقاض في قطاع غزة، إلى جانب الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء.
وأسأل الله تعالى أن يكون في عون جميع إخواننا وأخواتنا الذين يكافحون من أجل التمسك بالحياة في قطاع غزة.
كما أسأله الرحمة لأرواح الشهداء والصبر والسلوان للأحياء.
أشكركم على دعم سكان قطاع غزة المظلوم وإظهار التضامن مع إخواننا الفلسطينيين.