على الساعة 2 صباح يوم 6 أكتوبر 1973، أي منذ نصف قرن يوما بيوم
بالضبط، كانت لحظة فاصلة في تاريخ الشرق الأوسط والصراع
العربي الإسرائيلي. نصف
قرن ترك بصمات مؤثرة وعميقة في حياة كل عربي منذ أن اعتقد الرأي العام العربي أن
عبور قناة السويس جاء ليمسح أثار هزيمة يونيو 1967 ويرفع رؤوسا طأطأها عبد الناصر
بالشعبوية الجوفاء وإعلان انتصارات وهمية! وإلى اليوم مع الأسف ما تزال تلك
الحرب
توظف في دعايات انتخابية وتسوق على أنها (انتصارات)!! ومن الحكمة أن نستمع لرجل
حكيم بفعل السن (100 عام من العمر) كان هو المخطط والمهندس لما يسمى اتفاقيات
السلام بين مصر وإسرائيل وما يرويه لنا من ذكريات تلك الحرب.
من عناوين الييرى الضابط الإسرائيلي المتقاعد أفيغدور كهلاني الذي
تعدّه إسرائيل أحد أبطالها على الجبهة السورية، أن حرب 73 شكّلت
"صفعة" كانت تحتاج إليها بلاده على رغم خسائرها البشرية.. أصيب المقدّم
كهلاني بحروق بالغة في حرب يونيو 1967 التي احتلت خلالها إسرائيل أراضي عربية تشمل
سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وهضبة الجولان.
ننقل للقراء قبل كيسنجر بعض مذكرات شاهد عيان على الميدان وهو الضابط
كهلاني الذي أمضى عاماً في المستشفى للعلاج. ومع اندلاع الحرب بين إسرائيل وكلّ من
مصر وسوريا في السادس من أكتوبر 1973، كان إبن التاسعة والعشرين عاماً قائداً
لكتبية الدبابات 77 التي تم نشرها للتو في الجولان.
اختارت دمشق والقاهرة بدء الهجوم المشترك من سوريا شمالاً ومصر
جنوباً في يوم كانت إسرائيل تحيي عيد الغفران أحد أقدس الأعياد اليهودية وهو يوم
صوم تشلّ خلاله حركة الدولة..
يقول كهلاني (79 عاماً) في مقابلة مع وكالة فرانس برس في منزله في تل
أبيب: "فجأة أدركنا أنها حرب شاملة".
ويضيف: "خلال 24 ساعة سقطت مرتفعات الجولان بأكملها تقريبًا في
أيدي السوريين"، متابعا "كانت نسبة القوات السورية أكبر، فكلّ ثماني أو
عشر دبابات تقابلها دبابة إسرائيلية. وكانت دباباتهم أفضل من دباباتنا، في مؤشر
على صعوبة الأيام الأولى للحرب.. يقول كهلاني "في بعض الأحيان كان يمكن لمن
يراقب مجرى الأحداث أن يقول إنه ليست لدينا (الإسرائيليين) أي فرصة... لكننا
انتصرنا".
نصف قرن ترك بصمات مؤثرة وعميقة في حياة كل عربي منذ أن اعتقد الرأي العام العربي أن عبور قناة السويس جاء ليمسح أثار هزيمة يونيو 1967 ويرفع رؤوسا طأطأها عبد الناصر بالشعبوية الجوفاء وإعلان انتصارات وهمية!
ومن جهته كشف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في مقابلة
نادرة وحصرية مع صحيفة معاريف؛ كواليس ما حدث خلال حرب عام 1973، خاصة ما دار خلال
رحلات تنقله بين تل أبيب والقاهرة زمن المواجهة التاريخية التي انتهت بنصف انتصار
مصري لأن الداهية شارون أحدث النقطة 101 بتغلغل الجيش الإسرائيلي داخل التراب
المصري وتهديده بغزو القاهرة!
كيسنجر الذي تجاوز المائة عام مؤخرا، يذكر في المقابلة التي أجراها
(أبينوعام بار ـ يوسيف) رئيس مركز سياسات الشعب اليهودي عبر تطبيق
"زووم" إن "الأوضاع المتطورة في الشرق الأوسط في خريف 1973 قبيل
الحرب كانت تقريبا روتينية، بل إن التقارير الاستخباراتية لم تحتو على معلومات غير
عادية، حتى الأسبوع الثالث من أيلول/ سبتمبر حين تحدثت الإحاطات الأمنية عن تعزيز
للقوات المصرية، رغم أن الرئيس الراحل، أنور السادات بادر لأعمال مماثلة في سنوات
سابقة أيضاً، ولم يفعل شيئاً أبعد من ذلك"، ورغم ذلك قال كيسنجر، إنه طلب من
قادة المخابرات تقريرا يوميا عن تحركات الجيش المصري، إذا استمر المصريون بتجميع
الجيش.
ويضيف في المقابلة المطولة التي ترجمتها
"عربي21" أن
"المخابرات الأمريكية في كل يوم كررت نفس الخبر، مما أشعرني بعدم الارتياح
إزاء تطور الوضع، دون توفر أخبار تدعم مخاوفي، وبدأت أحاول مع إسرائيل لتهدئة
الأوضاع، فيما خشيت أن أمارس الضغوط عليها، ولذلك أبلغتني أنها لا ترى سببا يدعو
للقلق، رغم تراكم الأخبار لديها في الأيام التي سبقت الحرب عن تمركز قوات مصرية
كبيرة غرب قناة السويس، حيث قدّر قادة الجيش ومسؤولو المخابرات فيها، باستثناء عدد
قليل من الضباط ذوي الرتب المتوسطة، أنها مناورة، وأن المصريين لا ينوون شنّ هجوم.
وأشار إلى أنه "لم ينشأ الخوف من اندلاع حرب فعلية إلا يوم الجمعة
5 تشرين الأول/ أكتوبر، عشية يوم الغفران، حيث أمر الكرملين دبلوماسييه وعائلاتهم
بمغادرة الشرق الأوسط، والعودة إلى منازلهم في موسكو، فيما شهدت لندن في وقت مبكر
من المساء وصول رئيس الموساد تسفي زامير بشكل غير متوقع للقاء (الملاك)، لقب
العميل المصري أشرف مروان، صهر جمال عبد الناصر، وهو أقرب مستشاري السادات، وتعاون
في نفس الوقت مع الموساد، وقبل 14 ساعة فقط من اندلاع الهجوم في سيناء والجولان،
حمل مروان الخبر الذهبي عن (ساعة الشفق)، وتنسيق الهجوم الشامل بين السادات وحافظ
الأسد.
وأوضح أن "هذه اللحظات في إسرائيل شهدت بدء تعبئة قوات
الاحتياط، وغادر قادة الفرق، وركض الآلاف من جنود وضباط الاحتياط لمنازلهم لارتداء
زي الجيش، وتشكلت طوابير الإسرائيليين لجمع التبرعات بالدم للجرحى، فيما وجهت
واشنطن رسالة قاسية لمصر، ولا أذكر أننا أرسلنا مثلها لسوريا، وأعلنّا عن زيادة الضغوط
الدبلوماسية لوقف أعمال العنف، وقمت بتشكيل فريق عمل خاص لاتخاذ القرار بشأن
الاستراتيجية المعتمدة، وكان الهدف أن يصل الإسكندرية قبل أن تطأ أقدام المصريين
سيناء، بغرض وقف القتال، والعودة للوضع السابق، وكنا مصممين منذ اليوم الأول على
منع تحقيق أي انتصار عربي، لأنه سيفسّر نصرا سوفياتياً".
وتابع: "مع اندلاع القتال بدأت تأتينا التقارير الميدانية عن
نجاح المصريين بضرب خط بارليف، والتسلل إلى سيناء بأكثر من مائة ألف جندي وأربعمئة
دبابة ووحدة كوماندوز، فيما فقدت إسرائيل في الأيام الأولى للحرب مائتي مقاتلة
يوميا، وأسر العديد من جنودها، دون أن يتوفر لقواتها الجوية رد حقيقي على صواريخ SA-6 السوفييتية، بل تم إصابة وأسر عدد من
الطيارين، وتعرضت أرتال مدرعاتها في سيناء لحالة اضطراب نموذجي، وفي الأيام
الثلاثة الأولى للقتال، خسرت 49 طائرة مقاتلة، وتضررت 500 دبابة في سيناء، ونقص في
ذخيرة المدفعية بمستودعات الطوارئ، واكتشاف المعدات الصدئة جزئيا، وغير الصالحة
للاستعمال"..